هل نجحت إيران في اختراق الجزيرة ؟

دائما ما تفتقر الشعوب المسلمة إلى أصوات إعلامية صادقة , متحررة من القيد والولاء , متجردة في مادتها الإخبارية , تعبر بصدق عن آلام السنة في كل مكان , وفي كل بقعة من بقاع الأرض , ويوم أن خرجت قناة الجزيرة الفضائية من دويلة قطر الصغيرة , ظن الكثير الكثيرون أنهم قد عثروا على ضالتهم في قناة غير متحيزة , تنقل الرأي والرأي الآخر وتكشف معاناة الشعوب المظلومة المكلومة , إلا أنه قد تبدت للأعيان كثير من الدلائل التي قد تحبط طموح الشعوب في ذلك و ترسل رسالة مفادها أنه : لا إعلام بغير تحيز ولا إخبارية بغير تأثر بالأيدلوجية !

ولسنا هنا بصدد محاكمة للقناة القطرية أو لغيرها فإننا نترك ذلك للمشاهد المسلم ذي الشعور الذي لا يكذب كما لا نتحدث عن قناة الجزيرة القطرية كقناة للمسلمين أو على أنها قناة إسلامية بالطبع .. كما لا يمكننا ان ننكر تلك القفرة الإعلامية الإخبارية التي شاركت بها قناة الجزيرة لاسيما إن إنطلاقتها كانت في وقت لم يكن هناك منافس عربي لها على الإطلاق وكذلك لا نستطيع أن ننكر أن القناة تنقل قدرا من المعاناة في الأماكن والمواقع التي هي بعيدة عن المحك المؤثر في أيديولوجية القناة .

إن كثيرين قد إتهموا قناة الجزيرة بأنها الوجه المدبلج للبي بي سي البريطانية والسي إن إن الأمريكية حيث إن معظم إعلاميها الكبار وقادتها الموجهين هم خريجوا تلكم الشبكات الإخبارية البريطانية والأمريكية , ونحن لا نعد هذا اتهاما بالحقيقة , لأن المحك الحقيقي إنما هو تلك المادة التي تقدمها القناة وليس في تاريخ إعلاميها أو غيره , إلا أنه كذلك لا يمكن أن نهمل تأثر أي إعلامي بتوجهه الثقافي والأيديولوجي وتحيزه الفكري تجاه ما يحب أو يفضل ..

ونحن في الحقيقة قد أدهشنا ذاك التحول الكبير في المادة التي تقدمها قناة الجزيرة خصوصا فيما يخص الشأن الإسلامي السني في الآونة الأخيرة مما دعانا إلى إثارة بعض التساؤلات التي نقدمها لمسئولي القناة والقائمين عليها علنا نجد عندهم الجواب والتبرير لها.. ونحاول أن نختصر ذلك في عدة نقاط محددة .

أولا : لقد ثار تساؤل عن الجديد الذي جاء به ' وضاح خنفر ' مدير قناة الجزيرة , الذي تعين بعد أيام من دخول قوات الاحتلال الأمريكية للعراق حيث كان من المعروف سلفا أن مديرها السابق جاسم العلي كان من الداعمين للقضية ا لعراقية حتى اتهمه البعض بالولاء لصدام حسين , وغير خفي أن ثمة خلاف معروف قد وقع بين وضاح خنفر مدير مكتب الجزيرة في العراق في تلك الأثناء وبين العلي ما دعي خنفر في لقاء إعلامي ان يهاجم مديره بقوله [ مدراؤنا يريدون إبراز أنفسهم على حسابنا ! ] ....... وقد علا صوت هذا التساؤل بعد إزاحة جاسم العلي وتعين وضاح خنفر مديرا للقناة بعد لقائه الشخصي والشهير ببول بريمر الحاكم العسكري للعراق وقتذاك , وبكل من توني بلير وجورج بوش ، ولا يخفي على أحد ذلك الدعم الكبير الذي قد قدمته إيران لقوات الاحتلال الأمريكية لتسهيل دخولها بغداد والتي أفصح عنها السستاني صراحة أكثر من مرة ونالت عنه إيران جائزتها في العراق , فهل كان تعيين خنفر ــ مراسل الجزيرة في كردستان سابقا ـ بمباركة شيعية إيرانية كردية وقتذاك ؟ أم إن ذلك كان بمحض الصدفة ؟ وأن القدرات المميزة التي يتمتع بها وضاح خنفر [ 37سنة وخريج الهندسة ] هي التي قد أهلته لتولي هذا المنصب الرفيع جدا والمؤثر والذي أطلق عليه بعض المعادين لقناة الجزيرة لقب [ حاكم جزيرة قطر ] ؟ !!

