تجاوز حافة الهوية ... شركاء السقوط
أحمد الزرقة
أحمد الزرقة

عند سقوط الثور تزيد اعداد السكاكين التي تستهدف تمزيقه وتقطيع أوصاله،لكن هناك مراحل تسبق سقوط الثور تبدأ بإثارته وتنتهي بإنهاكه قبل إسقاطه وقتله.

ويستطيع أي مراقب للشأن السياسي اليمني أن يرى ان الاوضاع السياسية في اليمن وصلت لمرحلة الإنهاك،وبدأت أطراف كثيرة تحد سكاكينها لتقطيع اوصاله.

ملامح الانهاك تبدو واضحة على الجسم اليمني ،الذي تكالبت عليه الاوبئة وأمراض السياسة والاقتصاد،وساهمت أطراف يمنية واقليمية في الدفع بتأزم الأوضاع ،والوصول بها نحو الانسداد، وإغلاق مخارج الطوارئ المؤدية نحو أي انفراج يلوح في الأفق للخروج من تلك الحالة ، التي تعكس نفسها على الحياة السياسية ،وتؤدي في نهاية المطاف لتآكل حالة الشرعية لجميع الأطراف في منظومة الحكم وخارجها. ويسمح بظهور قوى جديدة لاتعترف بالقواعد الموجودة في الاطار الرسمي للدولة،بل وستعمل على بناء قواعد خاصة بعملها ، لا تعترف بأي من الاطر الشرعية لدستورية،التي يتم التوافق عليها بين مكونات الدولة بمفهومها البسيط أو المعقد.

تلك القوى التي تنشأ على هامش تراجع الدولة عن ادائها لمهامها وتخليها عن دورها الدستوري والقانوني ،لا تشكل خطرا على بنية الدولة فحسب بل تتجاوزها، لتمثل خطرا على بنية المجتمع وترابطه،خاصة ان جميع تلك القوى لاتمتلك مشروع وطني ، بل هي مشاريع صغيرة ،لها مشاكل مع النظام السياسي ،وتتعمد إظهاره كنظام فاشل ،وتقوم بتصرفات تتجاوز النظام وتصل لحد استهداف المجتمع ككل.

ومعظم تلك القوى لها في الاصل أحقاد شخصية مع الرئيس وحزبه ،بسبب تحالفاته السابفة مع الرئيس في فترة من الفترات، وتنامت بعد اقصائها،واكتشافها انها كانت كرت كما عبر الرئيس علي عبدالله صالح ذات مرة لقناة الجزيرة.

اذا فهناك خلل في الادارة السياسية ، رافقه وجود مشاريع مناهضة لاقصاء اصحابها،وكل طرف يستخدم الطريقة التي يمتلكا ويعتقد انها مؤثرة وستعيدة للتشكيلة الاساسية في الساحة السياسية.

فالحوثيون والقاعدة يلعبون على مربع الفوضى والسلاح وتقويض وجود الدولة بقوة السلاح والاستيلاء على مناطق جغرافية وادخال اطراف دولية واقليمية للساحة،وكما برز التدخل الايراني – السعودي في صعدة على يد الحوثيين،تحاول القاعدة الانتشار في مثلث اخر موازي للمثلث الحوثي( صعدة – عمران – الجوف) سيبرر هلال القاعدة قيام عمليات امريكية في (مأرب – شبوة – ابين ) وهي المحافظات التي تحتوي تضاريسها على اراضي صحراوية وجبلية شاسعة لا تخضع لسيطرة الدولة ويسهل التنقل فيها اعتمادا على حماية رجال القبائل.وتكثيف العمليات للتنظيم انطلاقا من هذه المحافظات الى العاصمة صنعاء ومحافظة حضرموت لتوجيه ضربات نوعية للمصالح الاقتصادية سيؤدي من وجهة نظر التنظيم الى جذب القوى الدولية وخاصة امريكا للتدخل لمحاربتها على اراضي اليمنية ،مما سيمكن المجاهدين من أعضاء التنظيم من قتل اكبر عدد من تلك القوات (راجع كتاب التوحش) ، ولعل التحذيرات الدولية وأخرها ما جاء في السادس من هذا الشهر على لسان الرئيس الامريكي اوباما بان القاعدة في اليمن تمثل خطرا يجب ملاحقته تشير الى ان هناك استعدادات أمريكية وغربية قائمة للبدء بحرب ضد القاعدة على الأراضي اليمنية ، حيث سبق تهيئة الرأي العام العالمي على مدار الثلاث السنوات الأخيرة بوجود خطر كبير وحقيقي يمثله تواجد القاعدة في اليمن وانها أصبحت ملاذا آمنا لأعضاء التنظيم الهاربين من باكستان وافغانستان.

