حقوق ضائعة وأرقام مجهولة في حياة اليمنيين
دكتور/بكيل الولص
دكتور/بكيل الولص

مقدمة: الفأر والجمل

دافعي الأول لهذه المقدمة هو الرد على من ينعتوننا بالجهلة والمتقطعين، وغيرها كثير سعيا منهم لإبعادنا من المطالبة —ربما حسداً— بحقوقنا الضائعة والمسلوبة ولإسكاتنا كرهاً من المناداة بالمشاركة في وظائف الدولة العليا التي —رغم محدوديتها— لم تعط إلا للشركاء في رسم سياسة العبودية المنظمة التي تطبق على أبناء محافظة مأرب بشكل بشع متعدد الصور ودرجات الحدة، فنصيب محافظة مأرب لا يزيد عن ثلاثين قراراً جمهورياً لثلاث اسر من بين آلاف القرارات والتعيينات، فأي شراكة نتبجح بها الحكومة وأي عدالة نسوقها وأي ديمقراطية أصبحت مصدرا للاسترزاق؟ وهذا هو موضوعي القادم وبعنوان "الهوية وثقافة الكراهية"، وستشمل تعريفاً لمفهوم الهوية والثقافة والكراهية ومسبباتها ونتائجها. أما موضوع هذه المقالة فهو الإيضاح بمدى عمق المشكلة التي سندفع ثمنها جميعاً —واخص اليمنيين اجمالاً والمأربيين أبناء سباء تحديداً— وما هي إلا عينة مما أتيح لي جمعه خلال كتابتي لهذه الفقرات على نحو موضوعي وبدون تهكم. ومن يبحث بعد الفائدة وعن الحقيقة يواصل قراءته ويجب أن لا يعتريه اليأس من لغة الأرقام.

تورد بعض كتب التراث العربي أن الفئران لا تشرب حليب الإبل، أي —مجازاً— أن الفئران لا تطيقنا لأننا في مأرب نربي الإبل وغيرها، لكن الفئران تأكل الغلل والثمار وتقوم بخرابها في عتمة الليل البهيم والحديث قد يتشعب عن فئران التجارب والأمراض التي تنقلها وأسطورة خراب السد العظيم وما إلى ذلك. فهل العلاقة بيننا وبين بقية اليمنيين أشبه إلى درجة عالية بعلاقة الجرذ والجمل؟ إذا كان الأمر كذلك فاضنها أزفت الساعة لتربية القطط القاتلة. وقضية أخرى سمعتها وجهاً لوجه من مؤرخ هندي وهو أن المهاتما غاندي دخل البرلمان البريطاني وهو يقود شأته (أنثى الماعز) فضج البرلمانيون البريطانيون وكان رده يؤكد على حالة الإستغراب من ذلك الضجيج وكيف أن الهنود صبروا على المستعمر البريطاني عشرات السنين ولم تصبر القلة من البرلمانيين لساعات على الرجل وبهيمته. وشبيها بهذا انه إذا قام بعض جهلتنا —في حالات متقطعة وغير مدروسة— بالخطف أو التقطع من اجل حقوقهم المسلوبة تقوم الدنيا ولا تقعد ويتصدر الحدث كافة الأخبار وربما يعلم فخامة رئيس الجمهورية قبل أقارب الجاني والمجني عليه، وتستفيد الوساطة على حساب الضحية والتحايل على القانون. وبالمقابل يموت شعب بأكمله في مأرب ولا حتى يؤاسينا أخواننا اليمنيون بالرحمة على ضحايا الملوثات البترولية والغازية والذي تجلب الرفاهة لليمن على حساب حاضرنا ومستقبلنا —قرابة العشرين ضعفاً من حيث المساحة والثلاثين ضعفاً من حيث عدد السكان، أما ماضينا فمأساوي تخطيناه بفضل الرؤوف الرحيم. لا تلوموني إذا قلت لكم أن تذكره فقط يدمع بعيون الأعمى دماً وصديداً.

