هل سنقول يوما: يمن بلا قات؟
نشوان محمد العثماني
نشوان محمد العثماني

قُرعت طبول الخطر مؤخرا على نبتة القات في اليمن, تزامنا مع خطر شحة المياه الذي بات يهدد حوض صنعاء, ومدن كـ"تعز" و"إب", وغيرها, حيث أشارت الإحصاءات إلى أرقام مهولة, بل كشفت بعض الدراسات الطبية عن مخاطر عدة يتسبب بها القات, عوضا عن مساهمة هذه الشجرة في العبث بالموارد المائية في اليمن بشكل يتجاوز أي استهلاك آخر للمياه, بما في ذلك النباتات الزراعية الأخرى, والاستخدامات المنزلية.

وحسب دراسات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء, فإن استهلاك القات للمياه يقدر بـ 800 مليون متر مكعب سنويا, مقابل 25 ألف طن من القات, طبقا لتقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" عام 1995 م, وأوردت أجزاء منه صحيفة "بيئتنا" الصادرة عن منظمة حماة البيئة والتنمية المستدامة في اليمن.

كما تقول المعلومات إن الاستهلاك المائي للقات يقدر بـ 6279 متر مكعب للهكتار الواحد, ما يعني أنه يفوق استهلاك القمح بـ 4252 متر مكعب للمساحة نفسها. كما يستهلك القات في صنعاء وحدها زهاء 60 مليون متر مكعب من المياه سنويا, وهو ضعف ما يستهلكه سكان العاصمة من الماء, وفقا لنتائج البحوث التي أجرتها الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي في اليمن.

ويقدر عدد الذين يتعاطون القات في اليمن بـ 7 ملايين شخص, منهم 70% من الرجال, و 30% من النساء. وواحد من بين كل سبعة من العمال اليمنيين يستخدم للعمل في عملية إنتاج وتوزيع القات, مما يجعله ثاني أكبر مصدر للعمالة في البلاد, متجاوزا بذلك حتى العمالة في القطاع العام, ويمثل 10% من الأراضي المزروعة, حسبما ورد في كتاب الإحصاء السنوي لعام 2005 . ويسهم القات بنحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد, ما يعادل ثلثي ما يساهم به البنزين في الاقتصاد, طبقا لتقرير صدر عام 2007 .

وبحسب "إحصاء الميزانية الأسرية لعام 2005 " فإن القات يعد واحدا من أهم أسباب الفقر في اليمن, وذلك لأن نحو 10% من ميزانية الأسرة اليمنية تنفق عليه, وهي النسبة التي تتجاوز بكثير ما تنفقه الأسرة على الأغذية الأساسية, والأدوية وغيرها من ضروريات الحياة.

إضافة إلى ذلك, فإن للقات مضار صحية تتمثل في الأرق وفقدان الشهية, وارتفاع ضغط الدم, واضمحلال الأسنان, والإمساك, والبواسير, والفتوق, والاكتئاب, كما أنه مسئول عن نقص وزن الأطفال في حال مضغته النساء أثناء الحمل, عوضا عن تسبب المبيدات المستخدمة في زراعته بمعظم أمراض السرطان في اليمن. وللمعلومية فإن اليمن هي الدولة الأسيوية الوحيدة التي تزرع القات, إلى جانب عدد من الدول الأفريقية, كأثيوبيا, وكينيا, وجيبوتي, ومدغشقر, وجنوب أفريقيا.

ومن جملة هذه المخاطر, بدأت الحكومة اليمنية, وبعض منظمات المجتمع المدني تستشعر هذه الخطورة, إذ انعقدت, في 11-12/4/2010, الورشة الوطنية "نحو إستراتيجية فعالة للتقليل من الطلب على القات والحد منه", وهي الورشة التي حضرتها قيادات رفيعة في الحكومة, على رأسها نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن الدكتور رشاد العليمي الذي أكد أن هناك اتجاها لدى الحكومة للحد من آثار القات عبر إجراءات قصيرة وطويلة المدى, لافتا إلى أهمية التركيز على الأجيال القادمة, وطرح البدائل لمواجهة هذه الظاهرة.

ولقد أسعدتنا تجربة طبقت في محافظة ذمار, حيث تم اقتلاع شجرة القات بـ"قاع جهران", واستبدالها بزراعة البطاطس, في حين حكا لنا بعض المشاركين في الورشة, ومنهم عدد غير قليل من متناولي القات, عن دخول القات إلى محافظات وجزر عُرفتْ بعدم تواجده فيها من زمن, ومنها محافظة حضرموت, وجزيرة سقطرى التي غزاها مؤخرا, وكذلك محافظة عدن التي كان مواطنوها لا يتناولونه إلا كل خميس وجمعة فقط.

ويؤسفني أن أكون أحد متناولي القات, وإن بشكل مخفف- ابتداء من 1/7/2007 - إلا أنني أستشعر خطورة بالغة أمام الأرقام المخيفة التي تناولت ظاهرة القات, خصوصا مع أزمة المياه التي تقرع طبول خطرها في اليمن, وأبدو على استعداد لقطعه بشكل كامل قريبا.

ومع أن كل الجهود المبذولة حاليا لا تعد كونها جهودا فردية, أو جهودا تقوم بها منظمات مدنية عددها أقل من أصابع اليد الواحدة, ومنها الدعوة إلى جعل 29 من هذا الشهر "يوما بلا قات", إلا أن الظاهرة, وبهذه الخطورة التي زحفت على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية, إضافة إلى استهلاكها الجنوني للثروة المائية, تبدو بأمس الحاجة لتوجه جاد من قبل الحكومة في التقليل منها أو حتى إنهائها, مقابل إيجاد البدائل. في ضوء التحذيرات الصاخبة من خطر نفاد المخزون المائي في بعض المحافظات اليمنية, وفي مقدمتها العاصمة صنعاء. وأرى أن أول خطوة يمكن القيام بها هي منع إدخال القات إلى المدن الرئيسية في المحافظات باستثناء يوم أو يومين في الأسبوع الواحد, تزامنا مع إعطاء البدائل للمزارعين بدعم من الحكومة, كبذور الخضروات والفواكه والبن وغيرها من المحصولات الزراعية, إضافة إلى تحفيزات أخرى.

ولست مكابرا على الواقع أو متخطيا له, إن قلت إن جهودا جبارة من المفترض أن تبذل من قبلنا جميعا, أفرادا ومنظمات وأحزاب, إضافة إلى الحكومة؛ لكي تصير بلدنا "بلد البن" والخضروات, لا "بلد القات".

فهل سيأتي يوم نحقق فيه ذلك, ونقول: "يمن بلا قات"؟؟. الأمل يحدوني بشكل حاشد.

nashwanalotnmani@hotmail.com

*نقلا عن صحيفة "14 أكتوبر".


في الأحد 18 إبريل-نيسان 2010 10:40:59 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=6911