ماذا لو استنجد أهل الجعاشن بكفار قريش
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل

ليس من الجديد القول أن السلطة الحاكمة في اليمن,وبجانبها القوى المعارضة تجهل التاريخ الإنساني بكل أبعاده السياسية والحقوقية والثقافية , وبسبب ذلك عجزت تلك القوى وفشلت في تقديم ممارسات سلوكية تصون حقوق الإنسان اليمني وتحميه من بطش الأقوياء والظالمين معدومي الرحمة والضمير’في إطار قانوني واضح وصريح يساوي بين الأفراد داخل تراب الوطن,ولهذا تنتقد المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان الحكومة اليمنية بشدة وتحملها مسؤولية الإنتهاكات الصارخة بحق المواطنين في بلادنا.

المقارنة بين حقوق الإنسان في الدول الأخرى"المتحضرة بالتحديد"وحقوق الإنسان اليمني,سيوصل المقارن لنتيجة مفزعة تقول أن حقوق المواطن اليمني معدومة تماما في ظل النظام القائم,وسيجد في مقارنته تلك أن الحكومة المخولة بحماية تلك الحقوق أول من ينتهكها,وأول من يعتمد"شريعة الغاب"حيث الحياة للأقوى والموت والذل للأضعف في التعامل مع المواطنين,وما مأساة الجعاشن وتشريد اهلها بعد انتزاع حقوقهم الطبيعية من قبل شخص واحد برعاية وحماية ومساندة الدولة,سوى دليل دامغ على ما تشهده البلاد من أحداث مؤسفة ومخجلة في تلك الجوانب التي أصبحت في كثير من دول العالم,مجرد "ذكريات مؤلمة"تجاوزها البشر بعد الوقوف أمام أسبابها وأحداثها من أجل استنباط قوانين جديدة مستقاة من مختلف الثقافات البشرية,والتي أدت كما هو معروف إلى تطوير مفاهيم وممارسات إنسانية وقانونية وصلت المجتمعات من خلالها إلى مراحل راقية في ما يعرف بحقوق الإنسان وحقه الطبيعي في حياة كريمة وآمنة ومتساوية لكل الأفراد مهما اختلفت ألوانهم ولغاتهم وأديانهم.

تحتاج السلطة في اليمن إلى دورة تأهيل تتعلم من خلالها معاني حقوق الإنسان,كما تحتاج القوى المعارضة أيضا لدورة تتعلم من خلالها كيف ترغم الحاكم على تبني تلك الحقوق وكيف يحافظ عليها,ولعل المعارضة هنا تتحمل جزءا كبيرا من تلك الممارسات لأنها لو أدت عملها بشكل صحيح لعمل لها الحاكم ألف حساب,وسعى دوما لسد الإختلالات القائمة,لكن يبدوا أن قيام بعض رموز المعارضة بممارسات تساوي ممارسات رموز السلطة,يعمل وبشكل كبير على تجاهل الكثير من القضايا المخزية المحزنة,والتي لو حدثت واحدة منها في دولة أخرى تملك معارضة حقيقية وصادقة لتغير النظام كاملا وليس مجرد وزير أو مسؤول,وعلى المعارضة معرفة وإدراك أن بياناتها الورقية لم ولن تحل مشكلة أو توقف تصرف طاغية او ظالم وفاسد,كما أن الحلول الترقيعية لكثير من القضايا الحقوقية خطأ فادح,عمل على توالد وتكاثر الإنتهاكات الصارخة ضد أبناء الشعب خلال السنوات الأخيرة التي شهدت ممارسات مقززة وخطيرة أهتزت من هولها وبشاعتها أنظمة اخرى,كقتل المتظاهرين والمعتصمين واعتقالهم التعسفي المخالف لكل الأعراف والقوانين,وخطف واحتجاز ومحاكمة الصحفيين وتلفيق تهم ضدهم كما حدث للأيام وبا شراحيل,وبجانب تلك قضايا شديدة السواد شيطانية المشهد,كقضية أنيسة الشعيبي ودرزي وأخيرا وليس بآخر مأساة الجعاشن.