حقوق غائبة تؤيدها أرقام حاضرة

 العدالة والفضيلة ومكارم الأخلاق هي المحاور الرئيسة للأديان السماوية في النظر بين علاقات الأفراد وهي مواضيع أساسية في الفلسفة وعلم الاجتماع، وتوليها منظمات الأمم المتحدة أهمية قصوى ومن ذلك مثلاً أن المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على انه "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق"، وقد يكون هذا الميثاق هو المحرك الفاعل في إطلاق تقرير التنمية البشرية عام 1990، وهو عام فاصل في حياة اليمنيين ولا ينكر أهميته إلا ضعيف العقل أناني الهوى. فقد ارتفع مؤشر التنمية البشرية من 0.478 في عام 1996 إلى 0.567 في عام 2006، ولم نتجاوز خط المنتصف إلا في عام 2002 أي بعد الانتخابات الرئاسية الاولى، وبتقدم سنوي يصل إلى 0.068 وهي نسبة عالية قد لا تستطيع الحكومات المتعاقبة الحفاظ عليها في ظل الفساد وسياسة التهميش والإقصاء وحرب صعدة والقلاقل في الجنوب ولملمة الصفوف في مأرب (بقيادات متنورة تمقت الارتزاق) وتوسع الفجوة في نهب أموال الوطن ومعايير الولاء والبراء لا الكفاءة والانتماء. وسنشرح المفاهيم الخاصة بهذه الأرقام وغيرها في سياق هذا الموضوع.

يرتكز مبدأ مؤشر التنمية البشرية على ثلاثة أبعاد وهي تمتع الفرد بصحة جيدة وعمر مديد، وحق الحصول على التعليم والوصول للعلم، وكذلك الحصول على سكن لائق بآدميته. وطبعاً لا ينحصر على ذلك بل امتد إلى أن يشمل حقوق الإنسان والمشاركة السياسية وحقوق المرأة وقضايا الفقر. ووفقاً لمؤشرات الأمم المتحدة وأطروحات باحثيها فمأرب الضحية الاولى للتنمية البشرية باستثناء مشائخها والمدللين لدى السلطة،. يا شباب، ما دام المتنفذين هم أرباب المجتمع فهلا ترجعون لعبادة الواحد القهار وتقولون سمعنا منادياً للحرية ولبيناه ونصرناه وانتصرنا لحقوقنا وحقوق أولادنا وآبائنا وأجدادنا الأولين؟ وأقدم هنا جدولاً مختصراً لحال الجمهورية اليمنية اليوم، ولمن يريد الاستزادة يراجع الرابط: http://hdr.un.org وعن قضايا السكان يراجع مكتب المصادر السكانية www.prb.org  . ويمكن الرجوع أيضاً للوثائق والاتفاقيات الموقعة بين وزارة التخطيط والتنمية والمنظمات العالمية وموقع البنك الدولي. واكتفي بعشرة مؤشرات من بين أكثر من 50 ولم أتطرق للتعليم ولا للبطالة ولا لتمكين المرأة وحقوق الأقليات والإجحاف وعدم المساواة. وكباحث لغوي مهتم بالإحصاء أفسر لكم أيها مدلولات أرقام الجدول التالي، وهنا تقارير تشيرً إلى بعض التناقضات ولا تخدم آمالنا وقد تجنبتها، مما يدل على تباينات في أرقام وزارة التخطيط وبعض تقارير الأمم المتحدة، وهذا يعني أن احدهم كذاب أو بالأصح تعوزه المصداقية. ولم أقدم إلا ما اتفقت عليه ثلاثة أطراف على الأقل واحد منها يمني مخول. وإذا وجدت متسع من الوقت سأقدم ورقة عمل بحثية —إن شاء الله— عن حال التنمية البشرية في الجمهورية اليمنية لعام 2009 في أي مؤتمر دولي أو إقليمي أو محلي يعنى بحقوق الإنسان معززاً ذلك بالرسوم البيانية المشيرة للتقدمات والانتكاسات.

