مصادر الطاقة المتاحة في البلاد
د.فيصل الحذيفي
د.فيصل الحذيفي

تظل مشكلة الكهرباء في اليمن مزمنة مع أنها ليست معضلة ولا عويصة، فالكهرباء سلعة يدفع الناس ثمنها كأي سلعة ويستطيع أي تاجر تزويد الناس بها كأي سلعة تخضع للجودة والمنافسة. ومصادرها متوفرة محليا مع الاستعانة بالشركات الدولية المصنعة لمحطات التوليد وفقا لنوع الطاقة المستعملة.

ومع أن استمرار انطفائها موجع للناس، يعطل مصالحهم ويقلق راحتهم، فلم نجد على امتداد ثمانية عشر بعد قيام الوحدة المباركة التفات جاد إلى معالجة المشكلة التي لم تعد قائمة حتى في الدول الأكثر تخلفا منا . أما لماذا التهوين واستسهال الحل، لأن المعضلة الحقيقية هي في غياب مشروع الحل والإدارة والكادر المتخصص، ونحن هنا بصدد استعراض الموضوع من زاويتين: ( التعرف على مصادر الطاقة المتاحة في البلاد ولماذا لم يتم استغلالها ؟ أولا ) والتعرف على مكامن الخل لتلمس الخطى قدما بدلا من المراوحة والتراجع – ثانيا).

أولا: مصادر الطاقة المتاحة في البلاد اليمنية

بالنظر إلى موارد الطاقة المتاحة في اليمن نستطيع أن نستدعي الحلول الملائمة والمناسبة لسد الاحتياجات منها، وفي بلادنا يمكننا توليد الكهرباء من مصادر متعددة للطاقة وهي متوفرة لدينا : مشتقات البترول، والغاز المسيل، والطاقة الهوائية ، والطاقة الشمسية ، والحمم الجوفية ، وسنبين ذلك تباعا.

1- الطاقة الكهربائية المولدة من مشتقات البترول (ديزل ، مازوت) وهي الطاقة المستعملة حاليا، وقد ثبت أنها غير قادرة على سد الاحتياج بسبب كلفتها العالية وكلفة المحطات وقدمها وعدم صيانتها وتجديدها على النحو المطلوب، وعدم جدواها الاقتصادي مقارنة بالبدائل الأخرى للطاقة.

2- الطاقة الكهربائية المولدة من الغاز وهي متاحة ورخيصة ونظيفة. وقد أعلنت الحكومة الشروع بانجاز مشروع توليد الكهرباء من الغاز المسيل، وهو القرار الأكثر ايجابية، كان المنتظر منها أن تسرع بانجاز المشروع دون الالتفات إلى مشاريع ثانوية.

3- الطاقة الكهربائية المولدة من الهواء عبر نشر المراوح الهوائية الخاصة ( = التوربينات) في توليد وتخزين الطاقة المجانية والنظيفة والآمنة وهي مناسبة في الكلفة علما بأن الرياح متوفرة على امتداد العام في كل مناطق اليمن في السهول والجبال والقادرة أن تضيء اليمن بكل احتياجاته ولو بشكل مشاريع مجزأة وصغيرة. والألمان هم سباقون في نشر هذه التقنية على النطاق العالمي.

4- الطاقة الكهربائية المولدة من الشمس عبر الألواح الشمسية ( = خلايا الطاقة ) وهي ممكنة جدا ونظيفة وإن كان ثمنها مرتفع نسبيا ، وفي هذا الصدد لدينا والحمد لله فائض من الشمس. وبالإمكان أن تفتح الحكومة باب الاستثمار بانجاز مشاريع محلية بالتعاقد مع شركات دولية متخصصة في هذا المجال في صناعة وإنتاج الخلايا الشمسية محليا بأحجامها المتعددة حسب الطلب والمستلزمات المكملة لها، وفتح تخصصات علمية في الجامعات اليمنية وما يمكنه أن يساهم في تشغيل الشباب المتخصص والمتخرج من الجامعات.

وعاجلا يمكن للحكومة أن تسهل استيرادها وإعفاءها من الجمارك حتى يكون شراءها ممكنا ومتاحا لكل الشرائح وبمقدورها أن تعوض هكذا خطوة آنيا عجز الحكومة من تزويد الريف وضواحي المدن بالكهرباء العمومية مؤقتا وقد بدأت هذه الخلايا الشمسية بالانتشار بشكل ملحوظ ولكن خارج إطار أي خطة حكومية أو التشجيع عليه أو الإشراف على الاستيراد النوعي للمستلزمات المستخدمة في إنتاج الكهرباء من هذه التقنية ، علما بأن السعودية بدأت تصنيع هذه الألواح الشمسية منذ عقدين من الزمن.

