المولد النبوي / البدعة والمشروعية
الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي
الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي

كلما هلَّ هلال ربيع الأول هلَّ بظهور هلاله ربيع النور والهداية , وأشرقت مع شروق شمسه أفراح المؤمنين في إنحاء المعمورة , وانغمرت قلوبهم بالمحبة واليقين والصلاح والإصلاح الذي قاده المولود في شهر ربيع .

وفي المقابل للإبتهاج والفرح والحفاوة التي تظهر في شكل الإحتفالات والمناسبات الدينية وتوزيع الهدايا والحلوى والاجتماع وتلاوة المولد والإكثار من الصلوات على صاحب المناسبة – بمقابل ذلك كله – يُثار الجدل والنقاش والحوارات اللاأخلاقية واللادينية التي تُبَدِّع وتُفَسِّق وتُضلل كل من يحتفي بهذه المناسبة أو يُظهر صورة من صور الإبتهاج .

ومع هذا التيار وخدمة له تنبري المنابر المسجدية والمحاضرات الدعوية ووسائل الإعلام المختلفة لتُوَزِّع المناشير والمطبوعات والمؤلفات الطاعنة في مشروعية هذا الإحتفاء .

خصامٌ ونفرةٌ وتأليبٌ وتعبئةٌ يتراءى لمتابعها أنَّ أصلاً من أصول الدين ومقتضىً من مقتضيات الشريعة قد تَعَرَّضَا للإنتهاك وليس مجرد خلاف قائم ما بين فريقين :

1. فريق يرى مشروعية الإحتفاء بهذه المناسبة .

2. فريق آخر يرى عدم المشروعية وإنما يرى فيها بدعة مضلة .

وما بين الفريقين أضع نفسي مع المحتفين بهذه النعمة في الإطار المشروع فقط , ورفض ما هو غير مشروع كالإختلاط والطقوس البدعية التي تؤديها بعض الجماعات في العالم الإسلامي بشكل عام , وفي مواجهة الفريق الثاني مواجهة مبنية على الحوار الهادئ والنقاش الهادف الذي يُثري القضية نضع السطور التالية:-

• في قلعة الفريق الثاني ( خصم المناسبة ) وفي عقر داره تُقام الإحتفالات العسكرية والكرنفالية بالأعياد الوطنية والرسمية والمناسبات المختلفة , وتُصرف عليها المليارات من الأموال في شكل عبثي مستهجن ولا نسمع زعيقاً ولا نعيقاً , وإنما الصمت والهدوء ومشاركة بعض الشخصيات الدينية حضور هذه المناسبات ، فأيهما أولى وأجدر بالإبتهاج والحفاوة :

* الأعياد الرسمية والوطنية التي سقطت فيها الأرواح والدماء ومورست فيها الإنتهاكات والتسلط والقمع والمصادرة , كذا المناسبات العبثية المختلفة التي تُنفق فيها الأموال بلا حساب ولا يحضر فيها لا ذكر ولا دعاء ؟؟!!

* أم المناسبات والإحتفالات الزاخمة بالأذكار الدينية والأدعية والإبتهالات وتلاوة المولد والصلوات وتوزيع اللحوم والهدايا الرمزية لمناسبةٍ أعادت قيمة الإنسان وكرامته وأخرجته من ظلمات جهله وتجهيله إلى نور هدايته وتنويره؟؟!!

لا شك أن الذكر والدعاء والإبتهال والتذكير بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والصلاة عليه – عند كل عاقل – سنة حسنة دعى إليها الشرع الشريف ولا دخل لها بالإبتداع لا من قريب ولا من بعيد فلماذا المغالطة والمؤمن الحق يقول :

الإحتفاء بمولد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إحتفاءٌ بالإسلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رمز هذا الدين الذي ننعم بهدايته والإنتهال من معينه الصافي الذي شكَّل مولده اهتزازاً لعروش الطغاة والجبابرة الوثنيين الذين ملأوا الدنيا كفراً وإلحاداً وظلماً بخلاف بقية المواليد من بني البشر كما ورد في الجزء الثاني من كتاب البداية والنهاية لابن كثير .

