بين قصيدتين 3-3
د.عبدالمنعم الشيباني
د.عبدالمنعم الشيباني

موضوعنا التحليلي( بين قصيدتين) طويلٌ ويحتاج ألف حلقةٍ لإلقاء الضوء على كل قصيدتين متماثلتين أو متقاطعتين أو متناصتين ونحتاج ألف زربة قاتٍ شاميٍ وألف سهرةٍ لدراسة المتماثل والمتعارض لدى الشعراء. أكتب هذه الحلقة وغيرها من الحلقات التي سلفت في الهند تحت تأثير علةٍ قديمةٍ اسمها ( التحسس) بفعل تأثير جو مدينة ميسور الهندية في الجنوب ، هيجت أشجان علةٍ قديمةٍ وربما أن ( نفايات بلاستيكية ) للشاعر عبد العزيز علوان ضا عفت من هذه العلة القديمة، صديقي المرض في ولاية كا رنا تكا في الجنوب : تنكا بلاد النامس.

الشاعر عبد العزيز علوان شاعر يمني حداثي وحسبه حداثةً أنه عزعزيٌ ( يسقط الصرور من السماء)،كتب علوان ( نفايات بلاستيكية) في يوم الأحد 29 يونيو 2008. وتكمن شاعرية العلواني في قصيدة البلاستيك في عبارة واحدة : التهويل والتضخيم لأمرٍ حقيرٍ هو( النفايات البلاستيكية).تصوروا هذه المادة الحقيرة (البلاستيك) شغلت الرؤساء والملوك وأرباب البنوك والشركات وصار البلاستيك جزءاً لا بد منه في حياتنا ويتبعنا حتى مماتنا إلى المقبرة. الملوك والرؤساء خدمٌ للبلاستيك الحقير، والحكومات بسلطاتها السياسية والإعلامية والتنفيذية كلها تعمل من أجل عظمة البلاستيك وازدهار نفاياته. حقاً لقد غدا البلاستيك بنفاياته الكريهة فوق الملوك والحكومات والسلطات والهيئات والمؤسسات.

لا أريد أن أخوض في معانٍ أبعد للقصيدة، فللقصيدة قراءةٌ أخرى، ولكن دعونا لظاهرها وتحليل معانيها القريبة ومراميها البينة على السطح .يغزونا البلاستيك في كل جانبٍ من جوانب حياتنا حيثما نحل ونرتحل، في السوق و المسجد و المشفى والمدرسة والحقل والشاطئ وهو معنا يلا حقنا في كل مكان ويستوطن أجمل الأمكنة ليعكر علينا كل شيء، فياله من ( صديقٍ سركٍ) لا يستحيي ويالها من نفاياتٍ كريهةٍ تستوطن مؤسساتنا ومقرات حكوماتنا وأحزابنا وأسواقنا وحدائقنا وشواطئنا.

التقنية المستعملة لابن علوان التكرار : ومن أغراض التكرار التأكيد على قوة الشيء أو مرتبته العليا في الأهمية ، ومن أغراضه السخرية المبطنة. إستعمل الشاعر كلمة البلاستيك ( 12 مرة)، فهل قصد الشاعر أنه يولي ( فخامة البلاستيك ) كل هذا الإحترام ؟ أم هو يسخر كيف استعبدنا البلاستيك في حياتنا وهو الأحقر والأضعف هذا الإفراز البترولي المنتن ؟؟. كم يدعي الناس الحضارة والقوة والمجد السياسي والتجاري وهم أعجز من أن يدفعوا عن أنفسهم هذا الإفراز الكيميائي يستعبدهم و يوظفهم لخدمته وهم أرباب الحضارة: ( إنظروا ماذا يفعل البلاستيك؟)، لقد صار ( السيد بلاستيك) هو المتحكم برؤوس الحضارة وهو السيد وهم له خدم.ٌ