5- توليد الكهرباء من الطاقة البخارية الناتجة من حرارة الأرض الجوفية المتوفرة باليمن على شكل حمامات طبيعية وهي طاقة رخيصة وآمنة ونظيفة تستغل الحرارة المنبعثة من الأرض في توليد الطاقة ولم تكتشف بعد المواقع الجوفية لمثل هكذا مشروع وهي عديدة.

كما يمكن للدول العربية أن تدخل في مشاريع كبرى للطاقة واستحداث شبكة عربية تبدأ من استغلال فائض الطاقة المصرية المولدة من السد العالي وهي رخيصة وآمنة ونظيفة وممكنة أكثر من غيرها وهي قادرة على ربط المنطقة العربية كلها ، ولا أستطيع أن أفهم سر الاعتماد على الغير في هذه المشاريع الإستراتيجية والقفز على الإمكانات المادية المتاحة محليا وإهمالها.

ثانيا : التعرف على مكمن الخلل

1- غياب التفكير والتخطيط ( ففاقد الشئ لا يعطيه)

لقد اكتشفت اليمن الغاز بكميات كبيرة في العام 1986 ولم تطرح بشكل مبكر إمكانية انجاز الطاقة الكهربائية بالغاز المهدور والمباع على الشركات الأجنبية بأرخص الأثمان ، اليوم الحكومة مدعوة إلى استكمال مشروع الكهرباء بالغاز والتوقف عن بيعه، وبالتخطيط لانجاز بنية تحتية لتوصيل الغاز المُسيـَّل عبر الأنابيب إلى البيوت عوضا عن اسطوانات الغاز منتهية الصلاحية باعتبارها قنابل موقوتة للانفجار دون رقابة وتعريض الناس إلى الخطر، ومد أنابيب الغاز المسال سيكون أسهل وأوفر على المؤسسات والمصانع في عموم المدن والمراكز الحضرية في البلاد، والمضي قدما باستيراد السيارات والأدوات المنزلية التي تعمل بالغاز: من ثلاجات ومكيفات ومطابخ. هذا هو التفكير المنطقي وليس المبالغة في السعي قدما إلى البحث عن مشاريع سرابية وخاسرة وغير آمنة.

2-الانصراف إلى قرارات وبرامج ارتجالية ( النووي نموذجا)

يكفي الإشارة في هذا الجانب إلى المشروع الانتخابي الرئاسي في حل المشكلة عن طريق الطاقة النووية، وهي وإن كانت طاقة رخيصة لكنها خطيرة، لن يكون لليمن أي مساهمة فيها : بدءا من بناء المفاعل النووية مرورا باليورانيوم، والعقول البشرية المتخصصة، والكلفة العالية للمشروع ولو على حساب الغير، والقدرة مستقبلا على مواجهة الأضرار المحتملة والممكنة للمخلفات التي يمكن أن تحدث ضمن أي خطأ أو القدرة على التخلص من النفايات النووية عالية الكلفة، فمساهمة اليمن في هذا المجال يتمثل بدفع ثمن الكهرباء حسب المشروع المقترح مما يطرح تساؤلات حول الزمن المخصص لتنفيذ المشروع مع تزايد الطلب على الكهرباء واتساع الأزمة يوما بعد آخر وما مصير مشروع الكهرباء الغازي في ظل الانصراف إلى بديل نووي .

3- السلطة تحارب نفسها بنفسها : لا تدرك الحكومة أن الدعاية السياسية لن تصل إلى جمهور الريف اليمني المحروم من الكهرباء ومجموعهم 70% ومن يتمتع منهم فعليا بالكهرباء لا يزيد عن 30 %، وتوفير هذه الخدمة للناس سيدفعهم لمشاهدة التلفزيون اليمني ومتابعة أخبار الحكومة ومنجزاتها العظيمة والنفخ الفعال في الوطنية اليمنية عبر التلفزيون وإيصال برامجها ودعايتها للناس على مدار الساعة.