موقف العلماء والدعاة من الإحتفال بالمولد النبوي الشريف :

• يقول فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه ( مائدة الفكر الإسلامي ) ما نصه :

\" إذا كان بنوا البشر فرحين بمجيئه لهذا العالم وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده وكل النباتات فرحة لمولده وكل الحيوانات فرحة لمولده وكل الجن فرحة لمولده ، فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده ؟ \"

*الإمام السخاوي قال : بدأ الاحتفال بالمولد بعد ثلاثة قرون من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

* ورد عن الإمام الشافعي رضوان الله عليه قوله : من جمع لمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهيأ لهم طعاماً وأخلى لهم مكاناً وعمل إحساناً وصار سبباً لقراءته بعثه الله يوم القيامة مع الصديقين والشهداء والصالحين ويكون في جنة النعيم .

* وروى الإمام البيهقي عن الإمام الشافعي أنه قال : المحدثات من الأمور ضربان :

إحداهما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة .

والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد منها وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نِعْمَ البدعة هي .

* الإمام السيوطي قال : وعمل المولد ليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي .

* سلطان العلماء العز بن عبدالسلام قال : أصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة لأن ولادته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعظم النعم علينا والشريعة حثَّت على إظهار شكر النعم .

* الحافظ بن حجر العسقلاني قال : وقد ظهر لي تخريجه – أي عمل المولد- على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى فقال : \" نحن أولى بموسى منكم \" فيستفاد منه فعل الشكر على ما مَّن به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد في نظير ذلك اليوم من كل سنة . وبعد ما تقدم ذكره كنماذج فقط مما يعتبر أدلة قاطعة وبراهين دامغة من علماء عدول صيتهم يملأ الآفاق وعلمهم مشهود به عند الموالف والمخالف فأي شيء بقي لمن كان له عقل وفهم وفكر سليم قويم كي يحاجج ويعاند ليقف ضد هذه المناسبة ؟!

والخلاصة:- فالمولد ليس عيداً شرعياً للمسلمين كعيدي الفطر والأضحى , لكنه عيد يفوق كل الأعياد ومناسبة تعلو على كل المناسبات \" قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون \" فما الذي يضاهي نعمة الإسلام ؟ وأي مناسبة تتفوق على مناسبة مولد من بدد جحافل الظلام ؟

مناسبة الخير والفرح والبركة , يجدر بجميع المسلمين إحياؤها .

لماذا الاحتفال بالمولد ؟

إن المناسبات الدينية وإحياءها والتذكير بها , المراد منه إظهار البهجة والسرور برحمة الله وفضله على عباده .\" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ \" يونس (58)

ونصرة له وإكرام لحضرته وتعظيم لمقامه :\"فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ\" الأعراف(157)

وهو تعظيم لشعائر الله تعالى التي جاء من أجلها رسول الهداية \" ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ \" سورة الحج (32)

وهو صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.\" إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً \" الأحزاب (56)

إننا كأمة هذا النبي العظيم نعتز بذكرى ميلاده كاعتزاز الأمم والشعوب بذكرى أبطالها وزعمائها وملوكها وعظمائها وقادتها وثوارها وما هؤلاء مقارنة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ !وما ذكراهم في مواجهة ذكراه ؟ !

أليسوا أقزاماً أمام عظمته وجلالة قدره ؟!

إن لم نحتفل بميلاده فبمن نحتفل ؟ ! وإن لم نفرح بمجيئه فبمن نفرح ؟ ! وإن لم تغمرنا السعادة بقدومه فأي قدوم يضاهي قدومه المبارك ؟ !

إني أوقن ويوقن معي كافة أبناء هذا الدين أن الإحتفاء والبهجة بميلاده لا يجلبان مغصاً كلوياً ولا صداعاً رأسياً ولا يشكلان إثارة ولا ينكيان جراحاً .

إنه الإرتباط به والتعلق بشريعته والتأسي بتاريخه والإقتداء بسيرته والسير على نهجه , إنه ربطٌ للأجيال بنبيهم وصانع تاريخ أمتهم وباني حضارتهم شاء من شاء وأبى من أبى ومن كان في قلبه مرض فالله حسيبه ورقيبه وهو نعم المولى ونعم النصير وهو حسبنا ونعم الوكيل .


في الإثنين 14 فبراير-شباط 2011 09:26:44 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=9128