في وداع فقيد مأرب الشيخ سعيد بن سهيل
د. ضيف الله بن عمر الحداد
د. ضيف الله بن عمر الحداد
 

ما كنت أحسب أني لن ألاقيه

وأن عيني على الدنيا ستبكيه

في صغري تتلمذت على يديه ودرست ابجديات العلوم ومتون المعارف عليه كان يعلمنا تحفة الاطفال ويسميها لنا بتحفة الأبطال حتى تكبر في نفوسنا وكان يدرسنا الاجرومية فيضفي لها من الزيادات النافعة ما رأيت أثره علي في مسيرتي الدعوية ودراستي الجامعية وما بعدها

اكاد أجزم أني لم أر عالما جمع بين العلم والعمل وحسن التربية والقرب من طلابه ومريديه مثله على بساطته وتواضعه الجم.

قال لنا ذات مرة في أوائل التسعينات ونحن ندرس على يديه في مراكز العلم ومنابع الهدى ..لقد عرضت علي المناصب الرفيعة والقضاء ولكن نفسي ابت كل ذلك ولم ترض بشيء من ذلك إلا بالبقاء بينكم.

رغم كثرة مشاغله فهو العالم لذي لم ينس طلابه ابدا مع ان الأدب وفارق السن ومنزلة العلم والعلماء تقتضي ان تكون المبادرة منا لا منه ولكننا والله نراه هو المبادر والمسابق في كل ذلك وكلما تأخرنا بالاتصال به اتصل هو بنا وكلما عدنا من سفر كان أول الزائرين لنا.

 شيخنا ابومحمد بقية علماء السلف فريد عصره ووحيد دهره أستاذ الدعاة وسلطان العلماء يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم مع ادب العلماء وتواضع الصالحين وبساطة في كل شيء لم يعرف المواكب ولم يقبل بشيء من ترف الدنيا ومظاهرها البراقة الزائفة ولم يقبل حتى بالمرافقين مع ان العدو يتربص به ويتمنى لو ظفر به يرفض كل ذلك مع شدة حب طلابه له وتمنيهم لو يأذن لهم بمرافقته ولكنه لله دره يرفض كل اشكال الترف ومظاهر التميز وتابى نفسه المتواضعة التواقة للجنة إلا ان يعيش مع غبراء الناس وعامتهم .

ولو نظرنا إلى جانب التربية والجهاد فهو أستاذها وفارس ميدانها الذي لا يبارى فقد استشهد من طلاب الدار فقط في معركة الدفاع عن مأرب اكثر من 50 شهيدا اما من تربوا على يديه وعلى يد إخوانه من الرعيل الأول من الدعاة في محافظة مارب فقد كان لهم بعد الله الأثر الكبير في الدفاع عن مارب واليمن والتاريخ يشهد أنه حين سقطت كل القلاع وسقطت العاصمة وانهارت المؤسسة العسكرية اتكئت عصا الجمهورية عليهم واستشهد منهم الآلاف وجرح الكثير منهم وكان لهم بعد الله الفضل في الدفاع عن الدين والوطن.

وحين دقت طبول الحرب ووصلت زحوف مليشيا الإجرام اطراف مدينة مأرب ثبت ثبات الجبال الرواسي ورأى ان الخروج من مأرب فرارا من الزحف .

ومن الأمور التي أشهد بها في شهر 7/2015م حين وصلت المليشيا اطراف مارب اتصل الشيخ بمجموعة من الدعاة والتقى بهم في داره وبين ثلة من خيرة الدعاة بدأ الشيخ كعادته يحفز الجميع ويوزعهم على كل الجبهات والمواقع دعاة ومفتين وموجهين ومشاركين للمرابطين والمجاهدين في الثغور فتم حينها زيارة الكثير من أماكن الرباط والجهاد وكان رحمه الله اول الزائرين وقدوة للجميع في كل شيء.

ماذا أقول وماذا اكتب يعجز اللسان ويجف المداد ولن نستطيع أن نوفيك يا شيخنا شيئا من حقك علينا ولازلت اذكر كلمات لأخي ابي سالم عبدالله بن عمر رحمه الله وغفر له عن الشيخ سعيد بأنه من اشبه الناس بالشهيد المربي والعلم الفذ الدكتور عبدالله عزام رحمه الله

 كان آخر لقاء به قبل يومين من وفاته وكعادته رحمه الله كان زائرا لنا في بيتنا وكان طوال مجلسه مفتيا وموجها ومربيا ومداعبا للكل لا يمل صغيرهم وكبيرهم من حديثه لسان حالهم

بالله لفظك هذا سال من عسل

ام هل صببت على افواهنا العسلا.

فكان والله مثالا للعالم التقي النقي والمربي الفذ والقائد المتواضع والكريم الجواد

الحقيقة المحزنة ان موت الصالحين خسارة عظيمة وموت العلماء خسارة مضاعفة وموت العلماء العاملين خسارة لا تقدر بثمن ولكن عزاؤنا في فراق شيخنا ان ما عند الله خير لعباده الصالحين نحسبه من أولياء الله والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا.

رحم الله شيخنا العالم الفقيه المفتي اللغوي المجاهد بعلمه وقلمه ولسانه وماله تعرفه المتارس والمنابر ومجالس الناس ومحافلهم وكل مناسباتهم. ماذا نقول وماذا نكتب

اترحل لا الأحباب من فيضك ارتوت

ولم يرو من عذب الأحاديث معشر

أيا علما هز الجهاد افتقاده

هو البحر يصفو تارة ثم يهدر

ستبكيك دار العلم ما جمعة دنت

ويلتاع محراب وينشج منبر

وهيهات ينسى يوم كنت إمامه

كليث على باب العرين يزمجر

شيخي واستاذي عزائي فيك حسن خاتمتك والخير والعلم الذي حباك الله به ونفع الناس به وثناء الناس عليك والجموع الغفيرة التي صلت عليك.

صحيح ان هناك علماء لديهم متون ويحفظون الكثير من المتون والشروح بل حتى والحواشي في صدورهم ولكن شيخنا فاقهم وسبقهم في كل شيء فكان والكل يشهد له مثالا للعالم التقي النقي المجاهد المصلح المتواضع الراغب عن الدنيا ولعاعها الزائل.

حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون

الأسيف د. ضيف الله بن عمر الحداد


في الأحد 05 أغسطس-آب 2018 07:34:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=43831