سيدي المعلم.. ها أنا ذا
منير القاضي
منير القاضي

سمعنا ان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "من علمني حرفا صرت له عبدا". وما يسعني هنا إلا أن أقول لمن نهلت منه الكتب والعلوم على أشكالها:

سيدي المعلم

لقد غصت في غياهب الكتب، وتعمقت في البحث بين سطور المدح، وغدوت أبحث وأبحث أين ما رمت به عيناي وتكالبت به ذاكرتي.. وها أنا أعود إليك مثقلا بالخيبة, وكسرة الخاطر, ولا أجد ما أقدمه إليك أو أسطره تعبيرا عن امتناني لك إلا أن أجرح الشهادة بك وزخم النور الذي تقدمه للعالم.

سيدي المعلم

أنا لست من الذين ينكرون الجميل, وينسون المعروف, وهذا – على كل حال – أحد الدروس التي أخذتها منك ذات يوم, في ذات سنة دراسية من السنوات التي تربيت فيها على يديك.

فما عساي أن أقول, وما عساي ان أقدم لك نظير جميلك, ومعروفك, الذي أنا مدان به إلى أن أسلم روحي لربي.

إنها اللحظة الصعبة, وهنا تتوه التعابير, وتختلط المعاني, وتضيع كل المفردات, وها هي اللحظة ذاتها التي لم أتوقعها, وهي كذلك ذاتها التي لم تعلمني بماهيتها, بل تركتها لي, وجعلت نتيجتها علي, وها أنا ذا اعترف لك أنني فشلت, وقد ذقت طعم الفشل في هكذا دروس. ألم أقل لك ذات صباح إنني لا أساوي شيء دون دروسك؟!.

سيدي المعلم

اسمح لي أن أمرر تلك السنوات, بل قل تلك الأيام, والدقائق والثواني, على نسيم الهواء الصافي, وأمام البحر الزاخر, وصوت الموج الذي يبعث بالنفس نشاطا وتفاؤلاً, وها أنا ذا أضع أفضل وأعظم ذكرياتي بمساحة خاصة وفريدة, لعظمتها عندي, وقيمتها لدي, وأنت بلا شك أول المارين على تلك الساحة.

ها قد بدأت بمدرسة هائل ومرّت بي ذكرياتٌ هي الأثقل علي, والأجمل بلا شك. فمن هنا بدأت, ومن هنا ومن ذاك الفصل انطلقت, وهنا صحت ورددت, ولا يزال صدى صوتي وإخواني يتردد في أرجاء هذه الساحة وتلك الأرض المقدسة. وبين النشيد من داخل الفصل, والمطر النازل من السماء, أراك ولا أقدر أن أنزل ناظري منك وأنت تلقننا مقطع النشيد لنردد ورائك وتمشي ببطء إلى النافذة لترقب أجواء الخارج, هل ستفاجأ إنْ أخبرتك أنني عرفت حينها المغزى من القلق الذي يحوم بك؟!

ولا أستطيع ترك هذه الذكرى بتلك السهولة, ولكن الزمن لا يتوقف والأرض لا تعكس دورتها, وها أنا ذا أنط من على السور وأدلج إلى الساحة الأكبر, وشريط الذكريات المميز والساعات التي لا تنسى منصوبةً أمامي.. إنها مدرسة الثورة, وها أنت ذا تقف مبتسما على باب الفصل, ترقب إلينا ونحن نصطف مع الساعة الثامنة صباحا وما إن نقترب إلى باب الفصل حتى نتزاحم على الدخول؛ لا لشيء ولكني أصارحك إن حصتك كانت هي المفضلة لدينا جميعا.. ولأنها كذلك ولأنك أنت هو أنت, فلا يمكن لي أن أظل قابعا على تلك الطاولة, بل يجب عليّ أن أمشي نحو الهدف وانطلق إلى ما حببتني إليه, وقد قبلت منك نصيحة الأخ الأكبر والأب..

لكنني لم أتصور أن هذه المسافة كلها بصعود وهبوط جبالها, وتلك الطريق الوعر , ستكون بذلك الكم من الصعوبة, ولكنني وعدتك, ولن أخيب ظنك ولن أتراجع, وها أنا ذا في الطريق, وها هي ذات المدرسة وها هو الحلم يوشك ان يبدأ في مرحلتهِ الجديدة, وها هو شريط الذكريات يزيد من قوته, ويشحن بالطاقة للدخول في الأعماق.

إنها ثانوية السابع من يوليو تبسط يديها من بعيد, مهللةً, مبتسمةً, أرى فيها المستقبل يصدح ويضيء, وهل تصدقني إن قلت لك إنني لم أمعن النظر في هذا كله, سوى وقفتك التي لن أنساها وأنت تراقب صفوفنا وتلوح بيديك إلينا أن أهلاً أبنائي؟.

إذا كانت هناك نقطة فاصلة لهذه الذكريات فسأجعلها هنا, لأنني من هنا خرجت إلى العالم, ومن تحت يديك انهل العلم الآن في أوروبا وحيث كنت تحثني وتشد على يدي للوصول إليه.

سيدي المعلم

لو أن المساحة مسموحة لي لذكرت اسمك, وإنها لا تخونني الذاكرة ولا يتملص إلي السهو في ذكر أسمك منذ أن بدأت بالحروف الهجائية والأعداد الصحيحة وجزء عمّ, وحتى خرجت من مطار صنعاء مكملاً مشوارٍ سطرته لي أنت بأناملك الذهبية, ولكتبت مقابل كل اسم قصيدة تطول وتطول, عرفانا بالجميل, ورداً للمعروف, وليس كل جميلٍ في نظري متساو.

هل تسمح لي أن أفاخر بك هنا حيث اخترعت الطابعة واكتشفت الأشعة السينية, وتقدمت الصناعات, وحيث مراتب العلم تقاس بالاختراع, هل لي أن أفخر بك في موطن علماء العالم, وفي قمة الهرم العلمي؟.

لن أستأذنك, وها أنا ذا حقا أصيح وأردد بكل مناسبة تمر بي أنك أنت من جعلني مساوياً بمن هم الآن حولي, وأن العلم لا يعرف مكانا محددا, وها أنا ذا أفخر بك بينهم. و لا زلت أنت تثبت لهم أنك قادر على أن تخرج المزيد والمزيد من تحت يديك وتدخلهم في منافسة من يقال إنهم اختصروا الزمن.

 ها أنا ذا أبذل قصار جهدي لكي لا أخيب ظنك. ولن أعود إلا بما قد وعدتك به, وسأهدي لك مع كل نجاح استطيع تحقيقه وسام شكر, وشهادة وفاء..

سيدي المعلم

أقفلت شريط الذكريات رويداً.. رويداً.

سيدي المعلم

سامحني عن ما بدر مني من لغط.

سيدي المعلم

شهادة الشكر في يوم عيدك هي الطلاب الذين نهلوا على يديك العلم وهم الآن في أرقى جامعات العالم.

سيدي المعلم

والله إني لا أتكبر ولا أمدح نفسي, بل أرد معروفاً, وأقضي ديناً.

سيدي المعلم

أتمنى لو تصلك هذه الرسالة أينما كنت.

سيدي المعلم

شكراً لك....

maas.q@hotmail.com

*طالب يمني في ألمانيا.


في الخميس 15 إبريل-نيسان 2010 08:31:23 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=6894