بين إرهاب جدتي وإرهاب الرئيس جورج بوش
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل

بعد ثمان سنوات من الحروب الإستباقية,التي امتلأت بالدماء والقتل والدمار والفوضى والفقر والجوع...الخ,غادر الرئيس الأمريكي جورج بوش البيت الأبيض,مخلفا ورائه عالما مقلوبا في كل أحواله وأحداثه,صار القتلة فيه(صنّاع السلام)بقوتهم التي امتلكوها,وأصبح الضحية فيه(مصدرا للإرهاب)نتيجة ضعفه بفعل ما يسمى قادته وحكامه,وما قصة جدتي التي تحولت إلى"إرهابية"لا يشق لها غبار سوى صورة تتضح من خلالها مأساة العالم الذي صنعه جورج بوش بدعم كبير وجبار من حكام العرب والمسلمين الذين آمنوا برسالة بوش"الإرهابية"وبموجبها منحوا شعوبهم وسام"الإرهاب"حتى يتم التخلص من بقايا الكرامة التي حافظ عليها ثلة من الرجال,وبإيمانهم ذلك أصبحوا بشهادة إمتياز بوشية الصنع"شركاء"في مكافحة الإرهاب,لينالوا بتلك الشهادة مفخرة ما سبقهم إليها أحد من العالمين.

في العالم المقلوب,أصبحت جدتي عنوانا بارزا للإرهاب,رغم أنها لا تعرف أو تعلم ما معناه,كما أنها لم تؤذي مخلوقا أو كائنا طوال حياتها,غير أنها اكتشفت أن انتمائها الوطني(عربي)والديني(إسلامي)سبب تلك التهمة,مع أنها لم تهدد أو تخيف السلم العالمي والأمن الأممي نهائيا,بينما كان جورج بوش رئيسا مخلصا للعالم ومتفانيا من أجله وشعوبه,نشر الحرية والعدالة والديمقراطية في بلدانه,مستخدما كل أنواع الأسلحة الفتاكة التي أحرق من خلالها البشر والشجر والحجر,وظل كذلك لثمان سنوات سوداء,خرج بعدها وجدتي المسكينة عاجزة عن نفي التهمة البشعة التي اشتهرت بها في كل أنحاء العالم,بسبب التعتيم الذي فرض عليها وحرمها من شرح الأسباب التي جعلتها إرهابية في عيني الرئيس جورج بوش,ولو أنها تمكنت من الوصول لوسائل الإعلام لنجحت في إقناع الشعوب ببرائتها من تلك التهمة,ولأقنعت العالم أيضا أن بوش هو الإرهابي الحقيقي الذي نشر وزرع الخوف والرعب في العالم كله,ولعلمي بمواهب وقدرات جدتي كنت على ثقة أنها ستنجح في ذلك لو منحت الفرصة,فهي شجاعة وقوية في الثبات على الموقف,فصيحة اللسان وقوية البيان,تفصل الأحداث وتكشف المستور,تجيد الحوار وتتقن فن الكلام,ولعمري أنها كانت في ذلك كله أفضل من الحكام العرب,ومن كان عنده شك في صفات جدتي فها نحن ندعوه للتخلص من شكوكه,عبر نشر هذه الوثيقة التي قارنت فيها بين مواقفها ومواقف جورج بوش,وشرحت فيها الأسباب التي نالت بها صفة الإرهاب,مؤكدة بثقة وثبات أن التاريخ وإن بعدت أيامه سيكشف من هو الإرهابي الحقيقي.

أدركت جدتي منذ اللحظة الأولى خطورة توزيع الإرهاب على العرب والمسلمين دون غيرهم من شعوب الأرض,فبذلت جهدا كبيرا من أجل توضيح تلك الخطورة وإيصالها إلى الناس,لكنها لم تنجح في ذلك بسبب إنشغال وسائل الإعلام بنشر صور"الإرهابيين"باشكالها المتعددة,وتسابقها في إيصال رسائلهم والتحذير من أفعالهم بعد تحليل أقوالهم,وهو أمر رأت جدتي فيه تكريسا وتسويقا لتلك التهمة التي صدرها أعداء الأمة من أجل القضاء على كل أشكال المقاومة المشروعة في المنطقة,حتى تنجح إسرائيل في إقامة حلمها الكبير,وتخسرشعوب المنطقة ما تبقى لها من فتات ثروتها التي صادرها الغرب عبر الإستعمار وقوانين الأمم المتحدة,ولأن جدتي آمنت بهذا الكلام وسعت لنشره في أوساط العرب والمسلمين فقد تم إدراجها في قائمة الإرهاب,مع انها عبرت عن ذلك بالقول فقط ,بينما كان جورج بوش خلال ثمان سنوات كاملة يشن حروبا طاحنة بسبب تلك الصورمسببا قتلا كثيرا ودمارا هائلا,ومع ذلك فهو يدافع عن العالم وينشر الحرية والسلام.

