باسندوه من حضيرة الحاكم الى ملعب المشترك
عارف علي العمري
عارف علي العمري

(كلنا مطالبون بأن ندرك بأن السلطة هي وحدها المسئولة عن معاناتنا, حتى وان اختلفت ضروب هذه المعاناة وتفاوتت درجاتها).

كانت تلك العبارة السابقة جزء من كلام محمد سالم باسندوه في مهرجان جماهيري كبير أقامته أحزاب اللقاء المشترك في العاصمة اليمنية صنعاء في ملعب الظرافي صبيحة يوم الخميس الخامس عشر من ابريل الجاري, تحت مطلب المجلس الأعلى للمشرك أن يكون شهر ابريل شهر للغضب.

محمد سالم باسندوه الذي يقرن البعض تاريخه بتاريخ رئيس الوزراء الأسبق نظيف اليد واللسان فرج بن غانم, والرئيس الراحل الذي لم يحالفه الحظ في الصعود إلى منصة كرسي الرئاسة المرحوم المهندس فيصل بن شملان, بين هاتان الشخصيتان الذي يقف الشعب اليمني بطوله وعرضه وشماله وجنوبه أمامها نظره إجلال وإكبار نظراً لما يتميز به تاريخهما من مواقف مشرفة, لم تغيرها بريق الدولارات, ولا صفقات الفساد المشؤمة, يأتي محمد سالم باسندوه ليكون رديف تاريخ عريق عاشته اليمن لعقود طويلة من الزمن .

محمد سالم باسندوه احد طلاب مدرسة بازرعة بمحافظة عدن عام 1949م , لم يكن يدور بخلده أنه سيصبح يوماً من الأيام ملاحقاً في شوارع تغز مهدداً بالموت أيام تزعمه مع عدد من رفاقه جبهة التحرير, أو مهدداً بعبارات الشتم والردح السياسي في صنعاء بعد وقوفه مع تيار المعارضة ضد عمليات الفساد والتجويع التي يتعرض لها اليمانيون في هذا الوطن, ولم يكن يعلم انه سيصبح يوماً من الأيام وزيرا لعدة وزارات, ليؤل به الأمر في نهاية المطاف إلى معارض بامتياز لنظام وحكم الرئيس على عبد الله صالح .

باسندوه الذي يعيش في العاصمة صنعاء منذ استقلال الجنوب اليمني عام 1967م , نزح إلى العاصمة صنعاء خوفاً من بطش الجبهة القومية التي أصبحت فيما بعد تتخذ من اسم الحزب الاشتراكي شعاراً لها, وفي عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني عين وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية والشباب في الحكومة التي تولى رئاستها الدكتور حسن مكي , والتي أعلن عن تشكليها في 3 مارس عام 1974م.. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تنشأ فيها وزارة للعمل والشئون الاجتماعية والشباب، إذ كانت توجد من قبل مصلحة للشئون الاجتماعية والعمل، ومجلس أعلى للشباب.. لكن لم تعمر تلك الحكومة سوى ثلاثة أشهر وعشرة أيام , حتى وجد باسندوه نفسه أمام حكومة الانقلاب الأبيض التي قادها الرئيس الناصري إبراهيم الحمدي , وماهي إلا أيام حتى استقرت الحكومة الجديدة في صنعاء فصدر المرسوم الجمهوري بتكليف عبد العزيز عبد الغني برئاسة الحكومة الجديدة , وتم تعيين باسندوه حينها مستشاراً سياسياً لرئيس مجلس القيادة ووزير الدولة , فبقي باسندوه محتفظ بمنصبه هذا حتى شهر أبريل عام 1976م, وبعدها تم تعيينه وزيراً للتنمية ورئيساً للجهاز المركزي للتخطيط.. وإثر استشهاد الرئيس الحمدي، قام عبدالعزيز عبدالغني بتشكيل حكومته الثانية فاحتفظ باسندوه فيها بنفس المنصب الوزاري.. وبقي وزيراً للتخطيط طيلة عهد الرئيس الراحل العقيد احمد حسين الغشمي، كما ظلل في الموقع نفسه بعد تسلم الرئيس علي عبدالله صالح سدة الحكم إلى أن عين بموجب تعديل حكومي يوم 30 أكتوبر عام 1978م، وزيراً للإعلام والثقافة- حتى 20 مارس عام 1979م.. ثم أصبحت عضواً في (المجلس الاستشاري) إلى أن عينه الرئيس على عبد الله صالح في فبراير عام 1985م مندوباً دائماً للشطر الشمالي- (الجمهورية العربية اليمنية) سابقاً- لدى الأمم المتحدة.. وبناء على طلبه تم إعفائه من الاستمرار في شغل ذلك الموقع الدبلوماسي , وبعدها تم تعيينه في يونيوا عام 1988م عضواً في (المجلس الاستشاري)، وعضواً في (مجلس الشورى) أيضاً, وفي الحكومة الائتلافية التي ترأسها المهندس حيدر أبو بكر العطاس في تاريخ 30- 5 – 1993م وانتهت فترتها مع بدايات بوادر أزمة أربعة وتسعين التي انتهت بحرب خرجت قوات الوحدة والشرعية المنتصر فيها, تم تعيين باسندوه وزيراً للخارجية, وبعد انتهاء هذه الحكومة عين باسندوه وزيراً للإعلام في حكومة الأستاذ عبد العزيز عبد الغني التي تشكلت عقب حكومة العطاس, إلا أن باسندوه لم يستمر فيها إلا حوالي سنة وخمسة أشهر, حتى أزيح من الوزارة ليتسلم الأستاذ عبد الرحمن الاكوع وزارة الإعلام في13 /12/1995 م , وبعد ذلك تم تعيينه لاحقاً مستشاراً سياسياً لرئيس الجمهورية .

