سقوط صنعاء وعدن معاً.. عن اخطاء الرئيس هادي
حسين اللسواس
حسين اللسواس
 

حين يخلد المرء الى فاصل من التفحص والاستقراء لما يقوم به الوالد الرئيس عبدربه منصور هادي من اعمال وما يصدره من قرارات يخلص الى ايجاد واستنتاج حالة من عدم التروي ويصل الى رصد واقع من غياب موجبات الحكمة التي ينبغي ان تكون سائدة لاعمال وقرارات اي رئيس لاي دولة.
ورغم ان افتراضات الواقع الترضوي للاشخاص والمسؤولين الذين يتم تعيينهم هي في واقع الامر ديدن قرارات التعيين الرئاسية الامر الذي تسبب في واقع من عدم اعطاء الخبز لخبازه الا ان مثل هكذا طرح لا يبدو تعليلا بدرجة اقناع كافية لحالة التخبط وعدم الرشد فيما يصدر من قرارات رئاسية.
قصور الاداء وتراجع افتراضات الصواب في الحضور ضمن سياسات وقرارات الرئيس هادي لا يبدو مقتصرا على التعيينات الرئاسية اذ ان هنالك اخطاء فادحة في طرائق الادارة للامور والقضايا والملفات المختلفة.
لاشك ان مآلات حالة التفحص والاستقراء المشار اليها يمكنها الوصول الى نتائج لافته للغاية منها ان النكسات التي جرت للوطن في عهد الرئيس هادي ما كانت لتحدث بهذا المستوى من الفداحة لولا جانب من القرارات والسياسات الخاطئة للرئيس.
دخول صنعاء من جانب الحوثيين.. تمددهم جنوبا.. انشاء المجلس الانتقالي وخسارة السيطرة على عدن ومحافظات اخرى.. مثالب كبرى ماكانت لتحدث لو ان سياسات الادارة والقيادة اتصفت بالرشد الكافي لعدم تمدد المعضلات في جغرافية وطننا المنهك بالمآسي منذ خمس سنوات ماضية.
بالتطواف العابر على مايلي من اسطر سنصل الى نتائج منها وجود فرص عديدة لاحت امام الرئيس هادي لاحتواء المشكلات الكبرى –خسارة هادي لصنعاء وعدن معاً..!- التي جرت في الوطن ومعالجتها وعدم السماح لها بالظهور والتاثير في واقع الوطن المعاش.

اخطاء الرئيس في التعيينات كمدخل

يعتمد رؤساء عديدون في العالم على طوابير من المستشارين السياسيين والمتخصصين تتلخص مهمتهم في تقييم المرشحين للتعيين في المناصب الرسمية المختلفة بموازاة مهمة البحث عن الكفاءات والخبرات منتهجين بذلك نهج التوليف ما بين الخبرة والكفاءة من جهة وحسابات تتعلق بارضاء مختلف القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة من جهة اخرى ليكون الناتج تعيين سليم وقرار رئاسي في محله.
ومع ان الرئيس هادي لديه في واقع الامر بعض المستشارين الا ان امرين اثنين يحولان في واقع الامر دون ان يتماشى الناتج مع ضرورات وموجبات الصواب ..اولهما انفراد الرئيس بالراي واتخاذ القرار دون إعمال مطلب الشورى والتشاور والتباحث مع مساعديه وثانيهما انهماك المستشارين في تقرير ما يريده الرئيس لا ما تفرضه المصلحة الوطنية العليا "ارضاء الرئيس على حساب المصلحة العامة بهدف الحفاظ على مستويات القرب من الرئيس" ليكون الناتج واقع من الترهل الاداري والاداءاتي ومتواليات القصور الفادح في المرافق التي جرى فيها التعيين الرئاسي.
ومع ان الرئيس وفي مناسبات عدة كانت له بصمات في انتقاء شخصيات تمتلك واقعا من التأهيل والاستحقاق السياسي لتولي مناصب بعينها الا ان الناظر لواقع التعيين العام يجد ان مثل هكذا تعيين يجسد حالة استثنائية اذ ان معظم القرارات الرئاسية الخاصة بالتعيين تفتقر الى وجود عنصر الكفاءة والخبرة وترتهن لواقع ترضوي اصاب المرافق العامة في حالة من الترهل.