أعلم تماما أن الشعب يمر بمحنة رهيبة تمثل في حد ذاتها"القضية المركزية" المستوجبة تجمع الجهود الوطنية الصادقة لإنقاذ الوطن وإخراجه من تلك المحنة خطوة خطوة,عبر تنفيذ وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء,ما لم فإن العودة إلى الأحلاف والمواثيق البشرية الحامية للضعفاء من بطش الأقوياء سيشكل حلا جزئيا سيساهم في نشر الأمان وتحجيم النفوس الخبيثة المستهترة بالإنسان وقيمته وحقوقه,كما حدث في عهد الجاهلية التي تداعى رموزها يوما لإنشاء"حلف الفضول"الذي شهده المصطفى عليه الصلاة والسلام قبل بعثته وأقره بعدها بقوله أنه لو دعي لحلف مماثل بعد الإسلام لاستجاب له كما قال صلى الله عليه وسلم.

حلف الفضول كان عهدا وميثاقا أجمع عليه كفار قريش وأقروا فيه نصرة المظلوم وإعانة الضعيف ومنع بطش الأقوياء واستغلال نفوذهم وأموالهم في مصادرة حقوق الإنسان التي تعارف عليها القوم في تلك الفترة,مدللين بعملهم ذلك أن الحفاظ على بقاء ولو معايير جزئية من أخلاق البشر مسؤولية الجميع في كل زمان ومكان,ولذلك أقر نبينا عليه الصلاة والسلام ذلك الحلف وأشاد به لما فيم من مكارم حقوقية جاء صلى الله عليه وسلم لتكملتها كما دل حديثه الشريف على ذلك(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

في زحمة المعاناة الإنسانية لأهل الجعاشن خطر ببالي استفسار فرضه التعامل الهش والمخجل مع تلك المعاناة الجماعية من قبل المعارضة وليس السلطة لأنه لا خير فيها,مفاده تساؤل ومقارنة بين سبب إنشاء حلف الفضول نتيجة ظلم لشخص ضعيف انتزع حقه إسم قوي في مكة يومها وبين معاناة أهل الجعاشن المظلومين أمام جبروت شخص واحد,فماذا لو حدثت مأساة الجعاشن في ذلك الزمن واستنجد اهلها بكفار قريش أو بقبائل العرب في التاريخ الجاهلي؟!

من واقع تلك الفترة بجاهليتها في مسألة العقيدة وجودة أخلاقها في الشجاعة والكرم ونجدة الملهوف ونصرة الضعيف,سأتجرأ وأقول أن نسبة حل تلك المأساة وإنقاذ أهل الجعاشن كان أمرا قائما سيتم ببيت شعر وصرخة من ضعيف,قد تلحق العار لإسم قوي بمركزه ونفوذه وأهله وقبيلته,إذ أن العرب وقتها كانت تخشى وتخاف من العمل القبيح الذي يلحقها المهانة والعار,أما في زمن النظام القائم والمعارضة البطيئة فقضية الجعاشن تثبت لكل مكابر ومدعي أن الناس فقدت قيمها وأخلاقها وشهامتها,حتى أنها لم تعد تهتم أو تلقي بالا لأعمالها القبيحة والمزرية,مع ملاحظة أن الآخرين في الدول الأخرى يتسابقون ويتداعون لصيانة الإنسان وحمايته"في أوطانهم أولا"ولو من خلال منظمات مدنية دولية قد يكون القائمين عليها بلا دين أو ملة,لكنهم يحملون قيم بشرية فقدها من يسمون أنفسهم مسلمين ومشايخ كرام من أسر راقية وكبيرة!!!!!!

