التدريس الجامعي وانتقاء عضو هيئة التدريس
د/ سعاد سالم السبع
د/ سعاد سالم السبع

شيء جيد أن يكون هناك توجه نحو تطوير التعليم الجامعي في ظل معايير الجودة، ولن يتم هذا التطوير إلا إذا تم انتقاء عضو هيئة التدريس وفق معايير الجودة والكفاءة في التدريس، بحيث يكون عضو هيئة تدريس مميزا ، تتوفر فيه كفاءة التخصص الأكاديمي والتربوي والثقافي، وله من الخبرة في التدريس ما قبل الجامعي ما يمكنه من مواجهة تحديات تدريس طلبة الجامعة في عصر العولمة، ولا بد أن يكون عضو هيئة التدريس قد تدرج من معيد إلى مدرس إلى أستاذ داخل الكلية التي ينتسب إليها حتى يتمكن من امتلاك خبرة تراكمية في التدريس، أما من يقفز من كرسي الدراسة إلى كرسي التدريس الجامعي دفعة واحدة ليصبح عضو هيئة التدريس ، وبدون خبرة سابقة، فإن الواقع التدريسي في الجامعة، وتحديات العصر الحاضر، ومواقف الطلبة الجامعيين تؤكد أنه غير مقبول في الوظيفة التدريسية الجامعية، لأن أداء من لا يمتلك الخبرة لا يمكن أن يحقق مفهوم التدريس الجامعي في زمن سباق الجودة..

وحتى يظل التدريس الجامعي متطورا تسعى الجامعات المتقدمة إلى تطبيق معايير علمية صارمة عند اختيار عضو هيئة التدريس، وتضع للمتقدمين لشغل وظيفة (عضو هيئة تدريس) اختبارات قبول متنوعة وتطبق عليهم مقاييس معيارية دقيقة لقياس الشخصية والأداء التدريسي والتخصص، فلا ينجح في تلك الاختبارات إلا من كانت لديه الكفاءة العلمية والشخصية القيادية والخبرة في التدريس الفعال..حتى أن بعض الجامعات العالمية المتقدمة تطبق تلك الاختبارات والمقاييس على المتواجدين في الميدان في فترات محددة ومستمرة لقياس مدى قدرتهم على التجدد ومواكبة المستجدات في مجال التدريس الجامعي، فإذا لوحظ أن هناك جمودا أو ضعفا في تطور أداء الأستاذ الجامعي يتم تحويله مباشرة إلى أستاذ باحث، ولذلك وجد في بعض الجامعات المتقدمة- وبخاصة الفرنسية - ما يسمى بالأستاذ الباحث، وهو الذي يشتغل في الوظيفة البحثية للجامعة ولا يمارس التدريس، و ما يسمى بالأستاذ المحاضر ، وهو من يقوم بالتدريس الجامعي مادامت معايير التدريس الجامعي تنطبق عليه ..

التدريس الجامعي في الجامعات اليمنية بحاجة إلى لفتة سريعة من وزارة التعليم العالي ممثلة بوزيرها المعروف بجديته لتطبيق معايير الجودة على أداء أساتذة الجامعات عند اختيارهم وأثناء عملهم حتى لا يصبح التدريس الجامعي وظيفة من لا وظيفة له ، وتتحول الجامعات إلى مؤسسات للارتزاق على حساب جودة التعليم الجامعي .. 

التدريس الجامعي ليس مهنة من لا مهنة له، ولا يكفي الحصول على شهادة الدكتوراه ليكون الشخص مدرسا جامعيا؛ فالتدريس الجامعي مهمة صعبة تتطلب أن يمتلك الأستاذ خبرة طويلة في قيادة الأفكار المختلفة وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المنشودة، كما يتطلب استخدام استراتيجيات إبداعية في التدريس تقوم على قدرات الأستاذ ومهاراته وخبراته التدريسية في كيفية تفعيل دور الطلبة وتوجيههم نحو استثمار قدراتهم في التنافس العلمي تحصيلا وبحثا وإبداعا ..

يستطيع الأستاذ الجامعي -إذا امتلك مهارات التدريس الجامعي- أن ينمي كثيرا من المهارات حتى من خلال مناقشة موضوع واحد، أو فكرة واحدة، لأن أستاذ الجامعة الحقيقي يدرك تماما أن طالب الجامعة لم يعد ذلك الطالب الذي يدخل القاعة وكله آذان صاغية لما يُملى عليه من الأفكار والمعلومات .. فطالب الجامعة اليوم صار نتاج العولمة في كل شيء من حوله، ولذلك يجد أستاذ الجامعة نوعيات جديدة من الطلبة لم يكونوا معروفين في التعليم الجامعي، فمعظمهم إما أن يكون مطلعا وصديقا لمواقع الإنترنت فيأتي متصيدا لأخطاء الأستاذ ونشرها، أو يكون محبطا غير مبال بما يقول الأستاذ ،وحضوره يكون جسدا فقط من أجل الشهادة، أو لمآرب أخرى..

