خطاب مفتوح إلى مدير شركة الخطوط الجوية اليمنية والعاملين فيها
أستاذ دكتور/عبدالوهاب بن لطف الديلمي
أستاذ دكتور/عبدالوهاب بن لطف الديلمي

كان التاريخ 8/8/2009م يوم السبت الساعة 3 عصرا انه الوقت الذي أقلعت فيه الطائرة اليمنية لتقلنا من القاهرة إلى صنعاء.

فوجئت بعد إقلاع الطائرة بزمن يسير بإعلان من احد العاملين في الطائرة، أنه سيتم عرض بعض الأفلام الترفيهية.

وإذا بفلم يعرض صوراً من الدعارة والفجور التي لا تعرف إلا في الديار التي تعيش على الإباحية والدعوة إلى ممارسة الجريمة بكل صورها، والتحلل من كل القيم والأخلاق والآداب الذي لا يُعرف له حدود.

وكان في الطائرة الكثير من الشباب والشابات ممن نحسبهم على عفة وطهر من أبناء يمن الإيمان وكان الفلم بصوره البشعة كفيلاً أن يثير في الشباب الغرائز وكوامن الشهوة كما هو حال الضعف البشري، وبالتالي قد يجر ذلك إلى التفكير في ممارسة الجريمة التي تجرّ إلى مخاطر لانهاية لها.

وقد أثار غضبي ذلك الفلم فضغطت زر الاستدعاء طمعاً في أن يأتيني احد المضيفين، لأذكر له استيائي من هذا المنكر وكانت الإعلانات التي تقال قبيل الإقلاع، تدعو الركاب إلى استدعاء المضيفين عند الحاجة، وأنهم سيسارعون في الإجابة وتلبية الطلبات، غير أنها مرت نحو ساعة من استدعائي حتى جاءني شاب يسألني عن حاجتي، فأظهرت له غاية الإنكار على هذا الفلم، وما فيه من دعوة إلى الفجور وهدم الأخلاق، رجاء أن يسارع إلى إغلاقه غير انه أجابني بأنه يوافقني على أن هذا منكر، غير أن هذا الأمر ليس بيده ولا بيد غيره من العاملين في الطائرة، وإنما الشركة (أعني شركة الطيران) هي التي تفرض ذلك.

وأيّامَّا كان الأمر فاني أتوجه بهذا الخطاب إلى كل العاملين في شركة الطيران، وعلى رأسهم مدير الشركة بأن يتقوا الله في أعراض هذه الأمة وأخلاقها وقيمها، وان لا يكونوا أداة للدعوة إلى الفجور ونشر الجريمة والمساعدة عليها فنحن في بلد أكرمنا الله عز وجل بالإسلام وأعزنا به، وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لأهل اليمن بقوله: [الإيمان يمان] أفَيَتنكَّر من أكرمهم الرسول - بهذا الوسام والشرف - لهذه الشهادة العظيمة، من خير البرية صلى الله عليه وعلى اله وسلم، هل التفتنا إلى ماضينا المشرق، ورأينا كيف عاش أسلافنا اليمانيون من اجل الإسلام، وبذلوا كل شيء في حياتهم في سبيل نشر الإسلام، وفتحت على أيديهم بلدان ورفرفت راية الإسلام في كثير من بقاع الأرض بفضل الله سبحانه، ثم بفضل جهاد أسلافنا، أفيصدق علينا قول الحق تبارك وتعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم : 59].

(2-3)

وبأي شيء تتميز مجتمعات المسلمين عن مجتمعات غير المسلمين، إذا صارت الجريمة يروّج لها في مجتمعات المسلمين دون وازع ولا حياء ولا خجل، لا من الله عز وجل ولا من خلقه وما قيمة الإنسان إذا  تجرد من الحياء، الذي هو من اعز ما يملكه الإنسان، ولأهمية الحياء وضرورته للإنسان فقد وردت في شانه نصوص كثيرة تدعو إلى التحلي به وتحذر من التخلي عنه، من ذلك قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم: [ إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء] وقوله: [ إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستَحْيِ فاصنع ما شئت] وقوله: [الحياء من الإيمان] وقوله: [ما كان الفحش في شيء قط إلا شَانَه ولا كان الحياء في شيء إلا زانه].

لقد توعد الله عز وجل بالعذاب الأليم من يحب إشاعة الفاحشة في المؤمنين فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.. ) [النور : 19].

وإذا كان هذا الوعيد لمن يحب إشاعة الفاحشة، فكيف يكون حال من يمارس إشاعتها بالفعل عن طريق الدعوة إليها بمثل هذه الوسائل التي منها عرض الأفلام الماجنة.

