الريبة في الوساطة السعودية
كاتب/مهدي الهجر
كاتب/مهدي الهجر

مع الأسف الشديد وعلى ضوء المراجعة لتاريخ الدبلوماسية السعودية تجاه محيطها الإقليمي في أكثر من محطة مفصلية أو تحد مرت به المنطقة العربية ،فإن نتيجة المسح كانت للآخر أكثر منها لها نفسها أوللقريب .

ولقد ظل هذا الخط يتواتر باستمرار على نفس النكهة والقيمة والنسق لدرجة أن المواطن العربي العادي أصبح في مخزونه موقف شعوري مسبق جوهره الشك والريبة تجاه أي موقف للدبلوماسية السعودية بشان أي قضية ما أكانت إقليمية أو دولية حتى وان كان بريئا .

نحن في اليمن كمجتمع بهذا الموقع الجغرافي الحيوي ، وهذه الكثافة السكانية ، وهذا الحضور المتعدد في الموارد البشرية ، والكفاءات ، والإبداع ، والأحزاب ، والجماعات ، والمثقفين ، والنخب ، وحضور القبيلة والمؤسسة ، نشعر بحميمية وقرب كبيرين مع القيم والنسيج الاجتماعي السعودي ، وبتقدير بالغ وكبير محله الحب والهيبة والتوقير لأسرة آل سعود .

هذه الوجدانيات والمشاعر تحل كترجمة وسلوك على الارض بطريقتها العفوية في الفعاليات الرياضية مثلا والتي تعد مقياسا صادقا وواضحا لمدى الانسجام أو التنافر بين المجتمعات وبعضها ، كما تتمثل في التعبير الشعوري واللاشعوري إزاء تحديات ، أو أزمات أخرى تتهدد الشقيق السعودي .

واعتقد جازما وعلى ضوء يقين ومشاهدة أنه وبافتراض وقعت العربية السعودية لتهديد خارجي ما ، فإن أعداد المتطوعين للدفاع عنها من الشعب اليمني سيتجاوز المتطوعين من السعودية نفسها .

صحيح أن المواطن اليمني في جزء كبير منه ابتهج وسعد بالفيض من الخيرات السعودية أجاءت مقابل جهد وعمل منه أم كمساعدات في أكثر من حالة ومرحلة ، إلا أن علاقته العضوية مع المجتمع السعودي وحبه المكنون ليس محله الريال السعودي ، فهذا إن قيل أوعُوّل عليه لجر علاقات فلن يأتي بسوى الكراهية والأحقاد ــ في ظل العلاقة التقليدية بين الغني والفقير ــ إن لم تكن هناك قيم ووشائج أخرى .

والبدهي في العلاقات الدولية أن التعويل في بناء العلاقات وتركيمها يقوم على الشعوب لا على الأشخاص أو الأنظمة المختزلة .

 لكن الغريب والمجافي لهذه القاعدة أن صناع الدبلوماسية والسياسة الخارجية للإخوة في العربية السعودية بشان اليمن قد جعلوها في دائرة النظام ــ صالح ــ فحسب في الصحو أو الغيم .

رغم اليقين لدى مختلف دوائر صناع القرار هناك أن صالح بشخصه وأدواته القريبة ، قد أصابهم بأكثر من الصداع ، بل والقرحة المزمنة ، ومع ذلك يتطاوعون ويتهادون معه في تعزيز ودعم والحيلولة دون السقوط .

في ذات لقاء مع الأمريكان صاح الأمير محمد بن نايف بحالة من الغضب والتبرم أن السعودية تعاني من مشكلة واحدة فقط حادة ومزمنة اسمها اليمن .

والأمير هنا خانه التعبير في اللفظ فحسب ، رغم كونه محقا في المضمون إذا كان المقصود صالح ونظامه .

إن علي عبد الله صالح ونظامه الذي يطالب الشعب اليمني بسقوطه قد مثل ولا زال وجعا مزمنا ونزيفا حادا ، وهم وقلق على شعبه وجيرانه .

واليوم مصلحة الشعب اليمني ،والسعوديين ودول الخليج في الرحيل العاجل لصالح ونظامه .

الوسيط السعودي

والحق إننا ننظر بريبة وشك وعدم ثقة في الوسيط السعودي ، فهذا الذي لازال مغاضبا للدور الأمريكي السلبي ــ من وجهة نظره ـــ إزاء مبارك بعدم إنقاذه ، وهو الذي فتح الأحضان لبن علي الذي رفضه المجتمع الدولي ، وهو الذي تأبط شرا تجاه الثورة اليمنية ، وتجاه وحدتها ، وهو الذي يتطير من ثورة التغيير في اليمن كما تطير من أمها في مصر ، وهو الذي بادر في سحق انتفاضة البحرين ، وكتم تباشيرها في سلطنة عمان ، بعدها كيف تزول منا الريبة تجاهه ، وتحل فينا الثقة بشأنه وهو الذي ينظر لهذه الانتفاضات والثورات على أنها من مشكاة واحدة ، رغم الاختلاف ، وخصوصية الأنظمة والمجتمعات .

إن الدور السعودي إن قدر له فسيقوم بمحاصرة الثورة اليمنية ونقلها إلى دائرة وطبيعة المشكلة العادية بين الفرقاء ، ومن ثم ستكون على غرار المساعي مع الإطراف اللبنانية ، وسيتنفس صالح الصعداء وسيستعيد أنفاسه وترتيب أوراقه من جديد ثم إعادة تدوير نظامه وإنتاج نفسه في انتخابات قريبة إن أسعف بالوقت .

لذلك فشعبنا اليمني سيرفض هذا الترويض ودوائر التتويه ، وإن كان هناك ترحيب وشبه قبول للمبادرة السياسية من بعض مكونات الثورة اليمنية فبدواعي الحرج والحياء لقيم الإخوة والجوار وكتقليد سياسي ليس أكثر .

إن على العربية السعودية أن تعيد بدقة وعمق قراءة المشهد وتقيمه لاتخاذ موقف ، فان عجز ساستها فلها أن تستعيد بخبراء أجانب متجردين على أولوية المصلحة والقراءة الإستراتيجية .

وعليها أن تختار فإما صالح وإما اليمن كجغرافيا ومستقبل وتاريخ ، وهي الآن لوحدها من تحدد عمق وطبيعة العلاقات القادمة ، وأن تتبين أن صدق وعمق العلاقات لا يكفيها تصريح سياسي ، أو بيان رسمي آني إن لم تكن متجذرة في أعماق الشعوب من خلال سلسلة السلوك الصادق والخبرات والتجارب .

كما عليها أن تعي الطبيعة لثورة التغيير في اليمن في أنها هادئة وسلسة وذات أخوة وحب وصفح ووئام مع فرقائها في الداخل و جيرانها ، بمعنى أنها ليست بالنمط الثوري الراديكالي التصفوي في الداخل والذي يصدر نفسه لجيرانه .

إنه من الخير والعقل والمصلحة أن تقوم دول الخليج بدعم وتعزيز ثورة التغيير في اليمن على أن تترك جفوة وفراغ تقترب منه وتملؤه إيران .

فمن عندنا الجزاء بالمثل ، وجزاء الإحسان الإحسان ، ومن قدم لنا التحية رددناها إليه بأحسن منها .


في الأربعاء 06 إبريل-نيسان 2011 11:04:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=9784