ازاحات في غير محلها

ازاحة بعض القيادات التي اثبتت واقع من الكفاءة في المناصب التي تولتها يجسد جانبا من الاخطاء الرئاسية التي يستعصي معها تكريس حالة من الغفران والبحث عن ممكنات الصفح.
حين نراجع واقع الازاحات التي اجراها الرئيس نجد انها كانت سببا في تخليق مشكلات كبيرة ما كان بوسعها الظهور للعلن لولا واقع الازاحات الرئاسية.
كانت مدينة عدن –كمثال صارخ- تنعم بحالة متقدمة من الاستقرار العام ابان وجود القيادي المحنك نائف البكري كمحافظ لها حيث استطاع البكري ان يفرض واقعا من الامان المنقطع النظير واستطاع ان يدير الدفة باتجاه واقع التعافي من الحرب والمعارك التي خاضتها قوات التحالف ضد الحوثيين الذين هيمنوا على المدينة لحقبة صغيرة من الزمن.
لقد كان وجود البكري سببا في جعل المدينة امنة حتى لوجود وزيارات الرئيس الى عدن.
ورغم ان واقعا كهذا كان يستوجب على الرئيس تكريم البكري وتمديد جلوسه على عرش السلطة في عدن باعتباره حقق مستويات لافته من النجاح في عمله.
الا ان الرئيس تبنى موقفا ضديا عجيبا للغاية تمثل بقرار الازاحة الشهير الذي اصدره في حق نائف البكري وهو القرار الذي جعل عدن تبارح تموضعها الامن باتجاه تموقعات انعدام الامن وتكريس واقع من الانفلات الامني الذي لم يكن ليحدث لو ان البكري بقي محتفظا بمنصب المحافظ.
ثمة احتمال هنا ان تكون القوى التي كانت راغبة في احداث نوع من عدم الاستقرار في عدن عاصمة دولة هادي –الامارات ربما- هي التي كانت تضغط على الرئيس لازاحة البكري بهدف تمرير مخططات انعدام الامن في المدينة وهي حيلة يبدو انها انطلت على الرئيس ومن حوله من الرجال.

ازاحة البكري ومغادرة عدن لسلطة هادي

حين يلجأ الرئيس اي رئيس الى تكريس واقع من الازاحات ضد قيادات في اي مرفق حكومي سلطوي ينبغي ويتعين ان يكون هنالك اسباب وتعليلات مقنعة لهذه الازاحات بمعنى ان لا تكون الامور خاضعة لفاصل من المزاجية وانعدام الاسباب المقنعة للجوء الى الازاحة.
هذه الحالة في واقع الامر هي التي حدثت في قضية ازاحة القيادي المخضرم نائف البكري من منصبه فالرجل كان مسيطرا على العاصمة عدن فارضا فيها واقعا من الاستقرار على كافة الاصعدة بصورة مكنت الرئيس من زيارة المدينة عدة مرات دونما مخاوف امنية تذكر! الامر الذي كان يعني ويستوجب ويفرض غياب اي اسباب للتفكير في ازاحته عن منصبه الا ان غياب الاسباب المقنعة لازاحته لم تشكل تعليلا له لكي يبقى في منصبه كاقل مكافاة لما حققه من امان في المدينة حيث صدمت الاوساط الاجتماعية والسياسية في عدن بقرار ازاحته من منصبه دون اسباب تذكر.
النتائج الكارثية التي تسببت في هذا القرار (ظهور بوادر التدهور الامني في عدن) لم تدفع الرئيس للعدول عن قراره المنعوت شعبيا واجتماعيا بالخاطئ حيث مضى في تكريس وتذجير الخطاء اثر عدم عدوله عنه.
لماذا البكري كمثال للاخطاء الرئاسية.. السبب الذي يبدد ضباب العجب يكمن في تسبب ازاحة البكري في البدايات الاولى لاكبر نكسة منيت بها سلطة هادي في عدن حيث كانت هذه الازاحة المقدمة الاولى لظهور القوى المناهضة لبقاء عدن في اطار سلطة هادي "المجلس الانتقالي".