لم تعترف جدتي بالكيان الإرهابي الصهيوني المزروع في أرض فلسطين,واعتبرته احتلالا تجوز مقاومته ومحاربته,فدعت لمساعدة أهل فلسطين ليتمكنوا من الدفاع عن أرضهم,ولذلك أتهمت جدتي بأنها إرهابية خطيرة,بينما كان جورج بوش يعمل على حماية إسرائيل ويحافظ على أمنها,مقدما كل أنواع الدعم المالي والعسكري لحكامها,لقتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين ولبنان وتشريد عشرات الآلاف وحصار الملايين,ومع ذلك كان الرئيس جورج بوش(رجل وصانع السلام)يسعى لتقبيل يديه حكام العرب والمسلمين.

كانت جدتي أيام الجهاد المسموح به في أفغانستان ضد الإتحاد السوفيتي ترفع يديها إلى السماء,داعية بأعلى صوت(اللهم انصر المجاهدين في افخانستان)وليس افغانستان,فهي في الأصل لا تعلم أين تقع تلك الدولة,لكن انتشار ذلك الإسم واخبار الجهاد في تلك الأيام من أمريكا حتى قصور ودور الحكام العرب,جعلها تتفاعل مع الحدث وتدعوا لنصرة المجاهدين وهو أمر تبين فيما بعد أنه دعم للإرهاب ولو بأثر رجعي,فأصبحت جدتي إرهابية بسبب ذلك,بينما احتل جورج بوش افغانستان مخلفا عشرات الآلاف من القتلى والمصابين ,محولا إياها إلى أرض محروقة ومع ذلك فهو زعيم ومحارب تاريخي جاء لتطهيرها من الإرهاب ونشر الحرية والديمقراطية ولعبتي الفوت والبايس بول في أرضها كيف لا وهو رمز الخير والسلام.

تسائلت جدتي أيامها عن سبب السفر إلى أفغانستان وحاولت جاهدة استفسار الحكام العرب عن تفانيهم في ذلك,ونسيانهم واجب الجهاد في أرض فلسطين ومنعهم لكل من يحاول أداء ذلك بل وقتله في أغلب الأحيان,كما حرمت من الحصول على إجابة شافية عن الفرق بين الإحتلال الروسي واحتلال اليوم في أفغانستان,ولماذا أجاز الحكام العرب وعلمائهم الجهاد أيامها وحرموه اليوم,فكانت تلك الأسئلة دلائل كافية على إرهاب جدتي,بينما عربد بوش وتلاعب بفلسطين وأفغانستان مهلكا الحرث والنسل ليصبح بشهادة الحكام العرب والمسلمين رجل المحبة والسلام.

دعت جدتي كل امرأة مسلمة أينما كانت بالثبات على الشريعة الإسلامية والحفاظ على الحجاب مهما كانت المغريات والظروف,معتبرة أن حجاب المرأة يمثل عزتها وكرامتها,فكان كلامها هذا خطيرا ومعيقا لتطور المرأة ومساواتها بالرجل مما اعتبر إرهابا من الطراز الأول نالت جدتي بموجبه التهمة وأصبحت إرهابية وعدوة للمرأة والحياة,بينما جاء بوش من آخر الدنيا ليعمل على نزع حجاب المرأة المسلمة ويحررها ويدعوها لإرتداء الجينز والقبعة ,ومع ان ذلك تدخل في شؤون غيره,إلا أنه ناصر المرأة وناشر المساواة بصفته رئيس العدل والسلام.

أنكرت جدتي بقوة تدخل الغرب في وضع مناهج التعليم في بلاد العرب والمسلمين,وثارت عند سماعهما حذف آيات الجهاد من المدارس,ورفضت أمر إغلاق المعاهد العلمية في اليمن,مما جعلها واحدة من أخطر الإرهابيات التي تساعد على نشر التطرف في العالم,فيما كان جورج بوش يرسل الصواريخ والقنابل العنقودية لضرب القبايل والمدارس في باكستان وافغانستان والعراق ولبنان ومع ذلك فهو يحارب التطرف ويصنع السلام.

