شلة خذ ولا تعطي
رشاد الشرعبي
رشاد الشرعبي
في كل عام وخلال شهر رمضان وقبله بأسابيع تخوض أجهزة الدولة حملة مكثفة لإقناع المواطنين بوجوب دفع فريضة الزكاة, وتستند في ذلك للمشروعية الدينية إبتداءاً بالنص القرآني والحديث النبوي ومروراً بآراء واجتهادات الأئمة والفقهاء السابقين وإنتهاءاً بفتاوي علماء وخطباء الحاضر.

لا يقتصر الأمر على وسائل الإعلام الرسمية التي تفرد لذلك الصفحات والبرامج والفلاشات والمشاهد المسرحية والإعلانات والمقالات ومختلف الفنون الصحفية, ولا يقف الأمر عند خطباء المساجد والسلطات المحلية ومصلحة الواجبات, ولكن أيضاً الملصقات تصفع بإتقان على الجدران يتصدر مضمونها الآية الكريمة "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها".

لا إعتراض على الزكاة, فهي ركن من أركان الإسلام فرضه الخالق عز وجل لحكمة ليست فقط تزكية نفس المزكي وتطهيرها, ولكن كل ما من شأنه خلق التكافل الاجتماعي وإحداث التوازن بين شرائح المجتمع, حيث يساهم الأغنياء في كفالة الفقراء بصورة تبعدهم عن المن والأذى والرياء, وتمنع عن الفقير الإذلال, إلى جانب الإنفاق على المصارف الثمانية التي حددها القرآن الكريم بوضوح.

وأيضاً للفقراء حق في التداوي والتعليم والطرقات والكهرباء والماء وغيرها من خدمات يتوجب على الدولة توفيرها لهم من خلال إيرادات وثروات الوطن والشعب والزكاة والضرائب والجمارك وغيرها, إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك.

حيث ان السلطة الحاكمة تبذل كل جهودها المسنودة إلى الشرع والدستور والقانون ليلتزم المواطن بالأمر الإلهي "خذ من أموالهم.." وكذلك "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..", ولا تلزم نفسها بأي واجبات عليها فرضها الشرع بنصوص واضحة وصريحة في القرآن والسنة النبوية أو كفلتها التشريعات الدستور والقوانين المنبثقة عنه أوالمواثيق والعهود الدولية الملزمة.

وبدلاً عن ذلك, فقد عملت على التحايل على شرع الله وتشريعات البشر بوسائل وصور متنوعة, كـ(فُتات) الضمان الاجتماعي (2000 ريال للأسرة في الشهر), أو مؤسسات بإسم الحاكم تدعي أنها خيرية وتقدم (الفُتات) للفقراء, وهم غالبية الشعب, بإنتقائية مصحوبة بالمن والأذى والدعاية والترويج والرياء والإذلال والإهانة للفقير.

أيضاً, تحولت هذه المؤسسات إلى واجهة للحاكم يقدم نفسه من خلالها كفاعل خير, ليقم بالقليل جداً مما عليه من واجب يفترض أن يقدمه للمواطن كحق, وليس كصدقة ومكرمة, حتى أن معلومات تفيد أن أكثر من ثلثي الموازنة المخصصة لدعم الجمعيات من وزارة الشئون الإجتماعية والعمل تذهب لصالح مؤسسة واحدة فقط, وأقل من الثلث الباقي تتوزعها مئات الجمعيات الأخرى وخاصة الوهمية منها والموسمية التابعة لذات الشلة.

الفقير والتكافل الإجتماعي كان قصد الخالق الذي فرض الزكاة, لكنه ذلك الفقير صار محروماً من أي عائد للزكاة المدفوعة ولكل ثروات الوطن, وحرم من أغلب الحقوق التي كفلها له الشرع الرباني وتشريعات البشر, حتى صدقات وقروض الأجانب من دول ومنظمات لا تجد طريقها إليه, إلا بعد أن تقضمها (أسنان) الفساد والإستبداد.

لا يتوقف منه وأذاه – الحاكم- على المواطن بفجاجة وبجاحة من خلال الحديث عن مكرماته وإنجازاته كحاكم, وعن مايقدمه عبر مؤسساته الخيرية المزعومة كفاعل خير, رغم انه لا يزيد عن 5% مما يتم (شفطه) من حقوق خاصة بأكثر من 22 مليون مواطن, وهي إيرادات وإتاوات وثروات الوطن المختلفة (نفط, جمارك, ضرائب, زكاة, رسوم مختلفة ومتنوعة, قروض, مساعدات, صفقات).

على سبيل المثال, فالتعليم المجاني حق أوجبه ديننا الإسلامي وكفله الدستور اليمني والمواثيق الدولية, لكنه لم يعد يقدم مجاناً إلا بوضعيه رديئة لاتخلو من الإنفاق والإتاوات, وما يقدمه الآخرين من مساعدات وقروض يستفيد منها الفساد وأربابه, فلولا فاعلي الخير الأجانب ما صارت الرسوم المدرسية لبعض المراحل مجانية.

المواطن اليمني المسلم لا يحتاج إلى حملات تنفذها أجهزة السلطة وعلمائها لإقناعه بوجوب دفع الزكاة والإلتزام بما عليه من واجبات تجاه الدولة, فهو مستعد لذلك حالياً, وأيضاً يحتاج إلى وجود القدوة الحسنة والحاكم والموظف النزيه ويلمس ثمارها في واقع حياته.

المواطن ينتظر ان يكون مضمون الآية القرآنية "خذ" ليس في إتجاه واحد من المواطن إلى الدولة دون أن يعود ذلك بالنفع عليه بضمانه إجتماعياً وفي واقع حياته من خلال خدمات يكون تقديمها له بسهولة واجب على الحاكم ومؤسسات دولته وحصوله عليها بيسر حق له على ذلك الحاكم ومؤسسات الدولة.

• عيدكم مبارك ولا أتاكم شرهم

عيد مبارك للقراء الأعزاء وكافة أبناء شعبنا اليمني وأمتنا العربية والإسلامية وكل عام والجميع بخير وصحة وعافية وأمن وإستقرار.

وندعو الله ان يكون للجميع عيد خير وبركة, ولا تسد فرحتنا به جرع سعرية أو أزمات ديزل وغاز منزلي, أو كوارث مرورية أو مآسي تفجيرات إرهابية وحروب أهلية, أو فواجع و(نزقات) شلة الفساد والإستبداد والفشل الحاكمة, آمين يا أرحم الراحمين.

* Rashadali888@gmail.com


في الأحد 28 سبتمبر-أيلول 2008 04:07:14 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=4226