الغرق في وحل الاخطاء

لقد ظهرت اولى النتائج الكارثية لازاحة البكري في حادثة استشهاد المحافظ جعفر خليفة البكري الامر الذي اظهر هادي وقراراته في حالة من انعدام الصواب والغرق في وحل الاخطاء.
ورغم ان واقعة الاغتيال منحت هادي الفرصة للتراجع عن قرار ازاحة البكري الا انه ومع الاسف الشديد لجأ لمعالجة الخطاء بخطأ اشد واكثر مرارة الامر الذي كشف حالة المزاجية وانعدام الرؤية في الاداء والقرار الرئاسي.
لقد اقدم الرئيس على تعيين شخصية لا تميل بولاءاتها السياسية لهادي وحكومته وتمتلك اجندة سياسية بعيدة عن الشرعية الا وهو القيادي عيدروس الزبيدي الذي تسبب في اكبر نكسة وصمت بها الشرعية.

بين التجريب وتجاهل الزبيدي

يعتقد كثيرون ان الرئيس في جانب من تعييناته يكون مدفوعا بالرغبة في اجراء واقع من التجريب للقيادات والشخصيات، طرح كهذا ان صح وتأكدت واقعيته فانه يدل على وجود واقع من العبث وغياب الرؤية وانعدام الحكمة.. فالتجريب لا يتم الا حين تسود حالة من انعدام وغياب الكفاءات المؤهلة لمختلف المناصب وبما ان اليمن حبلى بالقيادات الكفوءة والمؤهلة فان واقع التجريب يعد تكريسا لحالة من عدم اقتدار القيادة.
ورغم ان الوضع في المحافظات كان تحت السيطرة وخصوصا في عدن الا ان ما يمكن نعته بالنثرات الرئاسية ابى الا ان يقحم عاصمة دولة هادي في اتون دوامة كبرى من المشكلات حيث انبرى واقع الاخطاء الرئاسية لينال من المحافظ الزبيدي –ازاحة الزبيدي من منصب المحافظ بقرار رئاسي- الامر الذي جعل الرجل –اي الزبيدي- يرد الصاع للرئيس بصاعين اثر تاسيسه لتكتل سياسي مسلح الا وهو المجلس الانتقالي الذي سرعان ما تسبب تاسيسه في دلوف عدن الى مرحلة مغادرة سرب سيطرة سلطة هادي عليها عبر ازاحة قوات هادي منها واحلال قوات الانتقالي كبديل لها ليغدو هادي رئيسا لدولة بلا عاصمة.
وبدلا من سعي الرئيس الى احتواء الموقف بتعيين الزبيدي في منصب سيادي اخر للحيلولة دون تسبب قرار الازاحة من منصب المحافظ في تخليق مشكلات كبرى –اعادته الى منصب المحافظ او تعيينه وزيرا او حتى نائب رئيس وزراء- كفاتورة اجبارية لتحاشي ما يمكن ان يتسبب به من معضلات ومشاكل كبرى الا ان الرئيس مضى في تكريس واقع الاخطاء والهفوات والعثرات والزلات بتجاهله للزبيدي الذي لو جرى تعيينه في منصب اخر لانتهى التهديد الذي يشكله المجلس الانتقالي ضد سلطة هادي.

المماطلة في تنفيذ اتفاق الرياض

كان بوسع هادي وهي فرصة ذهبية اخرى لاحت امامه احتواء التحولات التي كانت جارية في شان المجلس الانتقالي عبر تعويض الزبيدي بمنصب اخر غير ان واقع الاخطاء لم يبارح اداءات رئيس لا يقيم وزنا لاراء واطروحات المستشارين ولا يضع اي اعتبارات لما يصل اليه من انتقادات الساسة والكُتاب والمراقبين والباحثين.
التطور الدراماتيكي لاخطاء هادي كان سببا في قيام ثاني اكبر معضلة واجهت هادي بعد الحوثيين حيث اتجه الزبيدي الذي يرأس ويدير المجلس الانتقالي الى رفع السلاح في مواجهة قوات هادي وجزء من قوات التحالف الامر الذي ادى الى اخراج وازاحة قوات هادي والتحالف من عدن بالقوة.
لم يقتصر الامر على ذلك فحسب اذ اتجه الزبيدي والانتقالي الى السعي لاسقاط محافظات اخرى في الجنوب دون ان يجسد ذلك دافعا لهادي الى السعي نحو تسييد واقع من الاحتواء للموقف –واقع من العجز رغم وجود خيارات كثيرة للادارة والاحتواء-.
حين شرعت السعودية في مراميها لعقد مفاوضات سياسية تؤدي لاحتواء تطلعات الانتقالي ونجاحها بعد ذلك في عقد "اتفاق الرياض" فوجئت الاوساط السياسية والاجتماعية باتجاه هادي نحو الايغال في خنادق ومنزلقات الاخطاء المتوالية حيث سادت حالة من المماطلة في تنفيذ اتفاق الرياض لتتسارع الاحداث باتجاه اقدام الانتقالي على فرض هيمنته على جزيرة سقطرى مؤخرا وازاحة قوات هادي والسعودية منها.

