رسالة من الفقير إلى شعبه زين العابدين بن علي إلى فخامة الرئيس
د شوقي القاضي
د شوقي القاضي

أما بعد ..

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

*أكتب لك رسالتي هذه من غرفة في ملجأ ضاق بي كجحر حشرة مهانٍ محتقرٍ ، بعد أن ضاقت بي الدنيا بما رحبت ، وتَنَكَّر لي الصديق والقريب والمعاون والعميل ، فلا حراسة لي ولا أمن حولي ، لم أصدق ما حدث ولا زلت على أملٍ أن أكون في حلم مرعب ، أيعقل بعد عِزِّ الرئاسة والفخامة وحفاوة الاستقبال والتوديع ، أعيش الآن خائفاً أترقب ملاحقة قضائية تبهذل بي أمام المحاكم الدولية أو في بلدي ، أو مصيراً كمصير تشاوشسكو وزوجته اللذين سُحِلا في الشوارع ، أو ضياعاً كضياع شاه إيران ونميري السودان وغيرهما ؟!

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

·  حكمت 23 عاماً ، كانت لدي كل الصلاحيات بلا حدود ، فالدستور لعبتي أعبث به كما أريد توسيعاً لصلاحياتي وتجديداً وتمديداً وتوريثاً ، والبرلمان مسخرتي حشرت فيه أغلبية من المرتزقة والمخابيل فسخرتهم لخدمتي وتبرير نزواتي وفساد عائلتي وأقاربي وماسحي أحذيتي ، يفعلون ما يشاؤون ، وينهبون كل شيء بلا رقيب ولا حسيب ، على حساب إفقار البلد وجوع الشعب ورداءة الخدمات وغياب التنمية.

·  وكانت تحت سيطرتي ونفوذي جميع إمكانات البلد والوسائل ، فخزينة الدولة وثرواتها أعبث بها كما يحلو لي وأوزعها لمن أريد ، أعطي هذا وأمنع ذاك ، أشتري هذا وأبيع ذاك ، لاعتقادي أن من حولي مجموعة كلاب وقطط يوالون من يرمي لهم الفتات ، والإعلام الرسمي والموالي بصحفه وإذاعاته وقنواته الفضائية والمحلية تسبح بحمدي فلا شغل لها ولا قضية سوى تمجيد شخصي والدوران في فلكي ، تنقل أخباري وتحلل خطاباتي وتلوِّن صوري.

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

·  أعترف لك كصديق قديم ـ ولا أدري هل لا زلتَ تتذكرني أم أنك نسيتني مع من نساني ـ أعترف لك بأني قرَّبت وجمعت حوالي شُذَّاذ الآفاق من الدجالين والكذابين والمنافقين الذين يعبدون مصالحهم الشخصية فاصطفيتهم بطانة لي ومستشارين لسياساتي وقراراتي ومواقفي فلم أجد منهم إلا الموافقة والتصفيق والتطبيل لكل ما أفعله وأقوله لا يردون عليَّ رأياً ولا يناقشونني في أمر ولا يعرفون كلمة ( لا ) وإنما ينتظرون همسي وتمتماتي ليقروها ويباركوها وكل شيء بحسابه أغدقت عليهم وتركت لهم الحبل على غاربه ينهبون ويأكلون ويعبثون ، المهم ألا يقترب أحدهم مما يغضبني وإلا مسحت به وبكرامته ـ إن بقيت له كرامة ولا أظن ـ وبالذين خلَّفوه بلاط الحمامات وهشيت عليه كلابي الأجيرة لي ففضحوه بصوتهم وأقلامهم بعد أن أكون قد جمعت عليه ما لو عرفه الناس عنه لبصقوه في الشوارع.

·  لكن هؤلاء الكلاب والمرتزقة تخلوا عني وباعوني وجحدوا نعمتي ، وقد تابعتم يا فخامة الرئيس كيف سارعوا بتقديم استقالاتهم من نظامي والتنكر لي عند أول حركة من الزلزال الذي أطاح بي وعصف بحكمي ، فلم أجد حوالي أحداً منهم ، مع أنهم هم من زَيَّن لي ضلالاتي وانحرف بي وبسياساتي فضلوا وأضلوني ولكنهم نجوا وأهلكوني ، وعاد بعضهم إلى بيته ، وأغلقت في وجهي كل الأبواب.