ثانيا : ما يحصل من قناة الجزيرة تجاه التغطية الإعلامية في العراق مثير لتساؤل آخر فمنذ المراسلة الإعلامية للمذيع أحمد منصور لمذابح الفالوجا والتي نقل على إثرها بعضا من الممارسات الأمريكية الشيعية تجاه مسلمي السنة في الفالوجا والتي على إثرها منعت تغطيته للحرب هناك , منذ ذلك الحين واتخذت القناة مسارا غريبا فيما تعلنه من أنها تنقل الحقائق المجردة , ففي حين نجدها تنقل يوميا تصريحات المسئولين الحكوميين ويخاصة الشيعة منهم نجد أنها لا تأتي على ذكر علماء السنة ولا مسئوليهم , وفي حين يقدم أهل السنة في العراق الوثائق التي تثبت بالإحصائيات أنهم أكثرية , تسلط قناة الجزيرة الضوء على المظاهرات الشيعية والتحركات الشيعية سواء شعبية أو رسمية , وتقدم الإحصاءات المناوئة التي تعلن فيها أكثرية الشيعة ، وفي حين يتعرض أهل السنة للمذابح اليومية وأصناف العذاب الذي يشيب لهوله الولدان على أيدي الميلشيات الشيعية , لا تبدي قناة الجزيرة اهتماما أبدا بتلك المجازر كأنها مغمضة العينين تجاهها , وفي حين يقوم جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر بأبشع أنواع الإبادة الجماعية لأهل السنة _ والتي عبر عنها كل القادة الشعبيين والمقاومين والعلماء من أهل السنة _ , في ذات الوقت يستضيف 'غسان بن جدو' الزعيم الشيعي ' مقتضى الصدر' قائد جيش المهدي, ويفسح له مجالا على مدى ساعة كاملة ينشر فيها بيانات كاذبة ويبدو فيها أمام المشاهدين بوجه ' تقية ' يستنكر فيها تلك المذابح [ وهو قائدها ], ويدين فيها تلك المجازر [ وهو الآمر بها ] , فبأي مبدأ يقاس هذا الفعل من قناة الجزيرة ؟!

ثالثا : تبث قناة الجزيرة يوميا تقريرا عن تفجيرات وأعمال تدميرية في العراق , ولا يعدو ذلك _ بشكل يومي _ عن تلك التفجيرات التي تحصل بين مدنيين أو بين عسكريين متجندين وينسب صاحب التقرير الفعل دائما للإرهابيين _ على حد وصفه _ في حين لايتطرق التقرير من قريب أو بعيد لأعمال المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأمريكية ، بل يتعمد صاحب التقرير أن يقول جملة لا يمكن أن يستسيغها عاقل [ انفجرت سيارة مدرعة لقوات الاحتلال ولم يبلغ عن وجود إصابات ] !!! بل كثيرا ما تشكو فصائل المقاومة العراقية في بياناتها المختلفة عن تعمد الجزيرة لعدم نشر أو عرض عشرات الأشرطة لعمليات حية ضد قوات الإحتلال وكذلك متابعات حية لملشيات الشيعة أثناء الإبادات الجماعية , ويذكر هنا ما ذكره مراسل سابق لقناة الجزيرة يتحدث عن مديرها خنفر أثناء ما كان مديرا بمكتبها في العراق يقول : كان وضاح يصحو من النوم إذا لم يكن هناك تفجيرات فيقول ' يالا نولعها يا شباب ' !!