ضرب سلطة هادي

باجراء مراجعة بسيطة يسعنا القول ان هادي كان يمتلك استقرارا شبة كامل في عدن ابان عهد نائف البكري حيث كانت الامور تحت السيطرة غير ان اداءاته وقراراته الغير صائبة ادت الى فقدان السيطرة على عاصمته ومناطق اخرى من بعض المحافظات الجنوبية وتسبب في جعل حكومته تعاني حالة من التشريد بين المحافظات الاخرى بالاضافة الى حرمانه من التواجد في عدن من حين لاخر.
اين كنا واين اصبحنا بفضل قرارات وتوجهات واداءات الرئيس..! انه حقا لبون شاسع بين واقع ما قبل قرارات هادي وما بعدها لقد تسببت هذه القرارات والاداءات الخاطئة والقاصرة في ضرب سلطة هادي وحكومته في مقتل وباتت عاصمة دولته ومحافظات اخرى ينتظرها مستقبل لا يبعث على الاطمئنان والتفاؤل لاسيما مع قيام المجلس الانتقالي باعلان الادارة الذاتية في عدن والمحافظات التي يسيطر عليها.
وهنا نتساءل ماذا تبقى للرئيس بعد سياساته وقراراته التي ادت الى سقوط صنعاء وعدن في آن معاً..!!

محاولات ارضاء الامارات

في اميركا ورغم ان الرئيس يمتلك سلطات كبيرة للغاية الا انه في شان التعيينات في المناصب العليا على سبيل المثال لا يتجه الى اقرارها دون موافقة الكونجرس وبعد العرض على المستشارين الذين يقومون ايضا بانتقاء واختيار المرشحين لشغل المواقع والمناصب المختلفة وتقييمهم بمعنى ان الرئيس لا ينفرد بقرارات التعيين.
في شان اقصاء البكري من منصبه مثلا (بداية خروج عدن عن سيطرة هادي) قد يقول البعض ان السبب يرجع الى محاولة ارضاء رغبة اماراتية وهنا حتى لو كان ذلك صحيحا فان متطلبات الواقع على الارض كانت ستمنح العذر للرئيس امام الاماراتيين الحلفاء –صوريا- اذ ليس من الحكمة ادخال عدن في اتون حالة من الاضطراب سعيا لجني حصاد الرضا الاماراتي وهو امر كان يمكن للامارات تفهمه ولو بعد حين لاسيما مع قدرة هادي على ارضاء الامارات في تعيينات اخرى غير منصب محافظ عدن.
عبارة وسلوك من قبيل: منصب المحافظ في عدن ضمن حصتي في السلطة –جانب مما يدور خلف الكواليس ولا يُعرض على الراي العام- كان بوسع هذا الاتجاه بالاضافة الى تعليل –سيادة الدولة- ان يؤدي الى تفهم الاماراتيين كحلفاء صوريين في الظاهر واعداء حقيقيين في الباطن لواقع بقاء البكري في منصبه وبالتالي الاتجاه الاماراتي الى مطالبات اخرى بالتغيير في مناصب بعيدة عن منصب المحافظ في عدن.

فشل هادي في احتواء التوجهات الاماراتية

التصدع في العلاقة الرابطة ما بين هادي وحكومته من جهة والامارات من جهة اخرى كانت موجبات المصلحة الوطنية العليا تفترض ان يسعى الرئيس الى احتواء هذا التصدع ولملمة اي تدهور في هذه العلاقة وعدم السماح لها بالوصول الى تهديد كبير وحقيقي للرئيس وسلطته.. غير ان سياسات اذن من طين واخرى من عجين وتوجهات اجتراح الاخطاء وتمرير سياسات التجاهل لمطالب الامارات افقدت هادي القدرة على تحقيق واقع من الاحتواء لهذه الازمة الامر الذي ادى الى فقدان هادي للاسناد الاماراتي الذي كان يحظى به ابان بدء عمليات التحالف في اليمن.
قيام الانتقالي وسيطرته على عدن وتواجده في محافظات اخرى بالاضافة الى استيلاءه على سقطرى مؤخرا كل هذه الاحداث كان بوسع هادي تخطيها ومجاوزتها الى واقع اخر لو انه اتجه لتبني سياسات وتكتيكات تتغيا كسب التعاطف الاماراتي وضمان عدم قيام الاماراتيين باي انشطة من شانها تقويض سلطة هادي.
خطوات جريئة تتصف بالاجبارية من قبيل منح الامارات قاعدة عسكرية في سقطرى (تحت غطاء ومبرر مساندة اعمال التحالف العسكرية) بموازاة منحها ايضا امتياز ادارة ميناء عدن لفترة محدودة وبشروط تضمن عدم النيل من المكانة التجارية الدولية لهذا الميناء امور كان من شانها احتواء الاتجاه الاماراتي الى التاثير على حكومة هادي والسعي الى تقويض حضورها الرسمي الميداني.

