اليمن بين عقدتين
أحمد هادي باحارثة
أحمد هادي باحارثة

يأتي القادم من جهة الشمال أيًا كان مستواه أو مركزه إلى حضرموت فيفاجأ عندما لا يبصر معمارًا صنعانيًا ألفته عيناه ، ويعز عليه ألا يطعم قاتًا اعتادته عليه وجنتاه ، ويشق عليه ألا يسمع لهجة ألفتها أذناه ، ما هذا هل هو في اليمن ؟

 نعم هذا هو انطباعه الذي نشأ عليه عن اليمن ، وما خلا منه لا يشعر بيمنيته ، إذن فلتعمر حضرموت بالمعمار الصنعاني ولا بأس بالبدء بالمباني الحكومية المستجدة ، وإذن فليدخل القات إلى حضرموت ، ويجوز أن تحارب تلك الشجرة الملعونة في كل المحافظات ما عدا حضرموت لأن المسألة هنا مسألة هوية ، لكن ما نفعل باللهجة ، فليكن أول دراما حضرمية غير محلية مطعمة بالناطقين باللهجة الذمارية حتى نطمئن إلى أنها دراما يمنية حقًا وصدقًا وعدلاً ، وهاتوا مجاميع من هؤلاء وانشروهم هناك لعل وعسى أن يلتوي اللسان الحضرمي يومًا ما .

 مساكين هؤلاء ، لم يكبروا كما كبر اليمن منذ مطلع عقد التسعينيات ، بل ما زالوا حتى لحظة كتابة هذا المقال يفكرون بعقلية يمن الإمامة ، مازالوا يعيشون عقدة اليمن الأم ، عقدة تتكشف في جميع سلوكهم الذي يجني على مواطنيهم في حضرموت خاصة وفي الجنوب عمومًا .

 سمعت أحدهم يقول إن بحضرموت ( مقومات دولة ) وعلينا أن نمحق هذه المقومات أو نغطي عليها حتى لا تقوم لها قائمة ، فقلت له هل هذا هو تفكير من يعتقد بأن حضرموت يمنية ، إذن أليس من البديهي أن تلك المقومات التي تشير إليها هي مقومات يمنية ؟ كيف يهدم المرء أو وطنه ثم يدعي أنه وطني ؟ إنكم تقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم ، إن هذا يدل على أنكم ذوي عقدة اسمها عقدة الشمال بوصفه نموذج لتصوركم لليمن ، فلن تستطيعوا أن تروا اليمن إلا بخصائص الشمال في كل مظاهره .

 وقال لي آخر أنتم يا حضارم مناطقيون لا ترون أنكم يمنيون ، فقلت له أتسمع كلام الشوارع أم تريد كلامًا علميًا نخبويًا ، فإن كنت شوارعيًا فلا نقاش بيني وبينك فقد قال إمامنا الشافعي ما جادلت جاهلاً إلا غلبني ، وإلا فإنني أتحداك أن تأتني باسم مؤرخ حضرمي ابن حضرمي نص في كتاب تاريخي له أن حضرموت ليست من اليمن ، وطبعًا ليس المقصود اليمن الذي في أذهانكم المحصور في الشمال بل هو اليمن الطبيعية أو اليمن الكبرى أو العربية السعيدة أو ما شئت من هذه الألقاب ، فبهت واتسعت عيناه .

 لكن العجيب أن بعض المنتسبين لحضرموت لديه عقدة أخرى معاكسة ، عقدة تشعره بالنقص والتضاؤل أمام الآخرين ، عقدة توحي له أن العيب في بلده وفي مواطنيه الحضارم ، وأنهم متحفزون للانفصال وإقامة دولة حضرمية مستقلة وكأن هناك خطة معدة سلفًا لتحقيق هذا الهدف ، ويشي بقومه على هذا الأساس ، ويعرض قربان وطنيته على مذبح مسقط رأسه ، ومن ثم يعمل على إعطاء شرعية وعدالة ونبلاً للعقدة الشمالية وما يترتب عليها من سلوكيات تعمل على مسخ حضرموت على كل الأصعدة .

 وينسى أنه إذا كان ( وطنيًا ) حقًا ومقتنعًا بيمنية حضرموت فإن ذلك لا يصح أن يبقى شعارًا تلوكه لسانه ، وإن عليه أن يوقن أن تلك اليمنية تنطبق على جميع خصائص حضرموت لا فرق بينها في ذلك وخصائص الشمال ، فلماذا ينسحب هذا ويتقلص لصالح ذاك ، فإذا كان المعمار الذي في الشمال يمنيًا لا ريب فيه فكذلك المعمار الحضرمي طينيًا أو غير طيني ، وإذا كان تخزين القات خاصية يمنية لأنه وجد في الشمال فكذلك كراهية تعاطيه ورؤيته من قبل الحضارم هو خاصية يمنية سواء بسواء ، وعلى ذلك فقس .

 لكن للأسف نحن الحضارم أو كثير منا مصابون بتلك العقدة المعاكسة فتجعلنا سريعي الانهزام ونصدق سريعًا ما يقوله الآخرون عنا من همز ولمز ونتضعضع له كأنه أمر مسلم ومن ثم نستسلم لسلوكياتهم الغريبة عنا ، أنتم يا حضارم انفصاليون ، فنصدق ذلك ، أنتم ياحضارم تتنصلون من يمنيتكم ، فلا نرتاب في ذلك ، أنتم يا حضارم لديكم مقومات دولة ، فنرتاع ، وهنا يجد المنادي فرصته ليقول أيها الحضارم " توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم " ، فنقتل أنفسنا ، ونظل في حالة برزخية ندور في حلقة مفرغة من محاولة الدفاع عن ( وطنيتنا ) ، والإعلان عنها بمناسبة ولغير مناسبة ، ومن جراء ذلك نتغاضى عن مستحقاتنا وكسح خصائصنا وخصائص منطقتنا لصالح منطقة الشمال الذي يفاخر بعقدته ويداويها على حسابنا ونحن مسلوبو الإرادة .

 وبتأثير تلك العقدة نرى كثيرًا ممن أوتوا مقعدًا في بعض مجالس العاصمة صنعاء من الحضارم ، يبدو أحدهم كالغريب أو كالتلميذ المؤدب في مدرسة تضج بالمشاغبين ، وتراه مرة في صفوفها الأولى ، ثم تارة في آخر صفوفها ، وتارة يقذف به من إحدى شبابيكها غير مأسوف عليه ، ذلك لأن الآخرين يعتزون بانتمائهم القبلي أو القروي ويتخذونه سندًا عند اللزوم ، بينما نجد هذا المسكين متبرئًا من حضرميته التي هي في ضميره قد أصبحت دون غيرها من الانتماءات مرادفة للمناطقية والانفصالية ، فتراه يحرص ألا تكون له علاقة بحضرموت سوى باسم عائلته ، فمثل هؤلاء كمثل من يتولى مناصب في دول المهجر الآسيوي أو الإفريقي من ذوي الأصول الحضرمية لا يمكن بطبيعة الحال أن نتوقع منهم لفت نظر حكوماتهم هناك لحالة حضرموت وأبنائها ، لكن حضرموت بكل تأكيد تسلم من أن يشي أحدهم بها ، وقد لا تسلم من جماعة المهجر الصنعاني .

دعاء

اللهم زدهم ثقة في أوطانهم ،

وحنن قلوبهم على إخوانهم ،

واحلل عقدة من لسانهم .


في الخميس 20 يناير-كانون الثاني 2011 07:14:11 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=8836