رابعا : هناك تساؤلات عن ذلك الاهتمام غير الطبيعي لموضوع الملف النووي الإيراني , وتصوير إيران أنها حامية حمى الإسلام , وأن قنبلتها النووية هي درع للمسلمين , وتعمد القناة في ذات الوقت أن تنأى عن أي ذكر للخطر الشيعي الإثنا عشري التكفيري على مسلمي السنة وعلى الدول السنية القريبة والبعيدة من إيران ، وإذا كانت الحكومة الإيرانية تمارس أبشع أنواع العذابات تجاه السنة في العراق قبل أن تنتج قنبلتها النووية فماذا ستفعل بعد إنتاج تلك القنبلة ؟!

خامسا : تساؤل آخر عن مدى تأثر المادة المعروضة لقناة الجزيرة بالأيدلوجية القطرية المهادنة بل والموالية لإيران , فهناك من يتهم الجزيرة أنها أول من أطلق لفظ [ المثلث السني ] على مناطق الأنبا ر في العراق , مستثنية كثير من سنة العراق في الأقاليم الأخرى وإقليم كردستان ذي الغالبية السنية , والذين يتهمون الجزيرة بهذه التهمة يذكرون موقف الحكومة القطرية عندما ناشدت دول مجلس التعاون قطر للوقوف معها من أجل قرار موحد ضد إيران وأن قطر قد تمردت على قرار مجلس التعاون واتخذت قرارا فرديا للتواصل مع إيران ، وكذلك يتساءل هؤلاء عن مدى شفافية الأخبار في القناة وعدم تأثرها بالاتجاه الحكومي الممول لها إذ إنها قد أخفت خبر نقل قذائف عنقودية ذكية من قاعدة العديد في قطر إلى إسرائيل في حين تنكر القناة على كثير من دول الجوار تخاذلها أمام شعوبها - على حد قول القناة - , أضف إلى ذلك استغلال مذيعي القناة ومقدمي برامجها كل فرصة بعيدة أو قريبة للنيل من الحكومات والهيئات والمؤسسات التي لها معها حسابات قديمة .

سادسا : هناك تساؤل خاص عن الموقف الخاص بالقناة من حزب الله الشيعي الإثنا عشري وقائده حسن نصر الله ، فقد فوجئ المشاهد المسلم أن قناة الجزيرة قد أصبحت هي المتحدث الرسمي والأول باسم حزب الله والمخابرات الإيرانية وقد اتضح في هذه التغطية المريبة نتاج تلك العلاقة بين القناة وبين إيران , ففي الوقت الذي يعلن فيه قادة حزب الله أنهم أبناء إيران بل كما تقول قيادتهم : 'هم من جزء من إيران في لبنان ' , نجد الجزيرة تشوش على تلك المعلومة الواضحة و تظهر حزب الله كأنه قائد المقاومة الإسلامية في المنطقة وحامي درع الإسلام في فلسطين , ومخلص الشعوب العربية من حكامها الظالمين !

وإذا بقناة الجزيرة تصبح مرتعا خصبا لبيانات حسن نصر الله بالساعات الطوال ولقاءات نبيه بري [ زعيم حركة أمل الشيعية صاحبة أشهر مجازر للسنة في لبنان والمتحدث السياسي باسم حزب الله في المباحثات الحالية ] ، ومحمد حسين فضل الله [المرشد الروحي لحزب الله والمتنافس مع السيستاني في المرجعية الكبرى عندهم ] , وكثير من المراجع الشيعية والصحفيين والكتاب الموالين لإيران , حتى أصبح المتابع لقناة الجزيرة يشعر أن الرأي الآخر والذي يذّكر الناس بمذابح حزب الله تجاه السنة وعقيدة الشيعة الباطلة وتكفيرهم للمسلمين وتجويزهم القتل على الهوية السنية , وسبابهم لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم , ولعنهم لأمهات المؤمنين .. أصبح هذا الرأي كأنه نشاز !