البلاستيك

يحضى بدعم الشركات/الملوك/الرؤساء/البنوك

يوجه خطته نحو مايقتضيه النظام الذي تهيم به

بلاستيكية العولمه

البلاستيك

يشن الهجوم على السوق

على بائعي القات

الفواكه والخضروات

يحكم السيطره

البلاستيك

يوقع إستراتيجيةحلف مع وحداتىالقتال

التى لاتقاتل الاّ اخضرار انقاء في الهواء والشجر

البلاستيك

يعززموقعه بالسلطات الثلاث

يقيم علاقة ود حميم

حميم

مع كل حزب وظل

البلاستيك

يشيد

بحسن جوار القمامات

  النقابات

الإتحادات

والحافلات

البلاستيك

نحو المساجد

نحو المقابر

نحو المخابز

يحث الخطى

وصوب السجون

الشواطئ

المشافي

النائيات القرى

  يزحف كا لسلحفاه

البلاستيك

يمشط كل الفصول المدارس

ويحكم قبضته على الجدب في ساحة الجامعات

البلاستيك

يحضى بحب الجماهير

يرشح في الإنتخاب

يفوز يفوز بكل إنتخاب

البلاستيك يؤدي اليمين

فيعفو

 إذا صفعت وجه رؤيته في شارع القصر

 عن الأحذيه

ويصفح لو مرغت زهو الوانه في ساحة

الإحتفال

  عن الأرجل الحافيه

البلاستيك

يشن الهجوم الأخير

ويستوطن الحقل والنبع

  النوم في البيت

  ولأرصفه

البلاستيك

في بلدي السعيدة والطيبه

سيصبح في أمم التلوث أمين أماناتها

  الدائمه.

لو أعدنا قراءة القصيدة لوجدنا أن الشاعر قد خلع على البلاستيك الجماد كل صفات القوة والسطوة من خلال استعماله أفعال القدرة والتمكين مثل :-

" يوجه خطته "

" يشن الهجوم "

" يحكم السيطرة "

" يعزز موقعه "

" يحكم قبضته "

وغيرها من أفعال التمكين التي تحمل ( سخريةً مبطنةً ) من بني البشر وأدعياء حضارة اليوم عبيد البلاستيك.

الشاعر عبد الحكيم الفقيه شا عر يمني آخر كتب قصيدته ( النقود إلهٌ حقود) بتأريخ 25 -8-2008، استعمل كلمة النقود( 38 مرة) لنفس الغرض البلاغي في قصيدة البلاستيك. النقود إلهٌ يتحكم بمصائر الناس وبالعلاقات فيما بينهم ، نقرأ القصيدة كما قرأنا قصيدة النفايات ، تتشابه القصيدتان بالتقنية ويلتقيان باستعمال التكرار .