إنّ الإنسان الذي يركب الطائرة، يتوقع حدوث مكروه من المفاجآت التي تحدث للطائرات وينتج عنها كوارث عظيمة، كالذي حدث للطائرة اليمنية في جزر القمر وغيرها من الكوارث التي تحدث للطيران عموماً، ومعنى ذلك أن الإنسان معرض للموت في أي لحظة، فهل يواجه المسلم ربه وهو يقضي وقته في مثل هذا المنكر، لقد كان الكفار- كما اخبر الله سبحانه عنهم في كتابه الكريم- إذا ركبوا البحر: (..دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس : 22] إنهم يعرفون انه لا ينجيهم من الحال التي هم عليها سوى الله سبحانه من أجل ذلك فإنهم لا يلتفتون إلى آلهتهم التي يعبدونها من دون الله سبحانه، بل يخلصون التوجه إلى الله سبحانه، وحده.

والمسلم أحق بالتوجه إلى الله عز وجل في كل حال ومن باب أولى في حالة الشدائد.

لقد انتشرت وسائل الفساد والإفساد في المجتمعات، فهل مهمة المسلم الغيور على الدين والعرض أن يشارك في هذا الهدم، الذي ما ترك منعطفاً من منعطفات الحياة إلا أفسده؟ أم أن الواجب هو المسارعة إلى البناء ونشر الفضيلة والدعوة إلى الخير والبر وإحياء مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهذه فرصة طيبة في وسائل النقل أن يجتمع جماعة كبيرة من الناس من الذكور والإناث هم أحوج ما يكون إلى الكلمة الطيبة، والصور النافعة، واللمسات الرقيقة المفعمة بالإيمان فهناك الكثير من البدائل مثل الأفلام العلمية التي تعرض عجائب المخلوقات في الكون وما أكثرها وهي من الأمور التي تشد انتباه الإنسان، وتوقفه على عظمة الخالق وبديع صُنعه سبحانه.

انه لابد أن ندرك أن نشر مثل هذه الأفلام الخليعة لا يخدم إلا أهداف اليهود الذين يسعون إلى تدمير المجتمعات المسلمة، وتحويل أبنائها إلى قطيع من الحيوان لا يعرف من الحياة سوى أن يلهث وراء الشهوات، والسقوط في حمأة الرذيلة، حتى يتجرد المسلم من كل مقومات الإنسان السويّ.

(3-3)

وأحب هنا أن اذكّر بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم: [من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً].

فهل تريدون أن تكونوا من دعاة الهدى، أم من دعاة الإثم؟ وهل تريدون أن تكونوا سبباً في نشر الخير والفضيلة، أم سببا في نشر الشر والرذيلة، وبأيهما تريدون أن تلقوا الله عز وجل يوم القيامة، وهل بقي في النفوس خوف من العواقب الوخيمة المترتبة على مثل هذه الأعمال؟

إنني هنا لا أناشدكم باسم الدستور الذي يجرّم مثل هذا العمل ويعاقب عليه، فإن الإسلام أصبح اليوم لا بواكي له، ولا سلطان يحميه، سوى سلطان الإيمان في النفوس، أمَّا سلطان البشر، فانه في الوقت الذي لا يحمي دين الله عز وجل من هذه المنكرات، نرى الوسائل التي تحت يده كوسائل الإعلام تساعد على نشر الرذيلة، كما هو مشاهد.

وإذا كان ممارسة مثل هذا العمل تحت ذريعة الحرّية فان هذا سوء فهم للحرية إذ لا تعني الحرية هدم الأخلاق، واستباحة المحرمات والاعتداء على الآخرين وإلا أصبح من حق كل إنسان أن يفعل ما يشاء، وبهذا تفسد الحياة كلها، فالحرية لها حدود وضوابط تضبطها شريعة الإسلام.

وإذا كان ممارسة هذا العمل بقصد جلب العملاء والسعي وراء زيادة الدخل للشركة، فهذا فهم خاطئ لان الرزق لا يُستجلب بالمعصية، كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم: [ إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فان الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ] صحيح الجامع (2085).

ولكني أناشدكم باسم الإسلام الذي شرفكم الله تعالى بالانتماء إليه، وأستثير فيكم النخوة والغيرة على الدين، وعلى الأعراض وإذا سلم الإنسان من عقوبة الدستور، فإن العقوبة الإلهية التي تنتظر الإنسان في الدنيا والآخرة أشد وأنكى.

وكل موظف في الشركة يساعد على نشر مثل هذه الأفلام ينال عند الله من الإثم بقدر الجهد الذي يبذله، غير أني على ثقة بانّ هذه النصيحة المشفقة ستلقى صداها وأثرها في نفوسكم، وأكون أنا قد قمت بالواجب في تبليغ النصح والإعذار إلى الله سبحانه.

وأرجو أن تجد هذه النصيحة مكانها في نفس كل من ينشر مثل هذا الفلم في وسائل الإعلام، وجميع وسائل النقل وغيرها فالكل قادر على أن ينشر الخير والشر، والهدف هو التعاون على صيانة الدين والأعراض من أن تتعرض للإساءة والكل سيقف بين يدي الله سبحانه كما أن الكل قادر على الدعوة إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق.

أسـأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعا مفاتيح للخير مغاليق للشر انه على ما يشاء قدير والحمد لله رب العالمين.

aldelame@yahoo.com


في الأحد 16 أغسطس-آب 2009 09:31:57 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=5715