سابعا : أعتقد أن كثيرين ممن كانوا يقدرون المجهودات الإعلامية الصحفية لمدير مكتب الجزيرة في لبنان غسان بن جدو التونسي الأصل ، الماروني الأم , الشيعي الزوجة والأصهار , هؤلاء الذين كانوا يقدرون دوره الإيجابي هم الآن في حيرة كبيرة تجاه موقفة وحوارته وإستضافاته وتعليقاته وإيماءاته بل وملابسه ذاتها , التي تصب كلها في مصلحة الترويج للاتجاه الشيعي , وقبيح بنا أن نظن بهذا الإعلامي المثقف أنه جاهل بتاريخ الحركة الشيعية في لبنان وموقفها من السنة والحركة الشيعة في العراق وإبادة السنة , وإنه يجهل معنى تسيس الخبر وتوجيه التعليق والاستفادة من اللقاءات الإعلامية عبر كوكبة من المراسلين النشطين الذين قد اختيروا بدقة لأداء الدور المراد لهم ..

ثامنا : تساؤل حول تعظيم الجزيرة للدور الإيراني في فلسطين لكسب ود الشعوب الإسلامية السنية وتصوير إيران إنها المدافع الأول والممول الأكبر لحركة المقاومة في فلسطين حتى جاء في تقرير للقناة أن أغلبية اللبنانيين هم شيعة تبلغ نسبتهم 35% مقابل 25% من السنة و35% من المسحيين و5% من الدورز وقد أعلنت القناة هذه الإحصائية والتي قد زادها رئيس تحرير القدس العربي في لقاء عبر الجزيرة بقوله إن الشيعة يمثلون 40% من الشعب اللبناني المجاور لفلسطين !! وهم في ذلك يخالفون كل الوثائق والإحصاءات المؤسساتية والرسمية وتقارير التنمية البشرية القائلة بأكثرية السنة في لبنان وليس أدل على ذلك من الأكثرية التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة ، حاولت الجزيرة أن تصور هذا الموقف الإيراني كداعم أول للقضية الفلسطينية وأن موقف حزب ا لله في تلك الحرب هو دعم كبير لموقف حماس , وحاولت أن تستشهد بلقاء مع الدكتور رمضان شلح قائد حركة الجهاد في فلسطين , وقد صرح خالد مشعل تصريحا واضحا بقوله إن حرب لبنان قد أضرت بقضيتنا في فلسطين وصارت كغطاء لمقتل المئات من الفلسطينين , كما شكى خالد مشعل وكثير من قادة حماس من التغطية الإعلامية المتحيزة التي اهتمت بحزب الله وهمشت قضية المسجد الأقصى والمرابطين حوله , في حين أهملت الجزيرة الخبر القائل بنفي إيران إرسالها لمبلغ 50 مليون دولاركانت قد وعدت بها للحكومة الفلسطينية ..وكأنها تتبرأ من منقصة !!

وفي الختام أرجو أن يكون لتلك التساؤلات إجابات شافية لدى المسئولين في قناة الجزيرة القطرية لئلا تعظم تلك التساؤلات في نفوس الشعوب المسلمة , فيأتي يوم قريب تفقد فيه الجزيرة مشاهديها , وتصبح برامجها في عين الشعوب الإسلامية برامج [ فيديو كليب ] ينتشر فيه العويل والصراخ والنزاع والنعيق ليلهو بمتابعتها كل مغيب عن الحقائق مهمش عن التفاعل مع الواقع وهذا مالا نرجو الجزيرة أن تصل إليه .


في الثلاثاء 22 أغسطس-آب 2006 06:00:33 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=437