صدمة الحبيشي
علي قاسم غالب الزبيدي
علي قاسم غالب الزبيدي

 لست من الذين يقرءون كثيرا للحبيشي رغم كون بضاعته الاستفزاز والاصطياد في الماء العكر وهي منطلقا لكتاباته، لا أدري هل هي رغبة منه أن يكون فرج فودة اليمن أم على عبد الرازق اليمني أم أن الهوس الفكري وسيلة استرزاق تروق للبعض، فالكاتب يبدأ مقاله ناعما متلمسا لأحوال الأمة العربية وعارضا لوضعها ويتجول في شعاب الفكر والفقه في مقال ينفر آخره من أوله لطوله وتناقضاته، ولن أخوض في المقال لهذه الأسباب ولكن هناك مسألة جوهرية تمنطق حولها الكاتب وتبرم وأرعد وأزبد وهي تناوله للإسلام السياسي والفكر التنويري.

 لقد أدرك كثير من القراء لأول وهلة اعتماد الكاتب على أفكار أكل عليها الدهر وشرب ولاقت حقها من العك واللت ؛ إذ جاء مقاله ترديدا لاسطوانة مشروخة ، فلم يزد على أن رتب ما قيل بأسلوب يرضي نزعة لديه ليدخل إلى نقد الإسلام السياسي ويتحسر على الفكر التنويري بقيادة رفاعة الطهطاوي الذي يعلم الكاتب أنه كان ناقلا للفكر الغربي الفرنسي وقد باءت محاولة الطهطاوي بالفشل وهذا يبعث على تساؤل لماذا يرفض التقليد حينما يكون أصلا وسلوكا إسلاميا ويرحب به حين يأتي عن الغرب فهل كان رفاعة ومن سردهم الكاتب الحصيف مجتهدون وأتوا بما لم تأت به الأوائل؟؟ أم أنهم بوق للآخر مثلما هو بوق لفكر القص واللصق ، وهل ما فشل في إحداثه الطهطاوي ينجح فيه الحبيشي ؟

 أي فكر تنويري يتحدث عنه الكاتب فكر التنازلات عن أمور هي من صيم الدين وماذا فعلت الحداثة وما بعد الحداثة لوضع الأمة العربية المأساوي وما هي القفزة النوعية التي تمت علي يديها؟ ثم كيف للكاتب أن يمدح المواكبة والتحضر من قبل الحركة الإسلامية تارة وتارة ينتقده تحت ما يطلق عليه الإسلام السياسي؟ من أين جاء الكاتب هل كان مخاضه من غير رحم الأوضاع العربية التي ترزح في بؤسها رغم تنازلاتها الكثيرة للحاق بركب الحضارة الغربية وتقديمها فروض الطاعة والولاء، ثم من الذي يحق له أن يفصل ثوبا إسلاميا بمقصه ومقياسه ليضع لنا إسلاما سياسيا وإسلاما اقتصاديا من أين جاء هذا التقسيم ، ومتى كان الحكم والوصول إليه حرام من الواجب إعفاء الإسلام منه ، أليس تناقضا سيدي الكريم وصم الحركات الإسلامية من جانب بالجمود ثم نقدها من جانب آخر إن هي واكبت الحداثة المزعومة ولحقت بركب الديمقراطية ، أم انه الجمع بين الغث والسمين، والكتابة على طريقة حاطب ليل وسيلة عيش ؟

 كنت أتمنى على الباحث أن يقف عند أمر واحد وهو أن يقيم الأدلة الشرعية على حرمة السياسة بالنسبة للإسلام وإن حرمت عليه فعلى من تحلل؟ واتساءل أين يكمن الخلل هل في إحساسنا بضرورة النقد للنقد ذاته وكأنه " دكاك " أو " رازم" أم أننا نريد أن نركب الموجة والسلام ، هل يريد الحبيشي إسلاما يمكن أن نسميه إسلام الهوى ، يقدم "اوردار" ويطلب ما يريد هل ضاق به حال أهل الفكر الإسلامي فكانوا مرمى انتقاداه الذي اتسم بالعمومية والسطحية والرفض رغم طول مقاله واتسعت به حال أهل الفكر الوافد ممن رفضوا في أرضهم ولفظتهم ذائقات مجتمعاتهم ومعارفهم، هل يتوقع الكاتب أن يحصد رضا "كرومر" بعد أن باء بالسخط عالم جليل مثل محمد سعيد رمضان البوطي، ماذا قدم الكاتب مقابل ما قدمه البوطي للفكر الإسلامي، على الأقل كان للبوطي شخصيته التي رفض بها ما رفض خلافا لمن يحب أن يظل متقمصا لدور " الكورس" فينفخ في رماد الآخرين ليشعل ما أنطفا منها.

