آخر الاخبار
بدون عنوان..!!
بقلم/ مراد القدسي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 23 يوماً
الثلاثاء 27 مارس - آذار 2012 07:02 م

ظن غالبية الشعب اليمني التواق للسلم الاجتماعي والاستقرار المعيشي بأن المبادرة الخليجية – وبعض الظن إثم - تمثل سياجاً محلياً وعربياً ودولياً منيعاً يحول دون إعادة إنتاج مفردات الحرب الأهلية اليمنية وحالة فوضى تجاوزت زمنياً العام ,وعشرات الأعوام من الآلام والعذابات والفرقة , وقبلها حالة التملك المفرط لمقدرات الوطن والمواطن لما يزيد عن ثلاثة عقود من قبل شخوص لا يتجاوزون أصابع اليد.

وبالرغم من الأيام القصيرة التي مضت منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني والانتقال السلمي والسلس للسلطة – ظاهرا- بانتخاب عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً إلا أن الواقع والمعطى السياسي الراهن يدفع المرء إلى مخاوف أشد عتمة من سابقاتها وهي مخاوف مؤداها أن البلد ينزلق إلى الخلف وان الواقع لازال ولوداً لتلك الكائنات التي لم تعد قادرة – على ما يبدو- على الخلود إلى أماكن أمان منحت لها عنوة رغم كل أنواع البطش والسلب الذي مارسته طيلة ما يزيد عن عمر جيل كامل وهي تمسك بزمام كرسي الحكم لتتفرد بكل شيء ينتمي للحياة وبكل ما يؤدي إلى زوالها!!

اليوم تلوح في الأفق اليمني ممكنات العودة إلى حالة الفوضى العبثية لتٌفشل بذلك كل الوصفات الأميركية والأوروبية والخليجية في إنقاذ البلد المنهك، وبات اليمنيون في مثل هكذا وضع وخصوصاً البسطاء منهم يتذوقون مرارة المبادرة الخليجية التي أبقت رئيساً سابقاً في البلد ثار عليه شعبه، إضافة إلى ذلك منحته حصانة من المساءلة القانونية عن أرواح زُهقت وبلد أنهكت واقتصاد دمر وحياة صارت أشبه بحياة الغاب,ولتأتي بعد ذلك المبادرة الخليجية لتمنح المتهمين بتلك الأفعال غير الإنسانية صك غفران حتى دون اعتراف بالجرم المقترف.. حقاً إنها لمأساة حقيقية يصعب التكهن بما ستأتي به من مستجدات لا خيارات فيها.. حتى اليوم هناك عقول تدبر، وأياد باطشة تُنفذ، والغرض منه، القضاء التام على ثورة لا تزال راكدةً، وشبابها موجودون في ساحات الاعتصام ينتظرون اكتمال تحقيق أهداف ثورتهم , فيما الهدف الآخر إفشال الرئيس التوافقي وحكومة الوفاق والضغط عليهما لإبقاء البعض في مواقع قيادية تمكنهم من استمرارية نفوذهم على دوائر القرار السياسي والاقتصادي ,كلاعبين رئيسيين في أداء السياسة الداخلية والخارجية,وبأية أساليب كانت مشروعة أم غير مشروعة , وهو ما تؤكده المعطيات الراهنة ,خاصة بعد أن أميط اللثام مؤخراً عن عدد من الوقائع والأحداث التي عاشتها عدد من المحافظات أدت بمجملها إلى خلق فوضى جديدة كان من أبرز عناوينها إثارة النعرات الطائفية والمذهبية بأسلوبٍ خطير يفسح المجال لكل الطفيليات من أن تعيث فساداً فوضوياً لم يعهده اليمن من قبل,وبدعم من دول خارجية لها مآربها وأهدافها المعروفة سلفاً.

