المشهد العظيم !!
محمد بن حمد آل شيبان
محمد بن حمد آل شيبان

لا يمكن فقط تصنيف تفجير مسجد المشهد بنجران على أنه عمل إرهابي قامت به فئة ضالة لأعتبارات فكرية منحرفة. ما حصل في "المشهد" هو أمتداد لأفرازات المعارك الأخلاقية الكونية العظيمة التي قامت على عقائد ومرتكزات وإيمان قطعي. ولها مؤيديها ومؤدلجيها ومنظريها وصناعها وعرابها. ما حصل في المشهد هو تطبيق عملي لرؤى عقدية ضاربة في الجذور ومتشابكة ولها أتساعها ووجودها في بعض الثوابت فيما يتعلق أما بفكرة الحاكمية أو الرؤية للمختلفين نهجاً وعقيدةً. ولهذا فالكفر بكيان الدولة ركن تعبدي مقابل مفهوم الخلافة المتوهمة كما تؤيده عقيدة الحاكمية، والكفر بالآخر المختلف هو أمر وجودي كما تؤيده عقيدة الولاء والبراء.

أن موجة الأرهاب الحالية هي أمتداد طبيعي لتاريخ أقصائي منحرف يمتد إلى يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. و للأرهاب ثلاث مرتكزات رئيسية أجندة وعقيدة وخطاب وما يحدث الآن من تحركات أمنية هو حرب على أجندات الأرهاب وأن كانت في الغالب ناجحة إلا أنها وحدها لا تكفي للقضاء عليه في ظل الدفق العقدي والخطاب التنظيري المؤصل للأرهاب. ولتقويض مرتكز عقيدة وفكر وأيدلوجيا الأرهاب نحتاج إلى أعادة بناء وتصحيح عقدي شامل وهذا بحد ذاته أمر شائك وحساس وفيه نسف أو ملامسة لبعض الثوابت. ولكن من يدري ربما يأتي اليوم الذي نصل فيه إلى مرحلة يأس من الاصلاح وبالتالي القفز فوق التاريخ وفتح صفحة عقدية وأيدلوجية جديدة لا تقوم على أين من تلك المرتكزات كما فعلت أوربا. أما بالنسبة للمرتكز الثالث وهو الخطاب التنظيري الذي يواكب الأرهاب فلا نكاد نلمس أي تحرك تجاهه كما هو حال التحركات الأمنية ضد أجندات الأرهاب. وعرابي هذا الخطاب ليس من الصعب التعرف عليهم فهم في كل مكان حولنا في الإعلام والمنابر والمساجد وقطاعات الدولة وحتى في بيوتنا. هؤلاء يصبحون "معتزلة" عندما تستهدف الدولة ومفاصلها ويصبحون "حروريون" عندما يستهدف غيرهم وهم "مرجئة" عند الحديث عن الدواعش. وللمتبصر أن يدرك أن بعض منفذي التفجيرات في الوطن كانوا في المهد عندما بدأت الموجة الحالية مع أحداث سبتمبر!! إذن أين الخلل! لماذا أتجه هؤلاء إلى الأرهاب والقتل والتفجير في ظل الملاحقات الأمنية والتعريات الفكرية؟ هل ثمة قصور أمني أو فكري؟ الجواب أن مولدات وحواضن الفكر الأرهابي قائمة و الخطاب التنظيري للأرهاب قائم بطرق مؤسسية ومنهجية. وليس بالضرورة أن يكون خطاب الأرهاب مباشراً فالداعشي يقول لك أنك كافر أما أمير القصيم فيقول أنك تعبد غير الله وفي المحصلة النتيجة واحدة وهي التكفير. والداعشي يقول لك أنه سيقيم خلافته على أشلاؤك أما المعيد في جامعة نجران فيقول لك أنه لا تعايش معك إلا بالإبادة وفي المحصلة النتيجة واحدة وهي أستباحة دمك. ومع هذا فأمير القصيم يذهب كل صباح ليجلس على كرسي الأمارة الرسمي ليفكر في ماذا سيكتب عن عقائد شركاء الوطن في الغد. ومعيد جامعة نجران يكافئه مسؤولي الجامعة بنقله إلى جامعة أخرى ليبدأ من هناك مرحلة جديدة من تسميم عقول الناشئة بأجندات الإبادة والأقصاء.

يحدثني التاريخ عن وطن لا يشبهنا ملامحة ليست ملامحنا، وطن لم أجده في تاريخ أمتنا ولا في مناهج التربية الوطنية. فيا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث ومؤتمر القمة الأسلامية بمكة 2005 يقر في بيانه الختامي ان هناك فقط ثمانية مذاهب اسلامية لا تتعارض مع اصول الدين وهل تعلم أنني لست من تلك المذاهب الأسلامية. يا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث والتغيير الديمغرافي لواقع مدينتي الوادعة تراه أينما يممت وجهك في أرجاءها، في الأراضي والمزارع والمحاكم والأدارات. يا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث وكل موتوري وتكفريي الخارج يستضافون في المنابر الدينية الرسمية ليرتلوا على مسمعي بيان تكفيري. يا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث ومقررات التعليم في مدارس الوطن تكفرني وتقصيني وأنا مطالب بدراستها وحفظها وتدريسها. يا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث وعضو لجنة المناصحة في وزارة الداخلية والتي تخرج منها مفجر "المشهد" يقول عن داعش أنهم أخواننا بغوا علينا أما الرافضة فليسوا منا!!. هل عرفت الآن لماذا يعود الأرهابي في الغالب أشد فتكاً بعد المناصحة. هل عرفت الأن حجم حزني على الوطن يا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث إن كنا نبني بيد ونهدم بالأخرى. ياسيدي التاريخ عن أي وطن تتحدث ونجران مدينة المؤمنين التي جاءها شتات الأرض عبر التاريخ وعاشوا في أرضها وتحت سماءها آمنين وفي نفس الوقت قلما تجد بقالة في بعض أحياءها التي آوتهم تبيع مياه نجران لأنه منتج رافضي بينما البعض منهم قد يشتري ويبيع مياه آيفيان الفرنسية بكل أريحية. يا سيدي التاريخ عن أي وطن نتحدث وشيخين في الثمانين هما الشهيدين العم "على آل مرضمة" و العم "سعيد آل مسعود" يحتضنان بسواعد منهكة وصدور عارية حزام مراهق فتي في العشرين أراد لنا الموت فأبوا وأرادوا لنا الحياة. يا سيدي التاريخ هل تعلم أن رائحة حرق عظام اجدادنا نشتمها كل صباح تهب علينا نسائمه من الأخدود. آيا سيدي التاريخ هل عرفت الآن معنى أن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.


في الأربعاء 28 أكتوبر-تشرين الأول 2015 10:41:46 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=41834