التدريس الجامعي لم يعد مجرد معلومات يلقيها الأستاذ في القاعة، ويسجلها الطلبة ، إنه تدريس نوعي ينشط الأفكار والرؤى والمهارات التي يمتلكها الطلبة، ويعمل على تحفيزها للظهور، وتحفيزهم لاستثمارها في عملية التعلم الذاتي والمستمر ..  لذلك لابد أن يكون الأستاذ الجامعي قادرا على إحداث صدمة معرفية وفكرية ومهارية جديدة للطالب الجامعي حتى يشعر الطالب بقيمة الوقت الذي يقضيه في القاعة ويستثمره في تنمية مهاراته ...

لا يقبل طالب الجامعة اليوم أن يقعد أمام الأستاذ ساعتين إلى ثلاث ساعات يستمع إليه كما يستمع إلى نشرة الأخبار أو خطبة الجمعة ، ولذلك فأي أستاذ لا يستحوذ على حواس الطالب المختلفة ويفعِّلها أثناء التدريس لا شك سوف يجد مشقة في استبقاء تلامذته وغرس مفهوم القدوة لديهم...

 التدريس الجامعي عملية حيوية تفاعلية، الغرض منها تحريك الحواس المختلفة لتقوم بدورها في ملاحظة الواقع ورصد ما يحيط بالطالب بدقة وموضوعية، وممارسة الانتقاء والتقويم والإضافة الإبداعية في ضوء معايير محددة.

إن التدريس الجامعي عملية شاقة جدا لمن يقدر معنى التدريس الجامعي، فهي مهنة معقدة تتطلب من صاحبها التجديد في أسلوبه كل يوم، بل وفي كل محاضرة، وأن لا يسير على وتيرة واحدة، ولم يعد التدريس الجامعي -بمفهومه المتقدم - لقبا يعفي صاحبه من الالتزامات بالقوانين ومن الدوام المستمر في قاعات الدرس،ولا هو حصانة ضد تحضير الدروس، ولم يعد وسيلة (عنجهية شخصية ) يستطيع من خلالها عضو هيئة التدريس أن يقرر ما يريد من المفردات، ويتناولها كيفما يريد، ويحذف ما يريد ،ويدرس ما يريد ومتى ما يريد.. ولم يعد التدريس الجامعي صديقا لأي عضو هيئة تدريس يعتقد أنه قد بلغ من الكمال القمة، فلم يعد بحاجة إلى التدريب ولا هو بحاجة إلى تطوير أدائه، ولم يعد التدريس الجامعي متقبلا لمن لا يبالي بمن حوله ، ولا بالانتقادات التي توجه إليه، ولا معينا لأي عضو هيئة تدريس يحاول أن يكرس كل قدراته لإثبات جموده وتقنينه وفرضه على المحيطين به بكل السبل والممارسات...

التدريس الجامعي لا يتحقق إلا على يدي أستاذ جامعي يكون قادرا على التخطيط لخبرات تدريسية ومواقف تعليمية تدفع الطلبة لأن يتعلموا كيف يفكرون، وكيف يقرؤون، ويحللون، ويصفون، وينظمون أفكارهم ويعرضونها، وكيف يبحثون عن المعلومة، وكيف يناقشون معلوماتهم، وكيف يتقبلون أفكار بعضهم، وكيف يصلون إلى المعلومة الصحيحة معا ، وكيف يطورون مهاراتهم... أستاذ جامعي يمتلك أسلوبا واضحا ومنظما ومنطقيا وموضوعيا في عرض المعلومات والأفكار، و يقوم بمناقشة أفكار الطلبة ومعلوماتهم بحيادية، و يجعل الطلبة هم من يكتشفون المعلومات، ويكتشفون الأخطاء عند أنفسهم وعند بعضهم، ويصوبون تلك الأخطاء في ضوء معايير علمية صحيحة يمكنهم منها أستاذهم ..

كلية التربية – جامعة صنعاء

Omwesam4@yahoo.com


في السبت 25 يوليو-تموز 2009 04:17:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=5618