كما أن استفحال ظاهرة الإرهاب القاعدي في كثير من المدن اليمنية حتى تلك التي كان من غير المتوقع أن يحضن مجتمعها مثل تلك العناصر.. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح عن ماهية تلك الجهة – أكانت داخلية أم خارجية – التي غدت تبعثر أحقادها في كل مكان تصل إليه ناهيك عن عرقلة الإصلاحات المناطة بحكومة الوفاق الوطني وإفشال أي تقدم صوب تحقيق بنود المرحلة الثانية من تلك المبادرة التي نزعم أنها نتاج توافق بعض الأطراف دون غيرها وأن كان توافقاً صورياً كما تبديه الوقائع على الأرض.

الخوف الذي يلازم الغالبية العظمى من أبناء الوطن اليوم ,ومنهم أولئك الذين استبشروا بمبادرة الأشقاء خيراً ,لم تخمد مفردات أسبابه تلك الخطوات المتذبذبة في تحقيق أهدافها منذ يوم التوقيع على تلك المبادرة,بل العكس من ذلك نجد التوتر يزداد تفشياً وتشنجاً بين الموقعين الرئيسيين على أوراق الخروج من الفوضى والاقتتال..هذا التوتر حمل في مضامينه نوايا البعض في خلق بؤر صراع لا تستجيب للعقل والحكمة والمنطق ,حيث أن النتائج التي قد يفرزها ذاك الفعل غير الناضج لأيٍ طرف من الأطراف السياسية ,لا شك أن مؤداه سيصب في تفتيت ما هو مفتت ,وبعثرة ما هو مبعثر ,فيما يستمر صراخ المواطن البسيط يعلو مطالباً بأدنى متطلبات الحياة الآمنة والمستقرة والكريمة التي مثلت بالنسبة له مطلباً رئيسياً وأساسياً ,وهو المطلب نفسه الذي دفع الشعب للخروج إلى الساحات والميادين متذمراً من واقع معيشي وأمني ,غدا يؤرق أحلام الملايين من الناس ,وحتى هذه اللحظة لا يزال الواقع يكتنفه الغموض ويدفع به إلى تفاصيل أكثر ألماًُ من الماضي الذي ظل يراود مكانه منذ عقود من الزمن.

إذن المطلوب من حكومة الوفاق – إن بقي هناك وفاق – البدء بالإصلاحات التي تمس حياة المواطن ومتطلباته الدنيا ,أما البقاء في مسارات الصراع الفوقي بين أقطاب العملية السياسية لاشك أنه لن يفضي بأية حلول ناجعة سوى الاستمرار في عبثية خلط الأوراق وازدواجية المواقف ,التي بات الواقع اليمني يئن من مخرجاتها حتى صارت روائحها تزكم الأنوف.. هذا الصراع وذاك الاختلاف الذي عهده المواطن منذ بدء انتهاج العمل الديمقراطي نجد أن الإدمان عليه من قبل الساسة اليمنيين أصبح مستفزاً للعقل اليمني ومهدراً لطاقات من شأنها أن تدفع بالإنسان إلى واقع أفضل وحياة أرقى ,ولكن للأسف الشديد أن الجمعة الجمعة والخطبة الخطبة ولا جديد على الواقع المنتظر .

لا ينكر عاقل أن هناك أطرافاً داخلية “يمنية” غير مستوعبة للمعطيات المحلية والإقليمية المنتشية بالفعل الثوري والإرادة النهضوية التواقة للتحرر الإنساني من عبثية التسلط وديموغواجية الحاكم الذي أمسك بتلابيب الحياة ,محولاً مقدرات الشعوب إلى إقطاعية لا يمكن الاقتراب منها دونه..هذه الثقافة الشيطانية للأسف الشديد نجدها جاثمة على صدور البعض ممن يراهنون على توقف الزمن عند لحظة معينة ,في حين أن التاريخ لا يتوقف ,وحكمة الفيلسوف الإغريقي “ إنك لا تستطيع أن تستحم في ذات النهر مرتين” هي قانون التغيير الأبدي ,فليس هناك شيءً ثابت إلاّ التغيير,فهل يعي أولئك المسكونون بهوس البقاء الأزلي..!!

فهل ننتظر من قادم الأيام فعلاً ثورياً جديداً يعيد ترتيب المنظومة السياسية برمتها أم نمنح أنفسنا مساحة أمل بما هو موجود, لعل وعسى نزدهي بعنوان لواقعنا الحزين..!!؟