عاشوراء .. أمل لا ألم.
بسام بن علي الحامد
بسام بن علي الحامد

عاشوراء: هو اليوم العاشر من أيام شهر الله المحرم، وسمي بذلك للمبالغة والتفخيم والتعظيم ، يقول الإمام القرطبي في المفهم : (عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الاصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها ، فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة ) عن فتح الباري 5/435 .

 وهو يوم عظيم مبارك منذ القدم رويت فيه آثار وأحاديث ؛ لكن كثيراً منها لم يسلم من الضعف. من ذلك: (أن هذا اليوم هو اليوم الذي تيب فيه على آدم) وهو:( اليوم الذي هبط فيه إلى الأرض)،( وفيه استوت سفينة نوح على الجودي)، (وفيه تاب الله على قوم يونس). لطائف المعارف لابن رجب .

 ومما صح في عظمة هذا اليوم في الأمم السابقة تعظيم اليهود أتباع موسى -عليه الصلاة والسلام-، فقد كانوا يعظمونه ويصومونه ويجعلونه عيداً ، وسبب ذلك عندهم: أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء . فقال: ما هذا؟. قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى" البخاري 2005 .

ولأن كثيراً من شريعة موسى لم يتغير أو يتبدل بشريعة عيسى -عليه الصلاة والسلام- فقد كان للنصارى حظ من تعظيم هذا اليوم ،وهم فيه تبع لليهود، وحتى قريش على ما كانت عليه من الوثنية وعبادة الأصنام إلا أنها كانت تعظم هذا اليوم وتصومه؛ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:"كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية" البخاري2002 .. ولعل السبب في ذلك ماروي عن الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: ( أذنبت قريش ذنباً في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك). أمالي الباغندي .

وأما المسلمون فلهم النصيب الأوفى والقدح المعلى في تعظيم عاشوراء، فهم أولى بكل نبي من قومه الذين كذبوه وعصوه وكفروا به أوحرفوا وبدلوا دينه الذي بعثه الله به؛ لأن رابطة الإيمان بالله هي أقوى رابطة وأوثق صلة، وأعظم نسباً .. فالنبي لما هاجر إلى المدينة ورأى يهود يصومون عاشوراء فرحاً بنجاة موسى قال: "أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه" البخاري 2004 .

 ومما يدل على تعظيم المسلمين لهذا اليوم: أن صيامه كان في أول الأمر واجباً كما هو ظاهر في الحديث السابق في قوله: "وأمر الناس بصيامه"، وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة، وهي السنة ذاتها التي فرض الله فيها صوم رمضان، وهذا يعني أن وجوب صيام عاشوراء لم يكن إلا سنة واحدة ثم نسخ إلى الاستحباب.. تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :( فلما قَدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامَه -أي عاشوراء-، وأمرَ بصيامه فلمَا فُرضَ رمضانُ تركَ يومَ عاشوراء فمن شاءَ صامَه ومن شاءَ تركه) البخاري2002 . والقول بوجوبه في أول الأمر هو قول أبي حنيفة وأحمد .

ومما يدل على فضل عاشوراء عند المسلمين: أنَ صيامه وإن لم يعد واجباً فهو عطية إلاهية، ومنحة نبوية، وفرصة ذهبية .. كيف لا ؟! وصومه يكفر ذنوب سنة ماضية ؛ فقد سأل رجلٌ النبيَ عن صيام يوم عاشوراء فقال : "أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ" مسلم ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتحرى صيام يوم كما يتحرى صيام عاشوراء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْم فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ وَهذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ" البخاري 2006 .

 ومما يدل على مكانة عاشوراء: وقوعه في شهر الله المحرم، والصوم فيه أفضل الصوم بعد رمضان، قال صلى الله عليه وسلم : "أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ" مسلم ، والحديث عن عظمة هذا اليوم ومكانته عند الصحابة والتابعين يطول، ولكني أحيلكم للمزيد والفائدة إلى الكتاب الماتع اللطيف:(لطائف المعارف) للحافظ ابن رجب .