4- الفهم الخاطئ للوحدة اليمنية والإصلاح السياسي

إن السلطة دون وعي منها لا تركز على وحدة المجتمع بل على وحدة الجغرافيا ، ولذلك نجد أن الأخ الرئيس ينجر إلى مساجلات ضد بعض الشعب المسمى سياسيا وقانونيا – معارضة ، والخطاب السياسي الذي يصنعه الحزب الحاكم يجزئ الأمة إلى شعبين ، الشعب الشرعي وهو الذي يصوت للحزب الحاكم ويتبعه ويؤيده ويشيد به ، والقسم الآخر هم الشرذمة المنحرفة - الممانعة أو التابعة للمعارضة - والتي لا تستجيب لشروط خطابات السلطة وهم مجموعة الخونة والفاسدين والسرق والحاقدين والموتورين وأعداء الوطن والوحدة، والعملاء للخارج ...الخ وهم السبب فيما آلت إليه البلاد والعباد من تخلف وصراعات مقيته ( هذه أوصاف موثقة في خطابات رئيس الجمهورية).

إنني كمواطن أرغب أن يكون الأخ الرئيس صاحب الفخامة حفظه الله ورعاه أن يكون – حسب الدستور - رئيسا لجميع اليمنيين - الصالحين والطالحين ، الوطنيين والعملاء - وليس رئيسا لمن حوله أو لحزبه وقبائله وعسكره ، وبصفتنا مواطنين يمنيين نتطلع إلى إعادة فهم الوحدة اليمنية باعتبارها: أمة أولا وجغرافيا ثانيا ، لأن توحد الأمة يؤدي تلقائيا إلى وحدة الجغرافيا ، بينما قاموس الخطاب السياسي الرسمي يعني بالوحدة اليمنية جغرافيا أولا وأخيرا كما هي عقلية مصلحة أراضي وعقارات الدولة تنازع الناس ملكيتها للجغرافيا ولو كان لأصحابها وثائق ملكية، ومن هنا فإننا نضحي بالإنسان – المواطن لحساب الأرض - الجغرافيا.

5- نعطي الخبز لخبازه

وبهذه المناسبة وفي موضوع الكهرباء ماذا لو لجأت الحكومة إلى تسليم مؤسسة الكهرباء إلى شركات خاصة محلية وعالمية عبر مناقصات عامة معلن عنها في وسائل الإعلام المحلية والدولية، لخدمة الإنسان وليس الجغرافيا، لقد أثبتت الحكومة طول هذه المدة فشلها وتجريب المجرب هو المزيد من الفشل. وهذا الخيار يقتضي الشفافية والمصداقية وليس بيع المال العام وحقوقه.

 نعتمد في هذه الفكرة على أساس أن الكهرباء سلعة تشترى كما أي سلعة ويدفع المواطن ثمنها عبر كروت في محلات توزيع كالبقالات والبريد ومحلات الاتصال هذا هو نظام العدادات الالكترونية، إن العداد الحالي والشبكة الحالية وقارئ العداد والمؤسسة العامة للكهرباء والوزارة المثقلة كلها ينبغي أن تتغير برمتها ليتغير معها سلوك المستفيدين، فبقاء ذلك على ما هو عليه يؤدي حتما إلى الفساد والفشل. وفي غياب القانون والعدالة نصبح كلنا ( مجتمعيا) فاسدون بالإكراه الخاطئ، كلُّ وما تطال يده. لأن السلطة بزعامة القائد الفذ هي من تخلق الوعي الاجتماعي وليس العكس ونحن لا نشك في ذلك، صحيح أن المجتمع يمكن أن يخلق سلطته ولكن ذلك يتم عندما يصبح الشعب هو صاحب السلطة وصانع القرار، عندما يستطيع تغيير الرئيس والحكومة والمحافظين ... الخ . وفي وضعنا الحالي لسنا قادرين على تغيير مدير مدرسة ولا مدير قسم شرطة ولا موظف صغير فاح فساده .... الخ. وبالتالي فإن التغيير الاجتماعي يكون من السلطة بالتعليم وإشاعة الوعي وتعزيز سلطة القانون.

إن قيادة الرأي العام على الأقل تعلم قبل غيرها أن ثمة جهاز مركزي للرقابة والمحاسبة ، وأخيرا تم تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد ، ولا يوجد قانون يتيح للمحاكم محاكمة الفاسدين ، ومهمة الجهازين المذكورين هو رفع التقارير إلى الأخ الرئيس ومجلس النواب. هل باستطاعتنا تشكيل محكمة دستورية عليا لا يستطيع الرئيس عزل قضاتها وهم يستطيعون عزله هذه هي اختصاصات المحكمة في الدول المتقدمة وكذلك الدول التي كانت متخلفة ( تركيا والهند وباكستان) أين هذه المحكمة المختصة في الفصل في دستورية القوانين ومحاكمة أصحاب المناصب العليا؟ إننا في نهاية المطاف ماضون نحو ديمقراطية فعلية وان كان أوانها مؤجل إلى حين استيفاء الشروط الموضوعية.