اضافة الى ذلك هناك مشكلة تنامي الاحتجاجات في عدد من المحافظات الجنوبية والتي بدأت تتخذ في الاونة الاخيرة طابعا عنيفا يرتكز على الكراهية والقتل بحسب الهوية،والتي تصاعدت وتيرتها عقب الانتخابات الرئاسية الاخيرة في 2006م ،ولم تنجح الاجراءات الحكومية في تهدئة تلك المحافظات على الرغم من التصريحات الرسمية من انه تم تلبية مطالب تلك الجماعات ، والحديث عن الاستجابة للمطالب المادية واغفال المطالب السياسية التي هي المحرك الرئيس لتلك الاحتجاجات.

واذا اضفنا الى فشل السلطة والمعارضة في الجلوس على مائدة الحوار على الاقل لمناقشة ما تم الاتفاق عليه في اعلان فبراير 2009م واجراء اصلاحات حقيقية للنظام الانتخابي وشكل النظام السياسي ،واصلاح الاختلالات الاقتصادية والادارية التي تعصف بالبلاد، وذلك يكشف ازمة عدم الثقة بين الطرفين ،وغياب النوايا الحقيقية للوصول لاتفاق سياسي يمكن بعده لكل الاطراف اعداد وثيقة او رؤية انقاذ وطني لمعالجة القضايا التي تسربت من بين ايدي تلك القوى.

فالحزب الحاكم اعجبه غياب تلك القوى عن الساحة السياسية فذلك يخفف عنه عبء العمل السياسي بسبب اشكالات كبيرة في بنيته التنظيمية وعدم تفرغ قياداته للعمل التنظيمي.

بينما يتهرب اللقاء المشترك من ذلك الحوار بسبب تحفظ الحزب الاشتراكي على قيام أي حوار بعيد عن القضية الجنوبية،والمواقف المتباينة بين حزبي الاصلاح والحق بخصوص الموقف من حرب صعدة.

من شأن عدم التوصل لاتفاق سياسي على ما جاء في اتفاق فبراير ،انقضاء العامين دون اجراء انتخابات نيابية وبالتالي لا يمكن التمديد للمجلس لفترة قادمة ، لان ذلك سيعني التمديد للرئيس لفترة اضافية ، واعتقد ان هناك اطراف في المشترك وربما الحزب الحاكم تسعى لعد اجراء انتخابات برلمانية في موعدها مما سيؤدي لغياب أي شرعية برلمانية، ولن يتم اجراء انتخابات رئاسية في موعدها مما يعني غياب المشروعية الدستورية في منصب رئيس الدولة الى جانب غياب المشروعية الدستورية للبرلمان.

ان ما هو حاصل في تقديري تدركة جميع الاطراف السياسية اليمنية في السلطة والمعارضة ، لكن ادائها على ارض الواقع يشير الى عكس ذلك ، فيا ترى ماهو السيناريو الذي يعتمد عليه كل طرف ، وهل هناك اتفاق للوصول بالوضع الى الحافة ،وتخويف الجميع بسيناريو انعدام الامن للوصول لصيغة تسوية جديدة ، والعودة لمربعات التحالف السياسية التي تعبت اليمن من التنقل بين خاناتها والتي سيكون اطرافها بالتأكيد القبيلة ورجال الدين والجيش الجديد.

وهل تتعمد النخبة السياسية تطبيق نظرية الفوضى الخناقة وليس الخلاقة،لان الفوضى وان كانت خلاقة كما يقولون ضريبتها مكلفة وباهضة ،نسأل الله ان يجنبنا اياها.


في السبت 12 ديسمبر-كانون الأول 2009 12:17:27 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=6179