اخطاء قديمه تسليم صنعاء انموذجا

حين نراجع واقع الاخفاقات الناتجة عن القرارات الرئاسية الخاطئة نجد ان ثمة جذور واضحة لتلك الاخطاء.. فبالعودة الى واقع قديم نجد ان هادي اقدم على ارتكاب اخطاء عديدة منها على سبيل الذكر تعاطيه مع اللواء 210 وقيادته الممثلة في العميد حميد القشيبي بمحافظة عمران الذي جرى محاصرته من جانب الحوثيين حيث سهل هادي للحوثيين الاستيلاء على هذا اللواء (الذي كان يشكل خط الدفاع المتقدم عن العاصمة صنعاء) لقد تجلى ذلك التسهيل في اتجاه هادي ووزير دفاعه محمد ناصر احمد الذي كانت لديه حسابات تتصل بالصراع على الهيمنة والنفوذ في الجيش الى تجاهل نداءات اللواء الذي كان يطالب هادي بالامدادات البشرية والعسكرية بالاضافة الى مطالباته لهادي باسناد جوي في معارك اللواء الملحمية ضد الحوثيين.
وبدلا من ان يهرع الرئيس الى اسناد اللواء الذي يمثل رمزا للسلطة في المنطقة وخط دفاع حقيقي امام اي طموحات او تطلعات تتغيا اجتياح العاصمة صنعاء عسكريا.. اتخذ هادي توجها غريبا –ربما لاسباب تتعلق بتكتيكات تقويض سلطة الجنرال علي محسن وبيت الاحمر انذاك- قضى ذلك التوجه بتسهيل سقوط اللواء في يد الحوثيين الذين اضحت العاصمة بالنسبة لهم –عقب سقوط هذا اللواء الهام- لقمة سائغة للغاية.
عقب نجاح الحوثيين في اجتياح هذا اللواء وتقدمهم باتجاه العاصمة فوجئت الاوساط اليمنية وفي اطار متواليات الاخطاء الرئاسية التاريخية التي لا تنتهي بقرار اخر خاطئ من الرئيس هادي قضى بمنع معسكرات والوية الجيش (الماكثة جغرافيا ما بين الحوثيين من جهة والعاصمة صنعاء من جهة اخرى) من التعرض للحوثيين وقتالهم حيث صدرت تعليمات رئاسية للقوات بالمرابطة في مواقعها بعدم قتال الحوثيين مطلقا وهو امر مهد الطريق للحوثيين الى دخول صنعاء دون اي معارك كبيرة وحقيقية تذكر.
اخطاء رئاسية فادحة كان يمكن لولا وجود هذه الاخطاء ان تبقى صنعاء في يد الشرعية وعدم سقوطها في ايدي الحوثيين او على اقل تقدير تحقيق واقع من اطالة آماد الاقتتال بصورة تؤدي الى واقع من تمترس قوى السلطة السياسية والعسكرية والامنية والقبلية بصنعاء في تموضعات الدفاع عن العاصمة (استعصاء دخول الحوثيين الى صنعاء وفرض واقع من الاستحالة لتنفيذ اي توجهات لاقتحام للعاصمة).