السكان بالمليون

الزيادة السنوية %

المواليد لكل 1000 من السكان

الوفيات السنوية لكل 1000 طفل دون الخامسة

نسبة السكان المصاب بسوء التغذية %

23

3.2

41

77

38

احتمال الوفاة بسبب الولادة

نسبة الحاصلين على مياه غير آمنة %

متوسط دخل الفرد بالدولار الأمريكي

نسبة من دخلهم 2 دولار واقل %

خط الفقر الوطني %

1 بين 39

34

2200

64

41

 

شرح للآمال المبتغاة والآلام الضاغطة

نقطة البداية هي عدد السكان الحالي وبحكم الزيادة السنوية 3.2% وهي 740 الف (دون احتساب الوفيات) فسيصبح عدد السكان عام 2025 هو 35 مليون وبنهاية عام 2050 قد يصل إلى 60 مليون نسمة. وإذا احتسبنا عدد المواليد السنوي فهو 940 الف، حيث تشكل وفيات الأطفال ما نسبته 36% أي 72 الف طفل يموتون سنوياً بسبب ضعف أو غياب الخدمات الصحية والأطعمة المشبعة بالكيماويات. من ناحية أخرى إذا كان عدد المواليد (أو الولادات) اليومية هي 2600 طفل فهذا يعني أن هناك 65 امرأة تموت يوميا بسبب الولادة وسوء الخدمات الصحية وفشل برنامج الأمومة والطفولة وضياع حقوق الأم وصغيرها كغيرها من الحقوق الضائعة والمسلوبة، ويوضح التقرير (بتوقيع الوزير الارحبي) انه بالإمكان منع حدوث 75% من هذه المأساة اليومية لو توفرت تلك الخدمات، أي أن وزارة الصحة تتحمل وزر وفاة 50 امرأة يومياً وترك أطفالها لرحمة لم تنعم بها طول حياتها. بمعنى آخر، هناك ما يقارب من عشرين الف أم تموت بسبب الإهمال وغياب المسؤولية والانشغال بجمع المال. وهذا موضوع حساس لمن يطالبن بحقوق المرأة: حق الحياة قبل حق المساواة. الشيء الذي لفت انتباهي في تقرير 2007/8 هو أن هناك ثمانية أطباء لكل مائة الف نسمة ويقابلها ثمانون سجيناً بين كل مائة الف نسمة (لا تعليق)، وهذه واحدة من بين عشرات البنود والمصنفات التي تحتاج لشيء من البحث خصوصاً أن وفيات أطفال الفقراء تكاد تكون ثلاثة أضعاف الأغنياء.

تزداد المأساة حدةً وعمقاً عندما نلحظ أن ما يزيد على 38% من السكان (أو ما يعادل تسعة مليون نسمة) مصابين بسوء التغذية مما يجعلهم معرضين أكثر من غيرهم للأمراض والهزال وضحالة التفكير والتحصيل العلمي والإنتاج والعمل والعلاقات الاجتماعية، ومعظم هؤلاء يقبعون في الأرياف حيث يعاني ما يقارب ثمانية مليون آدمي من شرب واستخدام المياة الملوثة وربما غير صالحة أصلاً للاستخدام الآدمي والحيواني. كما تشير الإحصاءات إلى أن ثلاثة أرباع الأميين هم من أصحاب القرى، وهم أكثر الأفراد معاناةً للبطالة وهم المحرومين من مزايا كثيرة ومنها التعليم والمواصلات والكهرباء ومن باب اولى توجيه التنمية نحو الأرياف عوضاً عن تشكيل الشوارع ورصفها وهدمها وإعادة بناءها ورصفها مجدداً وحفرها ومن ثم سفلتتها وتقطيعها ومواصلة العمل فيها لينبهر الضعفاء والجهلة والمطبلون بالتغيير الصوري والتطور الحضري الحاصل في رفاه الضمائر المريضة. هناك تقدم وتحسن لكنه لا يتماشى مع ما تضخه الحكومة من أموال في تنفيذ برنامج فخامة رئيس الجمهورية ولا يتماشى مع الزيادة السكانية ولا يلبي تطلعات اليمنيين وخطط التنمية. أين الخلل ومن هو المسئول وما هي الحلول؟.