ما يحدث لأهل الجعاشن عار كبير يتقاسمه الحاكم ومن يسمون أنفسهم مدافعين عن الشعب وحقوقه,وكما قلنا سابقا أن السكوت على أحداث خطيرة من قبل القوى المختلفة في البلاد جشع الكثير من أعضاء فصيلة البطش والظلم والجبروت على ممارسات قبيحة زادت قبحا لحظة تهافت أسماء توصف مبالغة بالقوة والمكانة الإجتماعية ,في الوقوف بقوة ضد من ينتقد تلك الأعمال المخلة كما قال حسين عبدالله الأحمر في وصف محمد أحمد منصور بالشخصية الوطنية وقول يحيى الراعي أنهم في السلطة سيقومون بقطع ألسنة أهل الجعاشن عند تظاهرهم أمام مجلس النواب إذا كان عملهم مبني على تصفية حسابات وتشويه صورة ذلك المناضل الوطني,لكنه لم يقول حتى بعد معرفته الحق أن السلطة ستوقف بالقانون المعتدي الأثيم عند حده.

أهل الجعاشن...لكم التاريخ ولهم الخزي والعار

يستحق أهل الجعاشن من الجميع الدعم والتأييد ولو بالكلمة على مواقفهم العظيمة الرافضة للظلم والجبروت,وهم بمظاهراتهم واعتصاماتهم وثباتهم على الحق يساهمون بشكل كبير في تعبيد طريق الوصول إلى حقوق المواطن المنزوعة على يد النظام القائم اليوم,وسأذكر لهم قصة من التاريخ الأمريكي الحديث خلدتها امرأة سوداء,لأنها آمنت بحقها الطبيعي في حياة متساوية مع الناس جميعا في الحقوق والواجبات,حيث كانت فترة الخمسينات والستينات تشهد في أمريكا تمييزا عنصريا بين البيض والسود,فكان لكل لون مدارس وأحياء ومرافق خاصة تمنع على اللون الأسود بالذات الدخول لمناطق البيض,حتى على مستوى وسائل النقل"الباصات"التي قسمت نصفين كتب في نصفها الراقي(مكان جلوس البيض)وكتب في القسم الآخر(مكان جلوس الألوان الأخرى يعني الأسود)فصعدت تلك المرأة إلى الباص وجلست في المكان المخصص للون الأبيض,وعندما صعد ركاب من ذلك اللون طلب منها القيام ومنحهم المقعد فرفضت وأصرت على أن لا فرق بين الناس والحق لها لأنها ركبت أولا,ليتم استدعاء الشرطة ووسائل الإعلام التي صورت الواقعة ونشرتها أيامها كحدث كبير وهام,لتأتي الأيام والسنوات اللاحقة بقوانين جديدة فرضها النضال المستمر الذي ساوى بين الناس جميعا,وكان لتلك المرأة التي اشتهرت بعدها كأبرز الشخصيات المدافعة عن حقوق الإنسان تكريما كبيرا ومكانة خالدة في التاريخ الأمريكي وحضيت بتكريم خاص من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وتم إطلاق اسمها على الشوارع والمرافق الأخرى المعروفة بإسم "روزا بارك"بينما وضع الباص بمقعده التاريخي في متحف خاص بالحقوق المدنية في إحدى الولايات.

مكانة الشيخ في ثقافة القبيلة...

عندما كانت القبائل العربية تنظم نفسها حسب الظروف التي عاشتها,إختارت لنفسها رجلا نصبته شيخا لها,ليكون محل الحكم والرأي والمشورة وسد الخلافات التي تحدث,وكان الشيخ يحمل صفات كريمة وأخلاق عالية وضعته في مقام الأب الحنون لأفراد قبيلته ولم يكن أبدا مصادرا لحقوقهم ومهينا لإنسانيتهم ,وحتى اللحظة لا زال في اليمن مشايخ من ذلك النوع الكريم والقدير,وشخصيا أعتقد أن محمد أحمد منصور قد خالف بوضوح أعراف القبيلة التي تمنح وتجيز لأهل الجعاشن الحق في اختيار شيخ جديد من أوساطهم فيه من الصفات الإنسانية ما يجعله عاملا في الحفاظ على حقوقهم وصيانة آدميتهم ومجيدا قول كلمة الحق بحكمة الرجل الأول في القبيلة المترفع عن قصائد المدح والنفاق المكتوبة بإهانة الذات وسط بلاط الحاكم على حساب أنفة وعزة القبيلة وأعرافها.

aalmatheel@yahoo.com

   
في الأحد 21 مارس - آذار 2010 06:53:31 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=6712