فداحة استمرار عجلة الاخطاء

بعد هذا التطواف نجد بجلاء منقطع النظير انه ولولا قرارات هادي الخاطئة لما تشكلت المعضلات الكبيرة التي يعانيها اليمنيون الان (سقوط صنعاء وتمدد الحوثيين وسقوط عدن ومحافظات اخرى).. فلولا قرارات هادي بعدم اسناد اللواء 210 ومنعه للجيش من مواجهة الحوثيين بعد سقوط هذا اللواء لكانت نسبة نجاح الحوثيين في دخول صنعاء ضيئلة للغاية وبالتالي لم يكن هادي مضطرا الى المغادرة صوب عدن.
ولولا القرارات الرئاسية الخاطئة التي اقدم عليها في عدن لما تمكن الحوثيون من التمدد جنوبا ولولا ازاحة البكري ومن بعده الزبيدي لما تشكل المجلس الانتقالي ولم يكن واردا حدوث فعل الاستيلاء على عدن واجزاء من محافظات اخرى من جانب هذا المجلس.
ولولا الاخطاء الرئاسية ايضا وبالاخص في عدم احتواء التوتر مع الامارات والمماطلة في تنفيذ اتفاق الرياض ولو حتى اجزاء منه كتعيين عيدروس الزبيدي في منصب رفيع لما اتجه المجلس الانتقالي الى فرض سلطته العسكرية على سقطرى وازاحة قوات هادي منها.
انها اخطاء متوالية مازالت تمضي قدما في اتجاه ادخال اليمن واليمنيين الى خنادق مجهول قاتم الملامح سوداوي اللون.

على طريق احتواء الاخطاء

يتعين على الرئيس هادي ان يتجه الى اعادة النظر في اعماله وقراراته وسياساته حتى لا ياتي اليوم الذي يجد نفسه وسلطته في خنادق "سلطة بلا ارض" وهو اتجاه وتطلع يسعى الانتقالي ومن ورائه الامارات الى تحقيقه على المدى المنظور.
في شان التعيينات مثلا يتعين على هادي تحاشي واقع الازاحات الا اذا كانت متواليات التعويض حاضرة في المشهد وبالاخص في حق الاشخاص الذين يمتلكون قواعد شعبية ومؤهلات لافتعال ازمات كرد على قرارات اقصائهم من المناصب التي يشغلونها ويتعين ايضا تجنب سياسات التجريب للاشخاص في المناصب المختلفة عبر انتهاج مسلك تعيين الكفاءات والمؤهلين دونما حاجة الى التمادي في السلوك الترضوي للقوى المختلفة الا اذا كان هذا السلوك متمتعا بصفة جدارة مرشحي القوى السياسية للمناصب اي ان يكونوا مؤهلين وذوي خبرة وكفاءة هذا بالاضافة الى إعمال دور وادوار المستشارين فيما يتعلق بانتقاء واختيار الشخصيات والاشخاص المؤهلين والانصات مليا لما يرد الى الرئيس من انتقادات ومحاولات تصحيح صادرة عن قادة الراي العام من مراقبين وساسة وباحثين.
ويتعين ايضا مراجعة القرارات التي لقيت واقعا من الاخفاق عبر العدول عنها او تعديلها بقرارات ذات طابع تصحيحي.
وفي شان الانتقالي يتعين على الرئيس احتواء التصاعد المضطرد للمستقبل المظلم عبر تحريك المياة الراكدة وصولا الى تفعيل اتفاق الرياض الذي يعد نافذة احتفاظ الرئيس بما تبقى لدى سلطته وحكومته من محافظات تحت السيطرة والتمهيد الى عودة جانب من قواته الى عدن حال تنفيذ اتفاق الرياض.
اما في شان الامارات فلابد من استحداث وسائل وآليات لارضاء الاماراتيين وبالتالي ضمان عدم دفعهم للامور باتجاه خسارة هادي لما تبقى لديه من نفوذ وسلطة ميدانية في المحافظات الجنوبية اذ ان استمرار غض الطرف وانتهاج سلوك التغافل والتطنيش امر من شانه دفع الاماراتيين الى تكريس واقع من تحريض المجلس الانتقالي على الاتجاه الى الاستيلاء التدريجي على ما تبقى لدى الرئيس وحكومته من سلطة ميدانية.
لاشك ان واقع -سلطة بلا ارض- الذي يبدو لائحا -او على الاقل اجزاء منه- في افق الترقب المستقبلي خطب جلل من شانه تحويل هادي الى رئيس صوري وجعل حكومته مجرد اسماء على حبر غياب الارض –الكافية- وهو واقع يستدعي تحركات كبيرة في اتجاهين اولهما احتواء الازمة مع الانتقالي وثانيهما السعي الى ارضاء الامارات وضمان كف مساندتها للعبث في الجنوب.

