مساحة لا تعرف قيد
حسناء محمد
حسناء محمد
 

هنا على هذه السطور البيضاء التي أملي عليها ما أريد قوله، ما يجول في خاطري، حتى ما أخفي منه، ثمة ما يحرضه على الخروج إليها! هنا مساحة لا تعرف قيد الايدي، لأن الفكر يشبه الطائر الذي لا يعرف إلا السماء إذا نهض بناحيه.

هنا مسرح كبير يمثل عليه منذ أن تساقطت الأوراق وكشف المستور. ليس له أعمدة يقوم عليها لأنه معلق في وجدان الخيال وأحاسيس مر عليها الألم والفرح، ومر عليها السكون والصخب، ومر عليها طريق كأنه لا ينتهي ما أن تقطع فيه واديا وتقول: حطة، حتى يفتح لك آخر، فتدرك بعد فترة أن هذا هو درب الحياة، وطبعها. تعرف أن هذه الآلام التي ترزح كالصخرة على نحره، هي نفسها يوما من سيخرج منها الماء فتخضر وتزهر.

وأن تلك الليالي التي باتت تتقلب بها على فراش من الهم، حتى كأن نهارها لن يستطيع أن ينشق فيتنفس، هي من ستصبح بنور يملأ الكون وتغرد لها الطيور التي بقيت في أعشاش من القلق.

وأن تلك المبادئ التي بقيت تهش عليها زمنا طويلا، قد مر عليها اليوم طائف عاث بها وسَف على وجهها التراب، ولكنها بقيت منكوت بها كل شيء حتى إذا عدنا عادت. وأنك حين تجرعت بها كأس من الخذلان، كان في حقيقته ماء زلال، ولكنك أنت من مُرّ في لسانك.

وأن من يقبع في رهبة هذا الطريق سوف لن يخطو نحو أمله المعلق في آخر غصن يستريح تحته.

وانه من السهل جدا أن تقلدهم وتتفوق عليهم، وتعلم أن ملكتك أعظم، ولكنك تبصر ما وراء ذلك، وتسمع خشخشته. سيأتي لا تخف، وستراه وتعرفه وتقترب منه وتأنس له، ويأخذ بيدك، أتعرف ما هو؟

إنه صنيعك، ومعروفك، وعملك وضميرك، وصبرك، ووجدانك وصدقك وكل ما لم تسخ به في الوحل.          


في الأحد 16 أكتوبر-تشرين الأول 2022 07:33:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=46108