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

·  أعترف لك يا فخامة الرئيس أني رغم غروري وكبريائي وعنادي وشموخي وفخامتي وجلالة قدري وهيلمان سلطتي وسطوتي التي واجهت بها شعبي وبكل من رفع صوته معترضاً على شيء من سياساتي وعبثي وفسادي وعائلتي فنكَّلت بهم وهجَّرتهم وبطشت بمن بقي منهم في البلد فقتلتهم وطاردتهم ورميت بهم في السجون بلا رحمة ، ومن لم يقتله مرتزقتي تقتله سياسات التجويع والإفقار والإذلال والكبت والقمع الذي مارسته وكان عنوان حكمي ، وقد تابعتم حكاية الشاب محمد بوعزيزي الجامعي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على بلطجة أتباعي ومنعه وحرمانه من عَرَبِيَّتِهِ التي كان يبيع عليها الخضروات ليعول نفسه وأسرته ، رغم كل هذا الجبروت لكني أعترف لك بأني كنت ماسح أحذية لصانعي سياسات الدول الكبرى خاصة التي أحس أن لها قراراً في حكمي أو مصلحة في بقائي ، والتغاضي عن فسادي وانتهاكاتي ، وعليها يقع أمل التجديد والتوريث لي ولعائلتي مدى الحياة ، فعشت عبداً لهم وأجيراً لسياساتهم ، أهرول تحت أقدامهم قبل أن يأمروا ، وأسارع في خدمتهم قبل أن يؤشروا ، معتقداً أنهم سندي والحائط الذي أتكئ عليه والقوة التي تحميني وتحمي نظامي.

·  لكني اكتشفت ـ في لحظة لا ينفع معها الندم ولا تجدي حينها الحسرة ـ أنهم أوَّل من تخلى عني وتنكر لي ورفض استقبالي واستضافتي ، وأيَّدوا عدوي وشعبي وانحازوا إليهم ، على أمل أن يبحثوا عن أجير جديد ، وهكذا فعلوا مع من قبلي لكني لم أعتبر.

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

·  أصدقك القول أن كل ما ذكرته لا يساوي الفاجعة التي أصبت بها والمفاجأة التي لم أتوقعها وهي موقف الجيش والشرطة والأمن حتى المخبرين منهم الذين تخلَّوا عني وانحازوا لشعبهم وانتفاضته ، هذا ما لم أتوقعه لأني كنت أعتقد أنهم بيدي وتحت إمرتي وسطوتي خاصة أني اشتريت بعض قادتهم ، لكني صُعِقْتُ عندما رأيتهم يلتحقوا بركب مجتمعهم وقضايا شعبهم وأهلهم ، منتقمين مني ومن عائلتي.

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

·  أعترف لك يا فخامة الرئيس أن 23 عاماً تمُرُّ أمامي الآن كلمح البصر ، أستذكر بعضاً من مشاهدها وصورها فأكاد أصعق ، ذاك الشعب الذي اعتقدته خانعاً جباناً كيف انتفض في وجهي كأسدٍ هصور غير مبالٍ بشئ ، تلك الجماهير التي كانت تهتف لي وتلهج باسمي وترفع صوري وتجتمع أو تُحْشَد لي كيف انقلبت ثائرة عليَّ تطالب بمحاكمتي وموتي ، يواجهون ترسانتي الأمنية بصدور عارية وأيدٍ خالية إلا من قضيتها ، يهتفون في وجهي:

إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة ... فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدر

ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي ... ولا بُدَّ للقيد أن ينكسر

ومَن لمْ يُعَانِقْهُ شَوقُ الحياة ... تَبَخَّرَ في جَوِّهَا وانْدَثَر 

أخي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح .. المحترم

·  لست واعظاً لك ، فلو كان فيَّ خيرٌ لما وصلتُ إلى ما أنا فيه ولما ضيَّعت فرصة أتيحت لي كنت قادراً على أن أصنع مجداً حقيقياً وتاريخاً خالداً ..

·  يا سيادة الرئيس لم أجد من أحد ألجأ إليه بعد مصيري البائس هذا إلا أنت ، فقد رفضتني فرنسا ومالطا وأمريكا ، وتَنَصَّل عن معرفتي كل أصحاب الفخامة والجلالة والسمو ، فقد اتصلت بالأخ " معمر " لكنه اعتذر لي وأعطاني مبلغاً من المال ، واتصلت بالأخ " البشير " فقال لي:" يا زوول اللي فيني مكفيني " ، وأغلق " مبارك " السماعة في وجهي قائلاً:" يخرب بيت أهلك وانا ناقصك ما اعرفش حد بالإسم ده " ، حتى الرئيس الصومالي رفض الرد على مكالمتي ، وقبلني " الملك " مؤقتاً بعد أن تعهدتُُ له أني سأغادر بلده بعد أداء فريضة العمرة.

·  يا سيادة الرئيس كل ما أريده منك ـ إن بقي بيننا معروف ـ هو أن تقبلني لاجئاً في بلدك وتمنحني مسكناً أعيش بَقِيَّت عمري وتقرر لي راتباً أقتات منه منبوذاً مقهوراً ، فقد عَلِمْتُ أن المليارات والعقارات التي نهبتُها على حساب جوع شعبي واكتنزتها في البنوك الغربية قد جمَّدها المجتمع الدولي وسيستردها شعبي ولم يتبقى لي منها إلا اللعنات.


في الأحد 16 يناير-كانون الثاني 2011 08:02:13 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=8793