تحاشي مآلات الذكرى السيئة

يتعين على الرئيس هادي الحيلولة دون ان يجري تخليد اسمه في اسفار التاريخ مقترنا بالازمات والمشكلات الكبرى التي حدثت لليمن في عهده.. اذ يتعين ان يسعى الى ان يكون اسمه في التاريخ وارداً كصانع للتحولات الايجابية ومحتو للمعضلات وموحد للتراب اليمني.. وهنا نتساءل هل يعقل ان الرئيس يتغيا الى تاسيس ذكرى سيئة لنفسه كرئيس جمهورية..؟! لا يوجد في مفاعيل السياسة رئيس يسعى الى التاسيس لذكرى سيئة لذاته ولسلطته.. وبما انني اجزم برغبة الرئيس في تاسيس ذكرى خالدة لنفسه ولسلطته فان ذلك الجزم يستوجب على الرئيس انتهاج خطوات عدة من شانها ايراد مسماه على نحو عطر وخلاق وايجابي في التاريخ.
لا يمكن للرئيس هادي ان يرضى بان يقال عنه ان عبدربه منصور هادي قد دمر اليمن خلال مرحله حكمة عبر سلسلة لا متناهية من الاخطاء والسياسات والقرارات الفادحة.. حالة عدم الرضا تجعل الرئيس مضطرا لانتهاج مسلك معالجة كل اخطاءه ولو تطلب الامر تاسيس لجنة سلطوية لمراجعة اخطاءه وسياساته ووضع البدائل الكفيلة باحتواء هذه الاخطاء والسياسات.

وماذا بعد

يمكننا الزعم بعد التطواف بعاليه ان لدى الرئيس مفاتيح من شانها اجراء تغييرات وتحولات جذرية فيما يدور من احداث، ففي اخطاءه شمالا -التي ادت الى سقوط صنعاء بيد الحوثيين- يمكنه ان يتجه الى مبادرات لعودة سلطته الى صنعاء كالقيام بمبادرة جريئة وشجاعة للغاية مسنودة بدعم القوى العظمى في العالم تؤدي لاتفاق سياسي مع الحوثيين يكفل تشكيل حكومة وطنية وبالتالي عودة هادي وسلطته والمنفيين قسرا من الشخصيات الوطنية الى صنعاء، وفي اخطاءه جنوبا يمكن لهادي القيام بخطوات لاحتواء تحركات المجلس الانتقالي اما بتمرير اتفاق الرياض او على الاقل اجزاء منه عبر السعي الى خطب ود الرضا الاماراتي بصورة تكفل قيام الاماراتيين بايقاف سياسات "لي ذراع هادي" عبر المجلس الانتقالي بموازاة السعي الى تعويض الزبيدي والقيادات المساندة له عبر تعيينهم في مناصب رسمية بعيدة عن عدن "سفراء مثلا".
والسؤال المطروح هل آن للرئيس هادي ان يقف مع الذات فاصلا من التأمل ويخلد الى فواصل من المراجعات التي تؤدي الى الاتعاض من الاخطاء القديمة والحديثة بصورة تمكنه من احتواء الاخطاء الناتجة عن قراراته وسياساته القديمة والحديثة شمالا وجنوبا بموازاة تحسين اداءاته الرئاسية المستقبلية وعدم الانجرار الى قرارات وتعيينات من شانها تكريس واعادة انتاج واقع الاخطاء مجددا.
مآلات سلطة بلا ارض التي تسير نحو تحقيقها السياسات الراهنة بموازاة الرغبة الافتراضية لهادي في عدم ذكر اسمه في تموضعات الذكرى السيئة في التاريخ امور تجعل من الخلود الى الذات بهدف المراجعة سلوك اضطراري تفرضه ايضا موجبات الثقة الجماهيرية في الرئيس الذي يجب ان يكون اهلا لها، وهنا ليس عيبا ان يعترف الرئيس هادي باخطاءه وان يسعى الى احتواء ما تيسر منها.. فالعيب هو الاصرار على هذه الاخطاء والتمادي في سلسلة لا متناهية من السياسات والقرارات التي تعد ابعد ما تكون عن المصالح الوطنية العليا لليمن وبالتالي التسبب في مزيد من اقحام وطننا الغالي في متاهات لا متناهية من المشكلات والازمات التي لا تقف او تنتهي عند حد وكفى.


في الأحد 28 يونيو-حزيران 2020 08:27:57 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=45014