آخر الاخبار
اخفاق الكيانات ... قراءة في العمق
بقلم/ عبد العليم الشلفي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 13 سبتمبر-أيلول 2011 12:41 م

ترد هذه المقاربة والفضل فيها بعد الله تعالى يعود إلى احد أكثر الأسئلة الدالة على التبصر وهو من الأسئلة المطروحة على الدوام ما الذي يكمن وراء إخفاق الكيانات التي حققت نجاحات وانتصارات وتقدمت خطوات كبيرة في مضمارها ما هي الأسباب التي جعلت هذه الكيانات التي كانت مضرب المثل في التميز والتفوق تراوح مكانها أو تكافح من اجل البقاء؟؟

على المستوى الفردي عادة ما تتلبسنا عادات ضارة إذا جاز التعبير فمثلا يصاب المرء بالتخمة ولا يمارس الرياضة وربما وجدته يدخن ومع ذلك يظن انه بخير حتى يصاب بنوبة قلبية بسيطة تذكره بنهايته عندها يتخلى فجأة عن عادته السلبيه ويبدأ بتناول السلطات والمشي خمس أميال كل يوم الي غير ذلك من وسائل الحماية أما في حالة الكيانات فتأخذ الأزمة شكلا آخر - تآكل مفاجئ في الأنصار - دخول منافس جديد - تقدم في الواقع يهدد الكيان ويجعله يتخلف عن الركب - تطورات على الواقع قد تعجل بالنهاية لهذا الكيان أو ذاك وربما تهزها مخلصة(بتشديداللام وكسره) إياها من هذه العادة وهنا يجدر بنا تسجيل حقيقة أن هناك كيانات في مختلف المجالات تعمل على نحو نشط لكبح سلوكياتها المدمرة وتغييرها وأخرى أنجزت هذه المهمة وهي في طور التعافي ....

سأشير هنا الي سببين ليتبين كيف إن بعض الكيانات تتبنى نماذج سلوكية مدمرة تتحول إلى إدمان مع الزمن مع التأكيد على أن هذه السلوكيات يمكن التخلي عنها والتغلب عليها ويمكن إعادة العافية إلى هذه الكيانات

السبب الأول الدفاع غير الواعي :

هذا السلوك يظهر عادة للتقليل من القلق عبر رفض الأفكار والمشاعر أو الحقائق التي لا يمكن تحملها على نحو واع وسبب هذا الرفض والإنكار هو أن هذه الأفكار أو المشاعر هي التي تذكر هذه الكيانات بأنها غير معصومة من الخطأ على الرغم من كل شيء وإنها وصلت قمة النجاح بالبراعة والكفاءة أو بالحظ والصدفة وان هذا النجاح الأخير ليس عيبا بل مؤثر ومثير مهما كان السبب.

مشكلة الدفاع غير الواعي تبدأ بالظهور عندما تتناسى هذه الكيانات بداياتها المتواضعة وحظها السعيد فتبدأ بالتباهي ونسبة الفضل لنفسها وقد وجدت في معظم الحالات وليس في كلها أن المؤسسين لم يرتكبوا مثل هذا الخطأ لكنه الجيل الثاني واللاحق وبذهاب المؤسسين تنتشر الأسطورة لتلون الحقائق في تاريخ الكيان في البداية تكون بصيغة حكايات مثيرة تزود الأتباع أو الأعضاء بالصلة -الرابطة الرومانسية – إلى حد ما - التي تجمعهم بماضي الكيان وقيمه الجوهرية وتصبح الأساطير تعنتا وتزمتا وطقوسا متحجرة ومع ذلك يمكن للطقوس أن تنجح طالما بقيت الظروف دونما تغيير لكن حينما تضرب أمواج التغيير أساسات الكيان فإن الطقوس المتصلبة ترد بالرفض والإنكار وقد يأخذ التغيير الذي يلهم الرفض والدفاع عدة أشكال ولكن احد أكثر أشكاله حدوثا هو ظهور التقنيات الحديثة ووسائل الإعلام الفضائية الكاسحة ومن تلك الأشكال انك تلاحظ استغرا ب بعض الكيانات من عزوف الناس وفقدان قوة الجذب ولكنها ترفض الاعتراف بتغير أذواق الجمهور وأنماطهم وأفضلياتهم .

مؤشرات الدفاع غير الواعي

هناك ثلاث علامات فارقة :

١- متلازمة أنا مختلف نحن مختلفون

هذه المتلازمة تعمل في ثقافة بعض الأفراد والكيانات وتؤثر فيهم

ما حصل هناك لن يحصل هنا نحن اكبر حجما أكثر قوة نحن مختلفون

هذا نمط من السلوك الضار نزرعه في حيواتنا كلها شخصية واجتماعية 

وهنا ترد قصة المدخن المسرف في الشرب التي أوردتها قبل- الآخرون يصابون بسرطان الرئة ولكنه مختلف جسمه اقوى وجيناته أفضل وهلم جرا

٢- متلازمة هذه أفكار الغير

تمنع من تبني الأفكار القادمة من خارج الكيان -متلازمة مقاومة للتغيير 

بفعل الكبرياء الذي يمنعك من الاعتراف بأن شخصا ما او جهة ما قد اقترحت طريقة للتحسين والتطوير 

هذا الشكل من الرفض مرض خطير يحرم الفرد والمجموع من خير كثير ويدعو للتقوقع 

٣- متلازمة البحث عن الإجابات في الأماكن غير الصحيحة

هناك خطأ ما أو أخطاء كثيرة وبإمكانك رؤية الأعراض والمؤشرات تماماً كالأعراس في الجسم المريض الرد الأول تجاهلها وعندما يفشل تتجلى هذه المتلازمة على شكل عقلنة ومنطقيه تقلل من أهمية المشكلات دون حلها وتحرفها وتلقي باللوم على عدد كبير من الأسباب البعيدة أو الخارجية 

كيف يمكنننا التغلب على سلوك الدفاع غير الواعي ما يلي مقترحا ربما يضعنا على طريق التعافي :

اولا : نبحث عن المشكلة

فمن خلال المقارنة والتحليل للحالات التي يعاني منها غيرك من الكيانات لست مختلفا افحص مناهجك وأهدافك ووسائلك وطاقم عملك هل تجد تحيزا أو أولويات غير مبررة أو جيوبا مقاومة للتغيير انظر إلى الخارج استعمل المنطق والقوة الذهنية في مواجهة المشكلة والبحث عن الإجابات السهلة والصعبة

ثانيا :اعترف بها

فليس كافيا البحث عن الأعراض المهم عندما تجدها اعترف انك مصاب بها .

ثالثا : تقييمها

عليك ان تقيمها فربما تكون سطحية ويمكن حلها بتغيير طارئ وقد تكون عميقة بعمق ثقافتك الكاملة!! 

رابعا :غيّرها

فأخطر أنواع الدفاع والرفض هو رفض التغيير وهنا سيكون الوقت قد حان لزرع رؤية جديدة واعدة بصياغة بيان الأهداف والرسالة من جديد .

جوهريا فإن الدفاع غير الواعي هو أساس كل سلوك خاطئ .

- قد يقول بان غريزة الدفاع غير الواعي لدى الإنسان فطرية واستجابة إنسانية أساسية وقد تكون أحيانا ضرورية للحفاظ على البقاء يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الحقائق المؤلمة وهذا باب أولاه علماء النفس اهتماما كبيرا ولكنني اقول بأن راحة الدفاع غير الواعي لا تناسب الكيانات وإذا كانت الحقيقة مؤلمة فالاختباء منها يعد فشلا وليس بقاء في عالم الفكر والسياسة والتجارة وغيرها من العوالم التي لا تتسامح مع احد .