النقود إله حقود

النقود وقود الشياطين

ما غرس الشر في الطين

ما اختط من وجع في العلاقات

ماشتت الناس كالعهن،

إثم الوجود،

صدى النار،

مقبرة الحب،

شوك البساتين،

دود الحياة،

غبار النعوش،

نقوش على جسد الرعب،

عرش على الجمر،

أسلحة وجنود يذودون كي يفلح الموت في المترسة

النقود إله

حقود

تبارك بالزيف والبطش والغطرسة

***

النقود عقود الوباء،

سماد الغباء،

سراج الضغينة،

سجن المدينة

مانعة وسدود

وحشرجة اللحظة الهامسة

النقود دم ومهود،

لظى وورود،

ووحش حسود،

ووزر تكدس في الكون

سر التطاحن والأبلسة

النقود اصطدام عنيف

تفجر في كتب المدرسة

النقود تهندس دائرة الجور في علبة الهندسة

وتسوس،

تسوس،

تسوس كما تشتهي العملة السائسة

***

النقود نبي كذوب

أطال التشهد في الركعة السادسة

النقود سيول على كوكب الأرض

تحرق بستنة اليابسة

والنقود عيون الأفاعي

تظل على كنزها سامة حارسة

كأن هنالك نفس

الذي هاهنا

فهنا بلد لا يجيد الحروب

أمات الشمال

وأردى الجنوب

وحول أحلامه غصة

وأطال الشحوب

تزعمه ملك الموت غصبا

وهشم جسر المحبة

هد القلوب

أطال البقاء على عرشه

قاتل جاحد لن يتوب

يميل من الغنج كالأغصن المايسة

النقود ابتكار الجباة

النقود احتكار الحياة

النقود دواة السيوف

النقود إطار الظروف

مساء هي الصبح في أعين المرجفين

ولون يزخرف حقدا دفين

لها انكسرت شوكة الآدمية

وانهمرت دمعة المقلة الحابسة

النقود غبار من الزيف تسطو على الأعين

الناعسة

***

النقود اختراع الردى

كومة من بهيم بوجه

المدى

شارة

عطل في تروس البقاء

سماء ملوثة بالانين

رنين الفقاعات

زيت العويل

النقود ضحايا تموت بغاب الوجود

النقود طريق تخيف ومفترسة

النقود اختراع الغياهب

ظل على القاع يلتهم الكائنات

سنون الجنون

هراء البلاغة

فاقعة لونها في البنوك

صكوك التسلق

ما ذرف الفقراء على الأرض

مأذنة الظلم

قاموس جيب الملوك

"عشاء المسيح الأخير"

وصمت الدقائق والهلوسة

النقود انفصال البرية عن بعضها

واتصال الأنامل بالنرجسة

***

النقود فضاء ملغم

أورمة في ذراع الرياح

حياة ملفقة

عقرب في الجيوب

دم الصخر

مملكة لا حدود

لها

سورة في كتاب الملوك

إذن

وإذا

ولماذا

وماذا

وأجوبة طامسة

يشتري ويبيع الزمان

ويبقى المكان على رسله الطبقي قيودا

على معصم النشوة البائسة

النقود جنان من الوهم

يدخلها الأغنياء

ومن تحتها يركض النهر من مهجة الأمم اليائسة

النقود أساس البلى

ويح من أسسه

والنقود انفراج الأسارير في الأوجه العابسة

عسعس الليل

والصبح أنفاسه قارسة

النقود حذاء الرياح

طلاء الهوادج

رؤى لن ترى

سراج اليقين المسيج بالشك

فلسفة الجهلاء

طحين النهارات

كانت وتبقى هي المهجة الدامسة

قفزت فوق سور التأنسن

صارت لغات

وصارت هي

الشفة النابسة

النقود حدائق زائفة

وبلاستيك من سوسن وأقاح

النقود وميض الجراح

وراح الذهاب إلى الغي

خربشة في جدار الصباح

وقار البطاح

النقود زواج البحار من الرملة العانسة

النقود خسوف

النقود كسوف

النقود وقوف الحداد على الجثة الجالسة

***

النقود تباعد بين الورى

وتذيق العيون السهاد

وتلغي الكرى

والنقود اخضرار الثرى

والركام المكدس

من كدسه؟

والنقود أساس الوبال

فمن أسسه؟

ويح هذا الزمان المرقع بالبنكنوت

وويح النقود التي تجعل السفح تلا

وويح الكواليس والكولسة

***

النقود نقيض الحياة

رديف الممات

عدو

المحبة

يا للذهول

لقد صمت الحب

من أخرسه؟

النقود بياض ملطخة بالملوك

فمن عبأ الوهم

من قرطسه؟

النقود ملائكة الضيم

ماء السراب

رداء الزجاج

رنين الحجارة

ما أخذ الوقت من عرق الناس

باء الوباء

ولام الظلام

وسيدة تشبه الآنسة

النقود سلاح الجبان

عزاء العصافير

شمس المقابر

مهر تضيع على الفارسة

النقود طريق التوحش والوسوسة

النقود الدبيب

الأنين الذي يتعالى

الوجود المرمم بالكلمات

شوشرة التقنيات

العطور مزيفة في القوارير

نار من الثلج

نافورة الخوف

كون رحيب من الذل والتيه والهلوسة

*شاعر يمني وباحث في الأدب الإنجليزي

Abdulmonim2004@yahoo.com


في الخميس 04 سبتمبر-أيلول 2008 04:26:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=4130