أما فيما يخص متوسط الدخل فهو يعني أن الإنتاج المحلي الإجمالي للجمهورية اليمنية يساوي 50 مليار دولار وهذا رقم مبالغ فيه، والدخل المتوسط للفرد هو الأصلح واحتاج لصفحة لإيضاح الفرق وربما اخصص له مقالة مستقلة رابطاً كل ذلك بقضايا الميزانية والاستيراد والضريبة والقوة الشرائية للريال اليمني وكيفية هدم الاقتصاد تدريجيا لحساب الأغنياء والنافذين وليس الحاكم المنتخب ومعاونيه المخلصين لا معاونيه المنافقين. على أي حال، سعياً مني على توخي الحقيقة واحترامي لأخلاقيات البحث العلمي حاولت أن احصل على تقرير مكافحة الفقر (مرة أخرى بتوقيع الارحبي) لكن مقدم خدمات الانترنت اليمني يواجهني دائماً بالخطاء ويفصل الرابط،، وهو لا يعلم أننا اشد منه إخلاصاً لأوطاننا على أنني قادر للنفاذ بواسطة بعض الأوامر الالكترونية وعدلت عن ذلك حتى أتيقن من طبيعة الرقابة الالكترونية، وذلك كله من اجل معرفة التعريف المتبع لدى وزارة التخطيط لمصطلح "خط الفقر" فهناك أكثر من ثمانية تعاريف. وقد يقصدون أن 41% (أو ما يقترب من تسعة مليون ونصف) يعيشون تحت خط الفقر وان دخلهم ومستوى الخدمات المقدمة لهم لا تصل إلى نصف متوسط الدخل المحدد ب 2200 دولار أمريكي. وبحسابي لأرقام الأمم المتحدة يتبين أن الرقم هو 64% (أي ما يدنو من خمسة عشر مليون نسمة). ولا يخفى أن فخامة رئيس الجمهورية هو الذي يسعى حقاً لمحاربة الفقر، لكن قد لا ينجح طالما تذهب معظم أرقام التنمية لنسبة قليلة من الفاسدين في الحكومة والمجتمع، وسنكشف بعد أن نكتشف تلك النسبة لاحقاً وباستخدام مؤشر جيني للفقر ومعادلات إحصائية أخرى مصاحبة ومعقدة قليلا، لكن وعداً مني أن لا أخيب آمالكم وثقتكم فيّ وفي أطروحاتي الصادقة والموضوعية.

خاتمة: التائهين والخلاص المنتظر

على ضوء ما سبق، من هو الغبي والجاهل: هل أصحاب مأرب الصابرون على الظلم والى حين؟ أم أبواق الشوارع والحاقدون المستضعفون الباحثين عن رضاء الشياطين الآدمية؟ وهذا المدخل موجه لمن يظن انه سفيه لنجهل فوق جهل الجاهلينا فقد وعدناكم بعدم التهكم. والسؤال هو: من سيتحمل وزر هذه الأمة المعذبة؟ ويخطئ من يقول في جوابه "فخامة رئيس الجمهورية". أنا لا ابرأه(حفظه الله) كلياً لكننا جميعاً مسئولون عن هذا وخصوصاً الوزراء ومن توسط لهم ومن اختارهم للرئيس ومن يقف بعدهم في الدعم أو في الهيكلة وهم أول الناس الذين يجب الاقتصاص منهم.

يا أبناء مأرب لا تصبحوا أضحوكة لكل جاهل وتائه فقد آن الأوان للملمة الصفوف وانتظروا مقالة العدد القادم: لا شراكة ولا وزن لكم حتى نسبة لم تعط لكم من نقل الغاز والبترول بل لمن تعرفون، ولم يعط للتنمية 1% من إنتاج تدفعون ثمنه سرطان وعذاب؛ رجل في صعدة أقام الدنيا ولا أقعدها ونحن ظالمون لأنفسنا. أنا لا أحرضكم بل أنبهكم للإستعداد للمواجهة إذا لزم الأمر. تذكروا انه لا يوجد معكم من يمثلكم في الحكومة أو يدافع عنكم عند رئيس الجمهورية ولا معكم رجلاً صادقاً يطالب بحقوقكم فلا حاجة لدي لتوجيه اللوم إلى مشائخنا وممثلينا في مجلس النواب والشورى فلديهم من المشاغل الشخصية ما ينسيهم واجباتهم.

bawalss@yahoo.com


في الثلاثاء 21 يوليو-تموز 2009 03:53:14 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=5595