****

يوم عاشوراء ليس يوماً للألم كما هو الحال عند من يلطمون خدودهم ويصيحون, ويخمشون وجوههم ويولولون, ويعلوا بكاؤهم ويرتفع عويلهم, ويعذبون أجسادهم ويكثر نحيبهم, وتسيل دماؤهم ودموعهم .. يفعلون ذلك حزَناً على قتل الشهيد الحسين بن علي والزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ سيد شباب أهل الجنة -رضي الله عنه-، و لعن الله من قتله وخذله .. لكن قتل الحسين لا يبرر أبداً لهذه الدماء التي تسيل، ولهذا الصراخ والعويل .. جيوب تشقق، ورؤوس وهامات تضرب، ووعيد أكيد وتهديد شديد لمن قتل الشهيد !! .. ولنقف قليلاً عند هذه النقطة: مَن قَتلَ الشهيد ؟! مَن قَتلَ الحسين رضي الله عنه ؟! .. سيجيبُ هذه المرة الدكتور: صادق أذينة، والدكتور: حسن عباس نصرالله -وهما من الشيعة- في كتابهما: ( الأدب السياسي الملتزم ) وفيه :( .. ثم دعاه أهل الكوفة على أن يبايعوه بالخلافة وكتبوا إليه أنهم في جيش مهيأ للوثوب على الأمويين فلبى دعوتهم ...لكن شيعته خذلته بعدما اشترى عبيد الله بن زياد ضمائرهم ودينهم بالدراهم؛ فنقضوا العهد وتخلوا عن الحسين، وأسلموه جيش يزيد فقتل في كربلاء يوم العاشر من محرم سنة 60ه )!! ( عن النمط الأوسط للمشهور 112) ، هذه واحدة .. أما الثانية: فهي أن الأنبياء قد قُتل منهم -مَن قُتل- ظلماً وقهراً ؛ لكن لم تتخذ أيام مقاتلهم مصائب ومآتم ، والأنبياء خيرٌ من الحسين عند المسلمين .. لكنَ الخميني له رأي آخر !! فهويقول : ( إن من ضروريات مذهبنا أنه لا ينال أحد المقامات المعنوية الروحية للأئمة لاملك مقرب ولا نبي مرسل ) بل ينقل عن الكليني قوله :( إن الإمامة فوق النبوة والرسالة والخلة )  الحكومة الاسلامية .

بل إننا نحتسب رسول الله شهيداً لإنه مات متأثراً بالسم الذي وضعته اليهودية في طعامه، ومع ذلك لم يتخذ الصحابة الكرام -بمن فيهم علي وفاطمة والحسن والحسين- من مصيبة موت النبي مأتماً وعزاءً كما يتخذه القوم في عاشوراء ، واستشهد الفاروق عمر بن الخطاب، واستشهد عثمان بن عفان -رضي الله عنهما-، بل استشهد علي بن أبي طالب وهو خير من الحسين -باتفاق الفريقين-؛ ومع ذلك لا يتخذ القوم من يوم استشهاده ما يتخذونه من يوم استشهاد الحسين !! .

وفي الحقيقة هم حريصون على فعل مايفعلونه في هذا اليوم لتحقيق هدفين: 

الأول: إحياء جَذْوَة التشيع في قلوب أصحابهم، والمحافظة على ديمومة مذهبهم وبقائه , يقول إمامهم الخميني: (إن البكاء على الشهيد يُعَدُّ إبقاءً على اتِّقاد الثورة وتأجُّجها) ، ويقول أيضًا:(فبذكْر مصائبهم بقي هذا الدين حيًّا في الأمة).

أما هدفهم الآخَر في إحياء عاشوراء : فهو شحْنُ القلوب، وتجييش النفوس على من يصفونهم زوراً وبهتاناً بأعداء آل البيت -زعموا- ومَن هم أعداء آل البيت في نظرهم ؟ الجواب : هم مَن لا يؤمن بولايتهم على التصور الشيعي .. أي أن أعداء آل البيت: هم أهل السنة والجماعة .

ينادون في هذا اليوم ، يا لثَارَاتِ الحسين، وأين هم قتلة الحسين ؟! لقد أكل عليهم الدهر وشرب !!

****

يوم عاشوراء يوم للأمل لا للألم .. فكما أنه مناسبة للعبادة والصوم والشكر والذكر؛ فهو كذلك يوم أمل وتفائل، فحينما نتذكر النصر الكبير والخارق لنبي الله وكليمه موسى -عليه السلام- على عدوه فرعون -الظالم الظلوم والطاغية الغشوم-؛ نتيقن أن الظلم والباطل والطغيان والفساد مهما علا زبده وارتفع دخانه، ومهما كانت موازين القوة ومراكز القوى راجحة في يده، والأمور في الظاهر تسير لصالحه .. إلا أنه إلى زوال مهما نفش وانتفش ، وأهله ضعفاء مهما نفخوا وانتفخوا .. فكما أهلك الله فرعون -ومن معه- فسيأتي اليوم الذي يُهلِكُ اللهُ فيه فراعنة العصر الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، وظلموا العباد .. فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً .

أسعد الله أوقاتكم !

Abuhamed1000@hotmail.com 


في الثلاثاء 14 ديسمبر-كانون الأول 2010 08:46:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=8526