الحوثيون ... أكفان الموت
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل
رُويَ أن رجلا كان يعمل ( قَبَّار ) يحفر القبور ويدفن الموتى ، ثم بعد أن ينصرف الناس من المقبرة ، يعود القبار ليلًا لينبش القبور ويخرج الأموات ،ثم يعيدهم لقبورهم بعد أن يسرق الأكفان . ضجّ الناس بعد أن علموا بما يقوم به ( القبّار ) من عمل شيطاني مشين ، بعد أن وجدوه يبيع أكفان الميتين المسروقة في الأسواق ، وقرروا دعوته للمحاسبة والعقاب . في الموعد المحدد حضر القبار والناس جميعًا ، وسمع من كلمات التأنيب القاسية الكثير ، وفيما الناس ينتظرون منه كلمات الإعتذار والتوبة ، فاجئهم بالقول : إهدؤوا ولا تغضبوا فسيأتي عليكم زمن تذكروني فيه بحال غيرحال اليوم . مرت الأيام ومات القبار ، فورث إبنه عمله في حفر القبور ودفن الموتى ، ليكتشف الناس بعد زمن ، أن القبار الجديد يقوم بعمل شيطاني أخبث من عمل أبيه ، إذ كان يحفر القبور ليسرق الأكفان ثم يقوم بجمع عظام المقبرة ، ويدخلها ( دُبُر ) الأموات ، تاركًا جثثهم في العراء !!! صاح النّاس وصرخوا وقالوا : كان أبوه أهون منه في عمله ، لكنهم في كلا الحالتين رضوا بالمنكر واكتفوا بالضجيج والصراخ دون القيام بأي حل جذري ينهي المشكلة . هذه القصة بما فيها من عبر تصور المشهد اليمني وتنقل صور أحداثه بإختصار شديد ، فالقوى السياسية ( التقليدية ) ظلت طوال عقود تسرق الشعب اليمني وتمارس الفساد والخراب في البلاد ، والشعب يضج ويشتكي ، ثم أتى الحوثيون ليقوموا بممارسة أبشع وأشنع ، ليكتفي الشعب أيضًا بالصراخ والعويل والشجب والإستنكار . الحوثيون كميليشيا مسلحة ، لا يفهمون سوى لغة الحرب والقتال ، بعيدون تماما عن معرفة السياسة وأقل القليل عن معنى الدولة ، إتخذوا من الدين شعارًا غلفوه بالموت في ( صرختهم ) المميتة قولا لأمريكا وإسرائيل وفعلًا لليمنيين ، لذلك تجاوزت ممارساتهم كل ما يتعلق بالسياسة والدولة والمدنية وحق الإنسان في الحياة بفكره ورغبته ، ولعل المتتبع لحركة ما يسموه ( أنصار الله ) بعمق ومعرفة ، يفهم جيدًا أن الموت فقط ولا سواه ، مَثّل الناتج الوحيد والبارز لهذه الحركة من تاريخ نشأتها حتى اليوم . الحوثيون كانوا أحد ( ألغام ) المخلوع علي صالح ، فهو صاحب حقوق الإنتاج والتوزيع لحركتهم ، ثم بعد ذلك التحالف معهم بغية إستخدامهم كجسر مميت يعيده لسلطته التي خسرها بعد ثورة ٢٠١١م ، وكثيرًا ما تحدثنا في مواقع التواصل الإجتماعي عن الميليشيا الحوثية ، مؤكدين أن أعمالها ناتج طبيعي لما تملكه وتجيده في الحياة ، بسبب جهلها الشديد وعدم معرفتها بمعان السياسة والإقتصاد والدولة وشراكة الآخر وتعدد الإتجاهات السياسية والأفكار الدينية داخل المجتمع الواحد . تاريخيًا ، لا أعتقد أن أي ميليشيا في مختلف دول العالم بمراحله التاريخية ، نجحت في بناء دولة نظام وقانون ، فالمعلوم أن تلك الميلشيات تكون ناتج لبيئة الفوضى والفساد وإنعدام القانون