قبل عيد الأم تذكر جيداً!
هلينا المهندي

دعائي لأمي استودعتها رب الرحمة والمغفرة في الجنة بإذن الله تغشاها رحمته، ولمن أمة لازلت بقرية قـــَـبـِّــل قدميها؛ إنها أمــُــك كن قريب منها!!

 

الأم هي المخلوق الوحيد التي يمكن أن تضع الطعام في فمها بعدما يلفظه ابنها الصغير، أما الأب فمن المستحيل أن يقوم بهذا العمل الذي سيعتبره غريبا وغير متحضر! الأم هي المخلوق الوحيد التي تستيقظ قبل الفجر، وتذهب إلى غرفتك لتُغطي الجزء العاري من أصابع قدميك حتى لو كانت الغرفة دافئة، ثم تتأمل وجهك، الجميل أو الدميم، وكأنك أكثر جمالا من يوسف، عليه السلام.

كان اخوتك يخرجون من الغرفة سِراعـًـا وهم يسدّون أنوفهم. وتأتي أمُك، فتحتضنك وتنظفك بلا تأفف، فبرازُكَ لم يتغير منذ أنْ كنت في بطنها تسعة أشهر، وفي مرضك تسهر وتكمد وتتكبد عناء مرضك وسهرك ،وتطبع قُبلة على رأسك متمنية لك الشفاء والنومَ الهانيء، فلا تشكرها، ولا تعتذر لها. كانت ملابسك الداخلية والخارجية مسؤوليتَها، ورائحتك الكريهة سرًا في بئر أمومتها، وكرامتك قبل أي شيء آخر، فلا يلاحظ اخوتك أو أبوك بللا أو اتساخا، ومع ذلك فلا تشكرها، ولا تعتذر لها؛ ولو مرة واحدة! كانت تعرف ليلة أول سيجارة اخترق دخانها رئتيك، فتشم رائحتك وهي تُقبّلك، وتصمت.

وكانت تعرف مع من كنت، ومن أغراك ببداية التدخين، وتحتفظ لك بسرك دونما حاجة لاستئذانك، فلا تشكرها، ولا تعتذر لها.

ولا تأسف لحزنها تتركها أسيرة حبها لك و خوفها واهتمامها!! في كل مرة كانت هي الأسرع لاخفاء ملابسك المتسخة، فتجد النظيفة جاهزة قبل أن تذهب إلى المدرسة، وبسذاجتك تظن أنها لا تتأفف وتتحمل كل العناء لأجلك!!! إذا عاتــَــبــتك لأمر ما؛ ارتفع صوتك فوق صوتها، وإذا زجرك والدك.. أطرقت خجلا أو خوفـًـا، ولم تفهم أنْ قوتها في ضعفها، وضعفَ والدك في صرامته وشدته؛ ولم تعتذر لها ولو مرة واحدة مرة واحدة .

لم تنم أمُّك يوما قبل أن تعود أنت من سهرتك مع أصدقائك، فتشاهدك من النافذة وهي تقاوم النعاس، ثم تقول لك بأن العشاء جاهز ولو بعد منتصف الليل، وتكتشف أنتَ أنها تركت لك الخبز الطري، وتناولت هي عشاءَها من الخبز الجاف لتنعم وتأكل أنت واخوتك؟كان همها راحتك فقط!!! لم تنم نومه هادئة أو مسالمة ليلة واحدة الا وهي تدعي لك وتستودعك الله، وتتنمى أن تحقق كل احلامك. كانت ست الحبايب قادرة أنْ تستخلص الصدق والكذب من أي حكاية، وتتألم لآلامك، وتحزن لأوجاعك، وتعرف قصص حبك الطفولية والصبيانية ،وكانت تلتقط أول نقطة حيض في ملابس ابنتها، وتزيلها قبل اليوم التالي، فحياءُ أختك ينبغي أن لا يتحول إلى خجل أو حديث بين الأسرة.

كانت أمُك تضع القرش فوق القرش فإذا بهما يتضاعفان، ويظن والدك أنها تأخذ من الحصّالة، لكنها في الواقع تُدبّر من كل ما ينقصك أو تحتاج إليه وتربطها بالسماء حبال غير ظاهرة لا يعرفها أبوك أو كل ذكور عائلتك.

حتى لو كنتَ تختلف معها، وتصيح في البيت، وتتركه لها وأنت غاضب لأنها تركت أخاك يأخذ لعبتك أوقميصك الجديد، فسيأتي الوقت الذي تضحك فيه على تفاهتك لأنك كنت تتمسك باي حجج واهية، وبعدما كبرت، وتزوجت، وملأ أولادُك عليك البيت، فأنت، رغم أنفك، تشتاق إليها لترتمي في أحضانها، فهي المخلوق الوحيد الذي تُشعرك أنك قويٌّ بضعفك أمام حنانها وحبها.

هي المخلوق الوحيد الذي يعطي بدون مقابل يضحي بالغالي والنفيس من اجلك عطائها ورحمتها مقارنه بعطاء الله سبحانه في محبتك أتحدىَ من يقول بأن كل أم كانت تفعل هذا؛ سيحاسبها الله يوم القيامة.

حسابُ الأم هو التربية والحنان والمحبة والعطاء بلا حدود وتماسك الأسرة وسعادة أبنائها فإذا التزمت به، سليقة أو فطرة أو أمومة، فابحثوا عنها يوم القيامة في الجنة، ولا تنصتوا للحمقىَ الذين يحدثونكم عن أم ربت أولادها، وملأت بيتها بهجة، وغمرت فلذات أكبادها حنانا، سيحاسبها الله. لا تصدّقوا من يقول لكم بأن أمهاتكم، سافرات أو محجبات ،جاهلات أو فقيرات ،مسلمات أو غير مسلمات، سيُحشَرن في نار جهنم،لن يسأل الله الأم، يوم القيامة، عن دينها، إنما عن بيتها ..

بيت السعادة ولو تحت خط الفقر، عن أبناء زرعت فيهم كل القيم التي تربت عليها وتمنت أن تراها في أبنائها بكل فخر. غريبٌ أنك الآن لا تتمنىَ أن تُقبــَّــل رأسَها، ويديها، وقدميها، أو تمرّغ وجهك في تراب قبرها، إن كانت قد رحلت! غريب أن تنساها إذا انتقلت لجوار بارئها من الدعاء والزيارة لقبرها اخلاصاً ووفاءاً لها! فالامهات لايمتن حقيقة لأنهم في قلوبنا!!! غريب أنكَ تقرأ كلماتي ولم تسقط دموعك بعد على وجهك! دعائي لأمي سلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حيه.


في الإثنين 21 مارس - آذار 2022 04:50:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=45838