أجادت جدتي استخدام الأسلحة الخفيفة كالمسدس والكلاشينكوف والبندقية(الجرمل)وجاء ذلك فرضا عليها بسبب الأحداث الدامية التي شهدتها المناطق الوسطى أيام التشطير,من أجل الدفاع عن نفسها وأهلها,ومن حسن حظها أن أحدا لم يلتقط لها صورة وهي تضع البندقية على كتفها,أو تصوب الكلاشينكوف لصيد طائرما,ولو حدث ذلك لتم نشر صورتها تلك في العالم كله واتهامها بكل ما حدث فيه,فهي الإرهابية التي عجزت عن وصفها الكلمات والأقلام,بينما كان جورج بوش يأمر بإرسال الجيوش والصواريخ والقنابل والطائرات والأسلحة المحرمة لقتل المسلمين أطفالا وشبابا,نساءا ورجالا على مرأى ومسمع من العالم كله,بدعوى القضاء على إرهاب جدتي ومع ذلك فهو الذي حافظ على امن العالم وحماه بصفته حامل راية المحبة والسلام.

قالت جدتي في أخطر حديث يرتعد من سماعه حكام دول الإعتدال العربي,أن المقاومة مشروعة في أي مكان تواجد فيه المحتل,وعليه فان حزب الله أدى مهمته في لبنان,كما أن فصائل المقاومة الفلسطينية تؤدي واجبها ويجب على الأمة نصرها ومساعدتها,مضيفة أن ثقافة المقاومة يجب أن تنتشر وتبقى مهما حاول أهل الإعتدال تبرير اعتدالهم,فكان هذا الكلام سببا لتحريك الجيوش العربية المعتدلة للقبض على جدتي حية أو ميتة,لأنها إرهابية خطيرة ومتوحشة تدعم الإرهابيين وتنصرهم حسب الإعلام الصهيوني والعربي المعتدل,بينما كان جورج بوش يدرج كل مدافع عن وطنه في قائمة الإرهاب ,مصادرا بظلمه وغبائه حق البشر في الدفاع عن أوطانهم والعيش بكرامتهم,ومع ذلك حكم العالم وآمن به حكام الإعتدال وتعلموا منه صناعة العدل والسلام.

جدتي الإرهابية تجتمع قبل مغيب الشمس مع زميلاتها لإطعام البقر وشرب أكواب القهوة اليمنية الشهيرة,ولأن عيون الأمن القومي والسياسي في كل مكان فقد تم رصد(خلية إرهابية نائمة)وتحذير العالم من شرها,فيما كان بوش يلتقي مع تشيني ورايس ورامسفيلد وكرزاي والمالكي وعباس وحسني والجلبي وليفني...الخ,من أجل محاربة الإرهاب, عبر قتل المزيد وتجويع ما تبقى حتى يتمكنوا بقيادة بوش من صناعة الأمن والسلام.

كفرت جدتي بقمم الهزائم العربية ,وأدانت بشدة المواقف الممسوخة للحكام,كما أشركت وأجحدت بهيئة الأمم المتحدة ودعت شرفاء الأمة العربية والإسلامية إلى سحب مقر الجامعة العربية من مصر,والعمل على تكوين محور عربي يحافظ على ما تبقى للأمة من كرامة وعزة ,فأضيفت هذه التهمة إلى سجلها الإرهابي الحافل,بينما كان بوش يستخدم الأمم المتحدة لتنفيذ حروبه ويأمر القمم العربية والجامعة لمباركة جنونه,حتى يتمكن من تحقيق الرخاء والسلام.

عاشت جدتي الإرهابية حياة كريمة,زينتها بحبها للخير والسلام وتفانيها في مد يد الخير والعون لكل الناس,إشتهرت بأخلاقها الكريمة وشهامتها العالية,زرعت الشجر ورعت الحيوانات برفق إنساني قل أن يوجد له نظير,ومع ذلك صمم بوش وزبانيته على وصمها بالإرهاب,بينما كان هو ينشر القتل والدمار ويحرق الشجر ويقتل الحيوان ,محتفظا لنفسه بلقب صانع وراعي السلام.

ماتت جدتي خلد الله روحها في الجنة بإذنه تعالى قبل سنوات ,وقبرت في وطنها اليمني الغالي,وبما أن تهمة الإرهاب تلاحقنا حتى القبور فإننا نحذر حكومتنا المتفانية في برنامج(شركاء في محاربة الإرهاب)من التعرض لقبرها ونبشه من أجل تسليم جثتها الطاهرة للغرب لمحاكمتها,طمعا في الحصول على دعم مالي وتقني,واستثمار ذلك كربح أمني وسياسي,بينما غادر جورج بوش البيت الأبيض مخلفا ورائه ملايين من القتلى والجرحى,وعشرات الآلاف من صور الدمار ومع ذلك لن يحاكمه أحد ,وقد يأتي يوم يكرم فيه بصفته صانع وناشر الحرية والديمقراطية ويمنح جائزة نوبل للسلام.

aalmatheel@yahoo.com


في الأحد 08 فبراير-شباط 2009 04:02:03 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=4847