وتفشي الجهل والتخلف ، وهي العوامل التي أدت لظهور الحركة في عهد المخلوع علي صالح ، كما أنها أيضًا تقوم بنشر القتل والمزيد من الفوضى والخراب ، وهي الممارسات التي صارت العنوان الأبرز للحوثة وميلشياتهم ، إذ أنهم في الأساس يحتكمون لقانونهم الخاص المتمثل في البندقية والقوة ويكفرون بكل القوانين الأخرى ، فعقولهم وأبدانهم لا تستوعب في الحياة سوى ما نشؤوا وتعودوا عليه . لا يمكن لمن يرفع شعار الموت حتى لعدوه ، أن يكون عامل إستقرار حياة حتى لأهله ، وهذا بالنص حال أنصار الله الحوثيين ، الذين صاروا كما يقول واقعهم ( أكفان موت ) لأنفسهم أولًا ثم لباقي أفراد الشعب اليمني ، فمنذ حروبهم الستة مع نظام المخلوع علي صالح قُتل منهم الآلاف وقتلوا الآلاف أيضًا ، دون أن يتوقفوا ليوم عن قتل أنفسهم وغيرهم ، وزادوا على ذلك بخلق ثقافة الكراهية والحقد وتمزيق النسيج الإجتماعي والوطني في اليمن ، عبر تبنيهم الطائفية والمذهبية كمحرك أساس في صراعهم مع الآخرين . عندما نقول أن أنصار الله -كما يسمون أنفسهم - ( أكفان موت ) فذلك وصف حقيقي لحركتهم ، فبلغة الأرقام يمكن الإستدلال على إنجازاتهم الشيطانية ، التي مست الوطن اليمني بضر عظيم ، فكم عدد القتلى في صفوف هذه الميليشيا وكم قتلت ؟ وكم عدد المنازل التي فجرتها ؟ وكم عدد المساجد ودور القرآن التي نسفتها ؟ وكم عدد المؤسسات والمعسكرات التي نهبتها ؟ وكم عدد المهجرين والنازحين بسبب ممارسات القوة والبندقية وفرض الفكر والمذهب الطائفي على الآخرين ؟ ثم وهذا هو الأهم كم عدد القتلى والجرحى والبيوت التي تدمرت في حرب الميليشيا الأخيرة على اليمن ؟ حتى اليوم يصرخ أنصار الله بصرختهم المضحكة ( الموت لأمريكا وإسرائيل ) لكنهم أيضًا يصرخون بصرخة أخرى عنوانها ( لا نبالي ) أمام كل الأحداث الجسام التي صبّوْها صبًّا على الوطن اليمني ، ونعتقد أن القيادة الحوثية تَخْلُوْا تماما من المفكرين السياسيين وأصحاب المعرفة بواقع المجتمع اليمني ، خاصةً بعد رحيل جدبان وشرف الدين والمتوكل رحمهم الله جميعًا ، ويمكن إستشفاف جهل وتخبط الحوثيين من خلال خطابات زعيمهم عبدالملك الحوثي ، طويلة الوقت عديمة الفائدة ، إذ يتحدث لساعات وبكلام مكرر دون جملة سياسية واضحة ، يفهم منها المتلقي والمتابع ما يريد الرجل وحركته ، لكنه يحرص على الظهور بأسلوب وحركات السيد / حسن نصر الله ، دون أن يفهم الفارق الجغرافي والجوهري بين حزب الله الموجود في لبنان لقتال إسرائيل ، وبين حركته الموجودة في صعدة لقتال اليمنيين . لم يكتف الحوثيون بقتل اليمنيين وتفجير منازلهم ومساجدهم ومؤسساتهم ، فليت أن الأمر توقف عند هذا الحد ، لكنهم خلقوا فتنة مذهبية حارقة ندفع ويلاتها وسندفع زمنًا طويلًا ، عندما فجروا النسيج الإجتماعي اليمني بقنبلة ( الطائفية ) ومدوا أياديهم لإيران التي تخلت عنهم في أول إختبار حقيقي ، وعملهم هذا دليل على إفلاس عميق أوضح جهلهم بالتاريخ والحاضر وإستهتارهم بالمستقبل ، ولو لم يكن كذلك لما أدخلوا البلاد في محنة عظيمة عبر تهديد أمن وإستقرار الجزيرة ، من خلال فكرهم المرفوض أولًا ، ثم بتصرفاتهم الحمقاء الواردة في تهديدات زعيمهم للسعودية ، ومناورات ميليشياته على الحدود ، معتقدين بيقين أن ( جيش الكبسة ) كما وصفوه مجرد لواء عسكري في عمران سينسحب أمامهم بتوجيهات حليفهم المخلوع علي صالح ، ليكتشفوا بعد ذلك أن مغامراتهم الطائشة المكسوة بالحماقة والغباء أوردتهم ووطنهم موارد القصف والحصار . أكفان الموت الحوثية تملأ البلاد عرضًا وطولًا ، والقادم أسوأ على ما يبدوا ، فزعيمهم في آخر خطاب له دعى للتجنيد ودعم المجهود الحربي ، وفريقه المراهق سياسيًا عاد بخفي ( ذكرى العراسي ) من جنيف ، بعد أن أفشل الرغبات في إخراج البلاد من دوامة الإقتتال ، والواضح أن الغرور المبني على الجهل يدفع بالحوثيين نحو إستمرار مغامراتهم التي إنهار بسببها الوطن اليمني ، يقودهم لذلك وهم إنتصارهم المصنوع ( دوليًا ) عند مرورهم من دماج ووصولهم لأبواب عدن في زمن قياسي ، بعد حصار الحكومة والرئيس ، ليسقطوا حسب إعتقادي في ( فخ مخابراتي ) من الطراز الرفيع دون أن يشعروا بذلك . لقد تم إستخدام الحوثيين للقضاء على السلفيين وتحجيم دور الإصلاح ، برغبة إقليمية دولية واضحة ، لذلك تم تشجيع المخلوع على التحالف معهم ، وسمح له العالم بمدهم بالسلاح والعتاد ، ثم بعد نضوج الفخ ، أتى قرار تدمير أسلحة الحوثيين والمخلوع بإجماع إقليمي دولي ، دون أن ينتبه الحوثة وحليفهم حتى اليوم بوقوعهم في فخ لعبة مخابرات ، ساهمت على ما يبدوا في تهريب عبدربه منصور بعد حصاره ، ليكون الحوثة ( أكفان موت ) ليس على مستوى الداخل فحسب ، لحظة إستخدامهم من قبل المخلوع كواجهة تعيده للسلطة بتهديد أمن الخليج ، لعل الخليجيون يمدون أياديهم له ليتخلص من الحوثيين ، بل صاروا أيضًا ( أكفان موت ) لدول إستخدمتهم دون أن يشعروا لتحقيق أهدافها الخفية في البلاد . مجددًا أستدعي لغة الأرقام لأضعها بين يدي الحوثيين قبل غيرهم ، فكم مدرسة شيّدوا وكم مبنى أقاموا ، وكم أسرة أعالوا ، وكم مريض وجريح عالجوا ؟ والأهم من ذلك هل كانوا عامل إستقرار وأمن في البلاد أم لا ؟ إجمالي الأرقام يقود لصفر على الشمال ، مؤكدًا أن الإنتاج الإيجابي للحوثة معدوم ، لكنه في جانبه السلبي مرتفع جدًا لدرجة تجاوزه الخط الأحمر بكثير ، ولعلي هنا سأختم مقالي بالتأكيد على موت الأمل في أي تطور عقلي وإنساني وسياسي لدى ( أكفان الموت ) ، وإيماني العميق بأنهم كارثة أصابتنا بسوء أعمالنا ، وما إستخدامهم الأطفال في حروبهم العبثية ضد ما يسموه داعش والقاعدة ( الشعب اليمني ) لدليل دامغ على أنهم أداة قتل للحاضر والمستقبل ، مهما تفننوا في تزيين صورة حركتهم المصبوغة بالدماء والقائمة على إزهاق الأرواح .
في الجمعة 24 يوليو-تموز 2015 10:31:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=41624