  إن الكاتب يحوم حول منطلق الحضارة الذي يريده أن يكون من فكر الآخر لا من فكرنا ولذا جاء نقده لرؤية أبي الأعلى المودودي الذي يرى أن انحطا المسلمين خسارة للعالم ن وفرق بين رؤية الكاتبين، إن الحبيشي يريدنا أن نتجاوز الماضي وقد ذكرني هذا الكلام بالصراع الفكري والأدبي على الساحة لأرباب الفكر العلماني وهم يبحثون عن منفذ للحياة بعيدا عن جذورهم تحت مظلة ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويبدو الكاتب متاثرا بهذه الآراء التي تقف في عداء مع الماضي والتراث وتنتقل كلية لرفض الدين بصورته المحافظة إلى دين يسمح بـ

" المخارجة" في لهجة اليمنيين ، لكن الكاتب لم يكن شجاعا ليفصح عما يريد ، فلم يأت مقاله متسلسلا يصل فيه القارئ إلى مطلب واضح ، فلم نعرف ما هو البديل للإسلام السياسي وهل يتبنى هو الفكر التنويري عن الشلة الذين ذكرهم رفاعة وعلى مبارك وعلي عبد الرازق ممن حزمهم في أمتعته وكانوا من عدة مقاله إلى درجة أن فضلهم ‘على من أسماهم الحنابلة وعلى من تهجم على فكرهم كا لشاطبي وابن تيمية.

 صحيح أن المقال استنساخ مشوه لما قيل وقتل قولا لكني استطيع القول أن الكاتب يؤسس بتناولاته لشخصية كاتب تكتب بـ"راس واكي" كما يقال كتابة تقترب من المحظور ولا تهابه، كتابة لا تقيم حرمة للشخصيات أيا كان مقامها، هذا من جانب آخر لكنها تقيم وزنا للشخصيات البديلة التي تضع الإسلام المتحرر من قيود النصوص كما تفضل برأيه ، وبين رغبة التنوير ورفض الإسلام السياسي هل الكاتب مستعد أن يسير في تبني هذا الفكر فنجد أنفسنا أمام حيدر حيدر اليمن ذاك الذي يرفض جذوره ويكيل الشتائم والسباب للماضي وللقرون الوسطى قرون الحضارة ، أم أنها شطحة تداركتها فذاحة سوطي ؟

  وأخيرا كنت أتمنى أن يكون لي طول بال حتى يطول المقال مثل طول مقالك يا حبيشي لكني آثرت هذه الإشارة عن الفكر التنويري والاسلام السياسي وأترك الباقي لوفائك، ويبقى سؤال ما هو الحل لمأزق الإسلام السياسي وقد تفضلت انه لا وصفة سحرية ولا خروج فهل يكون هو نسف الماضي " البغيض" برأيك؟ وترك التمترس خلفه، لماذا لا تخرج على الناس شاهرا صوتك مثلما شهرت قلمك لتقول أن الحل بإسلام جديد يجمع عليه الناس ويرضي جميع الأطراف ، فأنت أوصلت الأمر إلى المأزق وعليك يقع اقتراح الحل، ويخضع الأمر ربما لمصالحة فيتم التعديل في جانب المعاملات أو جانب العبادات او جانب الأخلاق ..الخ المهم أن يكون لنا دين بغير صورته الأولى ؛ دين يواكب على حساب أصوله وثوابته كما يكتب البعض على حساب أمور كثيرة لا يرون أهمية لها وهي عند غيرهم ثوابت ، وانأ أحيلك لتقدم التعويذة من الماضي إلى كتاب الثابت والمتحول لأدونيس فهو يجري في نفس الصف ، لكنه ترك الرصيف والمجال مفتوح ليركض غيره.


في الإثنين 31 مايو 2010 05:23:43 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=7231