العلامة العمراني: سعيت لإخراج جثة الشوكاني من القبر ودرّست له
محمد بن اسماعيل العمراني
محمد بن اسماعيل العمراني

يُعد فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني من أبرز علماء اليمن المجتهدين حيث قضى أكثر من نصف قرن في التدريس، ونشر العلم الشرع ، والإفتاء ، كيف كانت بدايته العلمية ؟ وكيف كانت البيئة العلمية في تلك الأيام ؟ ما هو دور القاضي العمراني في نشر وتحقيق تراث الشوكاني ؟

 كيف استطاع شيخ الإسلام الإمام الشوكاني أن يقدم نموذجاً رائعاً للفقيه المجدد الذي استطاع أن يتجاوز حواجز التعصب والتقليد والمذهبية ويقدم دوراً ريادياً للفقيه المجتهد ؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على القاضي العمراني في هذا الحوار :

  حاوره // محمد مصطفى العمراني

فضيلة العلامة هل لكم أن تعظوا القارئ نبذة عن سيرتكم الذاتية؟ وكيف كانت البداية العلمية لكم ؟

 ولدت في صنعاء لأبوين يمنيين في عام 1340هـ ـ الموافق 1922م ، ومات والدي وعمري أربع سنين ، وكفلتني أمي ، ثم دخلت المدرسة الابتدائية ودرست القرآن الكريم ، وأخذت شهادتين : شهادة من مدرسة الفليحي ، وشهادة من مدرسة الإصلاح ، ثم أخذت بعد ذلك أدرس في الجامع الكبير ، وقرأت المتون كمتن الأزهار ، ومتن الكافي في الأصول ، وملحة الإعراب ، وألفية ابن مالك ، وغير ذلك ، ثم درست على يد جماعة من علماء اليمن كثيرين كالسيد عبد الكريم بن إبراهيم الأمير الذي كان يحرر جريدة الإيمان ، والسيد عبد الخالق الأمير ، وقرأت أيضاً على القاضي عبد الله الجرافي ، والقاضي عبد الله السرحي ، وعلى القاضي أحمد الكحلاني ، والقاضي حسن المعزبي ، والقاضي يحيى بن محمد الإرياني والد القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي كان رئيساً للجمهورية ، والقاضي علي بن عبد الله الآنسي ، وجماعة من علماء صنعاء كالقاضي عبد الوهاب الشماحي أكبر علماء اليمن في المذهب الزيدي ، ثم بعد ذلك طلبت للتدريس في المدرسة العلمية وعمري خمسة وعشرين عاماً أي : قبل ستين عاماً ، وأجازني بالتدريس عدد من العلماء أولهم الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي مؤلف كتب الدر الفريد في مجمع الأسانيد كما أجازني القاضي عبد الله حميد والقاضي عبد الله السرحي كما أجازني السيد العلامة قاسم بن إبراهيم؛ وأسانيدي إلى الشوكاني بيني وبين الشوكاني ثلاثة أشخاص فقط في عدة أسانيد؛ فأنا أروي عن السيد العلامة قاسم بن إبراهيم عن القاضي إسحاق المجاهد عن القاضي محمد بن محمد العمراني عن شيخ الإسلام الشوكاني فجميع الطرق كلها بيني وبين الشوكاني ثلاثة من العلماء .

هل كانت الدولة ممثلة بالإمام تشجع نشر وتدريس العلم الشرعي ؟

 لم تكن الدولة تشجع التشجيع الذي يقول عنه أولاد الإمام ، ولا كانوا ضد العلم كما يقال الآن كانوا متوسطين وكانوا أيضاً منصفين والدليل على إنصافهم أنني كنت أُدَرِّس في كتب الأمهات وفي بعض كتب الإمام الشوكاني والعلامة ابن الأمير الصنعاني فجاء زعيم المحافظين السيد قاسم العزي وشتم وسب وتهددني أخيراً بأنه سيكتب إلى الإمام أحمد بأنني أخرب المذهب فكتبت في ورقة إلى السيد محمد زباره أرجو منه أن يقدم ورقتي إلى الإمام أحمد وقلت للإمام في رسالتي : إن السيد قاسم العزي يمنع قراءة كتب الحديث ويقول : إنه حسب إرادتكم فإذا قد كنتم تريدون ذلك فأمروا من لديكم وإلا فامنعوا التدخل بين طلبة العلم وما يريدون أن يقرؤه فلما وصلت الورقة إلى الإمام قال الإمام : عافاكم الله هذا لا يتصور من إنسان عاقل فضلاً عن عالم أن نمنع قراءة وتدريس كتب الحديث ولكن إرغاماً للشيطان وإرضاء للرحمن وقطعاً للسان (مابش) مانع أن تقرءوا ما تريدون من كتب الحديث وتقرءوا شفاء الأمين الحسين في المذهب الزيدي فتجمعوا بين الشيئين وفعلاً بقيت أدرس من كتب السنة ومن هذا الكتاب فهذا دليل على أنهم كانوا معتدلين ولم يكونوا متعصبين

جداً كما يشاع عنهم .