وعلى مدى أربعين عاماً ظل محمد سالم باسندوه واحداً من الشخصيات السياسية التى شاركت في معظم الأحداث التي عرفتها البلاد إذ كان أحد المساهمين في حرب تحرير الجنوب المحتل وكان من أول ضحايا الصراع السياسي الذي شهده الشطر الجنوبي بين رفاق السلاح في الجبهة القومية التى تسلمت السلطة من الحكومة البريطانية وجبهة التحرير التى أستبعدت من جميع المواقع و دخل الطرفان في حرب أهليه أفضت إلى نزوح معظم قادة الأخيرة إلى الشمال.

في شهر نوفمبر 2008م عاد باسندوه ليتصدر المواقف ويحتل اسمه المكان الأبرز في صفحات الصحف الإخبارية اليمنية والخارجية, ويتصدر ساحات المواقع الالكترونية, ويقود المسيرات المناوئة لحكومة المؤتمر , وكان ابرز حدث يتذكره اليمنيون لباسندوه هو وقوفه في اللقاء الموسع للجنة التحضيرية للحوار الوطني عندما سال الدمع من عينية ليس لمصلحة فقدها, أو لحبيب غيبه الموت, إنما كان بكاؤه للوطن وحده وليس لغيره عندما قال أنا حزين على وطني الذي يسير إلى الوراء بعد هذا العمر الطويل.

كانت دموع محمد سالم باسندوه وهو يتحسر على أوضاع هذا الوطن تهوي على نفوس الآخرين ومسامعهم كالصاعقة، لم تكن دموع المستشار السياسي لرئيس الجمهورية تأتي اعتباطاً إذ انه يدرك بحكمته وعمق تجربته أن اليمن أمام أزمة كبيرة, وان رجل القرار فيها لا يكترث، بل والأسوأ يبدوا انه لم يعد يستمع حتى لمستشاريه الناصحين، ولم يعد يعجبه سوى الاستماع لأصوات مستشاري السوء الذي يحيطون به في الدولة والمؤتمر.

في شهر مايوا من العام 2009 أقرت اللجنة التحضيرية المصغرة في أول اجتماع لها عقد بصنعاء, أن يتولى محمد سالم باسندوه الرئاسة الدورية للجنة التحضيرية, ومنذ استلامه رئاسة اللجنة عمل باسندوه مع أعضاء لجنته على كل ما بوسعه من مشاورات ولقاءات بل وقيادة مسيرات, وكان ابرز حدث في مسيرة اللجنة التحضيرية هو انضمام مجلس التضامن الوطني الذي يترأسه الشيخ حسين الأحمر إلى الجنة التحضيرية للحوار الوطني, ونظراً لنشاطاته السياسية التي تهدف إلى إخراج اليمن من نفقه المظلم إلا انه ظل هدف بارز للشتم وكيل التهم من قبل أطراف لا تريد لهذا الوطن إلا البقاء في زنزانة الفساد, والسير في دهاليز النفق المظلم الذي افتقد الجميع فيه بوصلة تحديد الاتجاه الصحيح.

وكان محمد سالم باسندوة قد أجرى في الاونه الأخيرة عددا من الحوارات الصحفية تحدث فيها عن الأزمة الوطنية في اليمن, وانتقد فيها مظاهر الفساد وعدم تطبيق القانون وسيطرة أصحاب النفوذ القبلي والعسكري على القرار السياسي, مطالبا بضرورة الإصلاحات والحد من الفساد المستشري وغيرها من الآراء السياسية التي لم ترق لبعض الأطراف النافذة داخل وخارج السلطة .

شخصية محمد سالم باسندوه ذو الوجه الأسمر, والرأس الأصلع , تضل واحدة من أهم الشخصيات التي لعب دوراً كبير في عمليات البناء والتنمية, وسارت بالوطن الى بر الأمان, وشاطئ الخير والمحبة .


في الأربعاء 28 إبريل-نيسان 2010 04:55:01 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=6981