السبب الثاني عقدة التفوق الذاتي

هي صورة مبالغ فيها للذات إحساس مبالغ فيه به تنشأ من إنجاز غير عادي استثنائي غير متوقع يولد اعتقادا بأن الكيان محصنة أمام العوامل الخارجية , فالمبالغة في تضخيم الانجازات يقود إلي الهلاك على عكس المقولة السائدة إن النجاح يدعو للنجاح , وتبرز علامات تنذر بإنسلال هذا السلوك إلي الداخل مؤديا إلى الخراب وله مظاهر كثيرة وتختلف من كيان لآخر

1- تجاهل الآخرين والتوقف عن سماعهم معتقدا انك رأيت هذا كله من قبل وتعرفه

2- الاستعراض والتباهي

3- انتهاج العنف اللفظي والعملي والترهيب والتعنيف في التعامل 

4- استغلال الآخرين والضغط عليهم واعتبار ما هو مفيد لك مفيد للأمة

5- التقريب للمداحين ليدعموا الوضع الراهن ويضخموا أناك وابعاد النقاد 

هذه المظاهر وغيرها تنمو في الغرف المغلقة وللتخلص منها افتح الأبواب والنوافذ ودع الضوء يدخل فعلى القائد ان يغير ثقافته إلي أخرى تتميز بالنظر والسمع والتعلم وخاصة التعلم من خبرات الآخرين وهناك بعض الوسائل المعينة على التعافي من هذا السلوك

١-البحث عن تحديات جديدة فتح الأبواب المغلقة واستخدام أساليب غير مطروقه مع التوضيح بأن الفشل معلم جيد للتواضع وان الإخفاق ليس نهائي ما دمنا نتعلم منه الدرس

٢- الاندماج لا الانعزال لان الأخير يولد العظمة 

٣- التنويع مهم وضخ الدماء الجديدة في العروق والأجهزة مهم وملح

٤-الإدارة التشاركية والتعلم بالعمل وتشجيع ثقافة التحدي.  

والفكرة هي تحطيم الحواجز الداخليه حيث يتفاقم مرض العظمة الذي لايصيب الناس والكيانات بين ليلة وضحاها

انه مرض يتشكل على المدى الطويل وتصل جذوره عميقا إلي الأرواح لا تستطيع أي من هذه الاقتراحات أن تضمن الخلاص منه وعلى الأغلب يأتي التغيير حين يصبح أضرار السلوك واضحة للعيان في شكل أعمال خاسرة وجماهير موليه و عند تلك النقطة قد تساعد المقترحات على بعض الحل .

هذه محاولة لفهم اسباب السقوط التي تتسلل الى الكيانات عبر اعضاءها وليست على سبيل الحصر والنتائج التي يمكن ان نوجزها من وراء هذه الاشارات هي

1- الكيانات الناجحة تفشل عندما تغدو غير قادرة على التغيير أو غير راغبة فيه في حين أن محيطها الخارجي يتغير تغيرا ينطوي على دلالات مهمة .

2- عندما تصل الكيانات إلى التميز فإنها تنخرط من دون وعي في سلوكيات خاطئة تؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض نجاحها

3- هذه السلوكيات مكتسبة وليست موروثة وهنا يأتي الدور الحاسم الذي تضطلع به القيادة الرشيدة لمساعدة المنظمة على تجنب اكتساب هذه السلوكيات الخاطئة او على التخلص منها إن وجدت 

4- القادة الناجحون يزودون منظماتهم برؤية وبالإضافة إلى أنهم أصحاب رؤية وبصيرة ثاقبة هم أيضا ملهمون ينتبهون للسلوكيات التي تعترض سبيل رؤاهم وعليهم ان يتوقعوا التغييرات من حولهم ويعدوا منظماتهم على نحو استباقي لتصبح أكثر نجاحا مما هي عليه وعليهم أن يتدخلوا ويغيروا ثقافة الكيان وعملياته وبنيته الهيكلية وأنظمته الداخلية فالقيادة تعني صياغة التوقعات بينما الإدارة تعني الاستعداد لها وتنفيذها

هذان السببان من اخطر العوامل المؤدية للسقوط في حال اهمالهما وعدم الاسراع في تفادي تفشيهما منذ الوهلة الاولى لظهور مؤشراتهما وهناك عوامل اخرى لها اولوية التجنب ربما يتيسر لي الكتابة عنها فيما بعد

والرسالة الايجابية التي أتمنى أن تترسخ في الأذهان هي :

"إذا كنت على استعداد لسبر نفسك بصدق كاف لتكتشف ضعفك فبإمكانك أخيرا ان تغير نفسك نحو الأفضل"