 الإمام الشوكاني رحمه الله يعتبر نموذجاً مشرفاً للفقيه المجدد الذي تجاوز أسوار التقليد والمذهبية والتعصب وكان له دور إيجابي كبير في الدولة كيف استطاع الإمام الشوكاني أن يقوم بهذا الدور الكبير ؟

 أولاً : لابد من معرفة أنه كان قد مهد للشوكاني العلامة ابن الأمير الصنعاني وعبد القادر بن أحمد والمقبلي وغيرهم من العلماء الذين سبقوه ، ما جاء الشوكاني إلا وقد مهد له من سبقوه ومن حظه أنه لقي طلبة أذكياء مهتمين نشروا علمه .

 ثانياً : أنه صمم على السير في هذا الطريق فقد عملوا عليه دعاية مرة أنه ضد أهل البيت وضد المذهب الزيدي وهددوه بأنهم سيقتلونه وبعدها ثبت واعتصم واستطاع أن يثبت على مبدأ، وإذا كانت نية الإنسان خالصة فلابد أن ينجح ومن حسن حظه أنه مات شيخ الإسلام القاضي يحيى بن صالح السحولي وقد كان الناس يقولون : إذا مات السحولي سيبطل القضاء في اليمن وبعضهم يبالغ فيقول : إن الدولة القاسمية في اليمن ستضعف بموته ؛ لأن السحولي كان عالماً كبيراً وكان في غاية الذكاء وفعلاً حينما مات أرسل الإمام المنصور بن علي أحد الوزراء إلى الإمام الشوكاني يبلغه طلب الإمام بأن يكون قاضي القضاة وشيخ الإسلام المسئول في الدولة بدل العلامة السحولي، فلما وصل إليه رفض وقال : أنا مشتغل بالتدريس والتأليف وقد كان بدأ يؤلف كتاب "نيل الأوطار" فرد عليه الإمام : إن المسألة بسيطة يمكنك أن تجمع بين التأليف والتدريس وهذا المنصب فتجتمع في رأس الأسبوع مع القضاة تقرر بعض الأحكام وترد بعض الأحكام فرد عليه الشوكاني : هذه أشياء بسيطة يمكن أن يقوم بها بعض تلاميذي وأنا مشتغل بما هو أعظم فرد عليه الإمام أنه لابد من ذلك فقال: إعطوني مهلة أسبوع فأعطاه الإمام مهلة أسبوع فاستخار الله وأشار عليه العلماء أن يتولى هذه الوظيفة بدلاً من أن يتولاها إنسان جاهل فيكون الشوكاني مسئولاً أمام الله عن رفض هذا المنصب العظيم منصب قاضي قضاة اليمن، ولما جاء الرسول وافق الشوكاني وحضر لدى الإمام واشترط ثلاثة شروط :

 أولاً : أن يحكم على من كان عليه الحكم ولو كان من أولاد الإمام..!.

 ثانياً : إذا كان هناك محبوس في أمر شرعي فله الحق أن يطلقه وليس لأحد من الوزراء أن يحبس في أمر شرعي إلا بأمر منه .

 ثالثاً : أن تكفيه الدولة نفقته .

 فوافق الإمام على ذلك فعاهدهم على أن لا يورث جربة ولا يبني بيتاً وأن يبقى في بيت الدولة أو بيت والده حتى آخر العمر فاستمر واحداً وأربعين عاماً وعاصر ثلاثة أئمة أولهم المنصور بن علي ثم المتوكل أحمد ثم المهدي عبد الله . 

فلما أصبح شيخ الإسلام قاضي القضاة استطاع أن يطبع كتبه وينشر علمه وانقمع المعادون له من الجامدين والرافضين والمتعصبين ، أصبح الشوكاني بعد موت شيوخه أكبر عالم في اليمن ومتقلداً أكبر وظيفة دينية وشرعية فاستطاع أن ينشر اجتهاداته وينشر آراءه ومؤلفاته وتشيَّع له علماء من الهند وطبعت مؤلفاته وأعجب به وبمؤلفاته العلامة صديق حسن خان صاحب الروضة المأخوذة من مؤلفات الشوكاني وكان يقول : شيخنا الشوكاني وهو ليس بشيخه ولا يزال بعض مؤلفات الشوكاني مخطوطاً في الهند ، وبعض المخطوطات انتقلت إلى مصر فطبعت فاشتهر .