إن دعوة القطاع الخاص إلى الاستثمار في مشاريع الكهرباء وإعفاءهم من أي ضرائب أو مكوس للخزينة مؤقتا حتى يتم حل المشكلة من طرف الحكومة يستدعي السماح لأكثر من شركة متخصصة تعمل في هذا المجال محلية أو أجنبية، ولكل سلطة محلية حرية التعاقد مع شركات ماليزية هولندية أو أي شركة عالمية لتوليد الطاقة الكهربائية باعتماد معيار الجودة وخفض الكلفة وهي مشكلة حلها أيسر مما نعتقد ، فلنعتبر بالسودان – أو غيرها - الدولة التي كانت الكهرباء تنطفئ فيها أكثر مما تضيء، لنطلع على تجارب الآخرين ولنختار من هذه التجارب الأكثر ربحية والأكثر جدوى والأسرع انجازا. إن من لا يسددون الفواتير من كبار المسؤولين والمشايخ والنافذين يجعلنا نفكر بتغيير نظام العدادات من النظام التقليدي عبر الإنسان القارئ إلى القارئ الالكتروني مثلما هو الرصيد في الهاتف المفوتر أو مسبق الدفع .

6- ضرورة الإصلاح السياسي المتواتر

في الأخير للتذكير فقط : إن الكهرباء في اليمن بدأت تنطفئ منذ ثمانية عشر عاما متواصلا وخلال هذه الفترة ونحن نسمع وعودا سنوية بالقضاء على العجز,هناك خطأ محصور بغياب التخطيط والإدارة الفاشلة لمؤسسة الكهرباء وسوء القرار الفني وليس أكثر.

إن جذور الفساد متشعبة تبدأ من التواطئ بين وزارة النفط المزودة للمازوت وبين المؤسسة العامة للكهرباء ، ولا نجد تفسيرا مقنعا لارتفاع مديونية الكهرباء للجهات المزودة لها بالمشتقات النفطية ، وما كشفت عنه الهيئة العلياء لمكافحة الفساد في محطة عمران ليس ببعيد .

فهل نستطيع إقناع الناس بأننا قادرين على حل مشاكلهم بمصداقية ولو لمرة واحدة ، ففي العام 2005 بدأ تنفيذ مشروع الكهرباء بالغاز على أن يبدأ العمل الفعلي بها في العام 2008 ، وقد كنت متفائلا بنجاح الاختيار وصوابية القرار ولا زلت، لقد أوشكنا أن نودع العام 2008 ولا أثر لما تم الإعلان عنه ، لقد تآكلت مصداقية الخطاب الحكومي إلى الدرجة التي تثير نقمة الناس وتزيد من سخطهم ، وبالمقابل نجد عدم الرضا الحكومي والسياسي من الناقدين للإخفاقات المزرية.

نناشد الأخ الرئيس حفظه الله والأخ رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة والبطانة المستدامة، أوفوا بوعودكم وسدوا احتياجات المجتمع وأنا أضمن لكم أن يخرج الناس عن بكرة أبيهم بما في ذلك اللقاء المشترك بتجديد البيعة الدائمة لحكمكم الرشيد ، كيف تريدون من هذا المواطن أن يصفق للمنجزات ويغني : والتعليم والصحة والطرقات والجوع والفقر والمرض والفساد وتراجع الأخلاق وموت الضمائر والطفولة والمرأة والقضاء والإدارة والسلوك الفردي والمجتمعي........... كل ذلك من سيئ إلى أسوأ . أعطونا مرفقا حكوميا واحدا متميزا يرضى عنه المواطن لكي نشكركم، إن الخطاب السياسي بدلا من أن يكون أداة دعائية فاشلة يمكن أن يصبح خطابا برامجيا يحظى بمصداقية عالية، وبدلا من أن يقتنع صانع الخطاب بما يقول ويتحمـس له باعتباره منجزا، عليه أن يفترض أن الجمهور المستهدف في الخطاب لديه عقل، وأنه يمارس التفكير - ولو بطريقة بدائية. فهل لتلك المضامين الخطابية حينها من أثر ايجابي أم العكس؟.


في الإثنين 08 سبتمبر-أيلول 2008 01:38:00 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=4138