المؤتمر الشعبي والحوثيون
مصطفى أحمد النعمان
مصطفى أحمد النعمان
 

لم أكن يوما من المنتمين للمؤتمر الشعبي العام ولا غيره من التنظيمات السياسية، ولم يكن ذلك رفضا للعمل الحزبي العلني ولا تعاليا عليه، ولكني كنت وما زلت مقتنعا أن الوعي الشعبي ليس مستعدا للتعامل معه، إذ يدرك أن القيادات القائمة تستغله لأغراض شخصية بعيدة كل البعد عن مطالب الناس واحتياجاتهم، ولا يعكس الواقع المعاش البائس، وتحول إلى ما يشبه العمل البيروقراطي فلا ينشط إلا في مواسم الانتخابات المتقطعة، وأضحى يسير في اتجاه السعي للحصول على وظائف لمنتسبيه وغنائم تتوزعها قياداته العتيقة.

التمعن في أغلب الكيانات الحاضرة حاليا يبرهن أن الأحزاب الأكثر حضورا في المشهد تعكس في منشوراتها الحزبية نظريات غير يمنية تتراوح بين مؤمنة بالاشتراكية (روسية وصينية) والبعثية (سورية وعراقية) والناصرية (مصرية وقذافية) وإخوان مسلمين، وظلت قياداتها غير قادرة على توطين الفكر القادم من الخارج بسبب الكسل الذهني الذي نتج عنه عدم القدرة على الابتكار، ولم يكن في الميدان حزب حاول الزعم بأنه يحمل فكرا يمنيا خالصا إلا المؤتمر الشعبي، معتبرا أنه وليد حوار وطني نتج عنه ما يعرف بـ(الميثاق الوطني) وهو خليط من أفكار الأحزاب الكبرى دون أن يكون فكرا سياسيا يمنيا مستقلا، وضم في صفوفه جميع التيارات السياسية النشطة إعلاميا، وبقي محتكرا للعمل السياسي إلى 22 مايو 1990 حين انفصلت عنه الأحزاب المعروفة وبقيت صفوفه حكرا لمن ظل معلنا الإيمان بوثيقة تأسيسه وكذا كل من أراد وظيفة عامة في المواقع العليا للدولة، وصار وسيلة مثلى للتسلق السريع في الهرم الإداري حتى لغير الذين ينتمون إليه فكرا، وكان مظلة لكل من أفسدوا الحياة السياسية والعمل الحكومي.

مع مرور الوقت ترهل المؤتمر الشعبي العام ولم يعد قادرا على التواصل مع الناس إلا عبر الوظيفة العامة والمال العام والعلاقات الاجتماعية والمناطقية، وتركز نشاطه في الدائرة المالية على وجه الخصوص، وأصبح الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو قطب الرحى فيه يديره مباشرة أو عبر الذين بقوا إلى جواره منذ تسلمه الحكم في يوليو 1978، ثم مستعينا بالذين فروا من أحزابهم التي نشأوا فيها ثم انقلبوا عليها بحثا عن الوجاهة والمال والاستمتاع بدفء السلطة ومتعتها، فتسارعت شيخوخته وبلغ حد الاكتفاء بنفوذ الحاكم وقوته في المجتمع.

لم يبلغ المؤتمر الشعبي الحد الذي يجعله قادرا على الحياة الطبيعية خارج حاضنة الرئيس وسيطرته، ولم تكن قوته في المجتمع ذات دفع ذاتي بل بوجود صالح رغم كل محاولات شقه بعد مارس 2016 والتي بذلت من أجله جهود وأموال كثيرة، وأجزم أن غيابه (صالح) سيحيله إلى كائن لا يضر ولا ينفع رغم مظاهر القدرة على الحشد الجماهيري التي لا أراها إلا رد فعل على ما يرتكبه (الحوثيون) من تجريف مستمر لكل من لا يسير على نهجهم وكل من يقاوم بدائية فكرهم السياسي وجهلهم المفرط في شؤون إدارة الدولة لنقص في التجربة وحرصهم على نفي الآخر المختلف منهجا، وتركيزهم على الإمساك بكل مفاصل الحكم ظنا منهم أنها ستحميهم من نقمة الناس وغضبهم، ولعدم تمييزهم بين التمسك بالدولة والإصرار على إعلاء المذهب، فعمدوا إلى إقصاء الكل وتثبيت كل من ينتمي إليهم مناطقيا وسلاليا مع التركيز على المرتبطين بهم أسريا، إذ يتصورون أنهم الأحق والأكفأ والأقدر على إدارة الشأن العام تحت مظلة ما يسمونه بـ(المسيرة القرآنية) وادعاء الحرص على الوطن وحمايته.

إن الساحة السياسية اليمنية صارت فضاء خاليا لا يتحرك فيها شمالا إلا (الحوثيون) ومقاومة خجولة من المؤتمر الشعبي العام في الداخل الذي انتزعت أنيابه وصار يعيش أحلك أيامه ولم يعد لرموزه التي خرجت من اليمن أي تأثير داخلي لغيابهم الطويل وترهلهم الذهني وانغماسهم في البحث عن وظائف لأسرهم وأقاربهم كما كانوا في الداخل فابتعدوا عن الفعل الإيجابي الواجب وصارت أغلب مهامهم مقتصرة على تأمين مستقبلهم الذاتي، متناسين أن العمل الوطني لا يتحقق بالمراسلة والبيانات والظهور الإعلامي وإنما بالتواجد إلى جوار قواعد حزبهم، كما أن الحديث بوجود مؤتمر في الداخل وآخر يعيش في الخارج ليس أكثر من لهث وراء الاحتماء بالسلطة واستغلالها، كأنما الأمر فرصة أخيرة للتكسب.

 
في الأحد 08 أكتوبر-تشرين الأول 2017 10:17:23 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=43206