 إذا أراد طالب علم أن ينسب للشوكاني رأياً في المسألة فعلى أي كتاب يعتمد لأن الشوكاني تراجع عن بعض المسائل ؟

 يعتمد على "السيل الجرار" فهو آخر كلام الشوكاني وأول قول له في "نيل الأوطار" فالذي يريد جديد الشوكاني عليه بكتاب السيل الجرار وهذا ليس عيباً بل فيه دليل على أنه لم يبق جامداً على المعلومات الأصلية، وقد عاب بعضهم العلامة الألباني لأنه كان في بعض المؤلفات يصحح حديثاً وفي بعضها يضعف الحديث نفسه وهذا ليس عيباً في العالم .

 الإمام الشافعي كان له في بغداد آراء فلما وصل إلى مصر تغيرت آراؤه ، والإمام أحمد بن حنبل تعددت آراءه في بعض المسائل إلى ثلاثة آراء .

 فمثلاً في نيل الأوطار قال الشوكاني : إن غسل الجمعة واجب وفي السيل الجرار تراجع عن كلامه السابق وقال : بأنه مسنون .

 -ما هي جهودكم في نشر وتحقيق تراث الشوكاني ؟

لا توجد لي جهود ولا أسمى مجتهداً ، ولكنه حسن ظن بعض الطلبة يقولون : إنني الذي أحييت مؤلفات الشوكاني ويقولون : إنني الشوكاني الصغير .

 صحيح أنني أول من درس مؤلفات الشوكاني في المساجد وبعضهم كان يدرس للشوكاني "نيل الأوطار" لكنني درست "السيل الجرار" ووبل الغمام ولهجة الشوكاني في الكتابين كلهجة ابن حزم في الشدة على المخالفين، وكنت ممن سعى في إخراج جثته من القبر بعد أن كانت القبور ستمحى ومن جملتها قبر الشوكاني ونقلناها إلى مقبرة أخرى وكان الناس يقولون : إننا وجدنا جثته كما هي وهذا ليس صحيحاً وجدنا هيكلاً عظمياً كالهيكل العظمي المرسوم بالصيدليات .

 -ما هو تقييمك للدور الذي تقوم به جامعة الإيمان ؟ وما رأيك فيمن يقدح فيها ؟

 أما القدح فلن يسلم منه أحد وأنا عندي أن جامعة الإيمان جامعة للعلوم الشرعية وأنها أحسن من غيرها من الجامعات أما القدح فلن يضر ولم يسلم منه حتى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ومن جاء من بعدهم من العلماء والدعاة.

-ما نصيحتكم لطلاب العلم الذين يضيعون أوقاتهم في الخلافات التي تنشأ بين الجماعات الإسلامية ؟

 أنا أنصح طلبة العلم قبل كل شيء بالتوسع في العلم ولكن عليهم أن يحذروا من التعصب .

-ما هي الكتب التي تنصح طلبة العلم باقتنائها ودراستها ؟

 أنصح كل طالب علم أن يقرأ كتاب "أدب الطلب" للشوكاني وأنصح بالإخلاص لوجه الله في طلبهم للعلم الشرعي وبعدها سيرزقهم الله وسيأتي كل شيء .

 بعض الدعاة وطلبة العلم يخرجون بعض الجماعات الإسلامية من السنية والسلفية لمجرد خلافهم في بعض القضايا الفرعية كالانتخابات مثلاً ؟

 هذه الانتخابات أمر مستحدث أقرته الدولة ووافق عليه العلماء وطلبة العلم يجب أن يشغلوا أنفسهم بالذي ينفعهم ولا يختلفوا كثيراً في هذه الجزئيات، نحن أمام خطر الصهيونية التي تنخر في جسم الأمة وأمام خطر منظمات التبشير التي تنشر الصليب وغير ذلك من الأخطار والتحديات، فلا ينبغي لطالب العلم أن ينغمس في هذه القضايا الجزئية، فعلى الدعاة وطلبة العلم أن يتفقوا فيما يتحدون عليه من المسائل القطعية ويعذر بعضهم بعضاً فيما يختلفون فيه من المسائل الفرعية الاجتهادية .

-برغم الفترة الكبيرة التي قضيتموها في نشر وتدريس العلم الشرعي إلا أن مؤلفاتكم قليلة ما هي الأسباب ؟

 لا توجد لي مؤلفات ولا أحسب نفسي مؤلفاً أولاً وقبل كل شيء قد كثرت المؤلفات في مختلف الفنون فلا يحتاج لمثلي أن يؤلف ، والتأليف يكون للعلماء الكبار نحن نحتاج لمن ينشر العلم ويدرسه ، أين سيقف تأليفي بجانب مؤلفات المقبلي والوزير وابن الأمير والشوكاني وابن حجر والنووي نحتاج لمن ينشر هذه العلوم .


في السبت 26 يونيو-حزيران 2010 10:27:45 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=7414