الطلاق السياسي بين السلطة والمعارضة والخيارات المتاحة
دكتور/نضال سيف الدين
دكتور/نضال سيف الدين

مأرب برس – خاص

لقد تجلى بوضوح إصرار الحزب الحاكم ( المؤتمر الشعبي العام )المضي قدما على الاستحواذ السياسي بالبلاد والعباد إلى النهاية غير عابئ بمطالب القوى السياسية أو الشركاء في الوطن مما يجعل السياسة في اليمن لا تتعدى سن الطفولة حتى إلى المراهقة. ولن يجد المتتبع للشأن السياسي اليمني عناء في تفسير المواقف السياسية التي لا تخرج عن ثلاث اتجاهات:

الموقف الأول : يمثله الحزب الحاكم وهو لفيف من المصالح الفردية والقوى النافذة المصطنعة، ويتلخص هذا الموقف في القاعدة الذهبية لسياسة معاوية: ليقولوا ما يشاءون وس أفعل ما أشاء ، فالحزب الحاكم يستطيع فعل ما يشاء دون حاجة لأحد ، وما يجريه من حوارات سياسية طرشاء هي عيث سياسي وديكور ديمقراطي لمزيد من الحماية المجتمعية محليا لعدم انكشاف الغطاء السياسي إقليميا ودوليا .

الموقف الثاني : تمثله أحزاب المعارضة التي تتصف ببنية تنظيمية هشة وفقر مادي وهذا يسبب لها انفصاما مزمنا في البناء الهيكلي حيث تندفع القواعد نحو الاختيار الصلب والمتشدد لأنها متضررة بقسوة بالغة ، بينما تتخذ القيادات خيار الجمع بين مغانم ابتزاز السلطة في أجندة هي وحدها مع الرئيس الصالح يعلمونها وقيادة جمهور المعارضة للاحتماء بها من غدر معاوية .

لذلك فنحن هنا نفرق بين معارضة فعلية تقودها شخصيات آثرت المواجهة بالنضال السلمي وارتياد السجن على الرهانات الخاسرة مع السلطة، وقد أفضت قلة من القيادات المجتمعية الميدانية بمضامين خطابها اللامحدود دون تحفظ. يمثل هذا التيار المعارض قيادة الحراك الجنوبي الميدانيين والكتاب والصحفيين الشجعان والمبدعين ( باعوم والغريب والخيواني وفهد القرني وآخرون كثر نموذجا) المجال هنا لا يتسع لذكرهم ، ففي مطلع التسعينات كانت السلطة تقلق وتفزع من مقالات أربعة كتاب فقط ( عبد الحبيب سالم ، عبد الرحيم محسن ، أبو بكر وعبد العزيز السقاف) ولم تكن تعلم أن جيلا جديدا من الشباب سيولد ويتكاثر بقوة ومن الجنسين.

الموقف الثالث : المتربصون : وهم المتحينون للفرص والمقتنصون لها بمهارة، فتارة يدخلون في تحالف مع السلطة وتارة يخرجون عليها شاهرين السلاح ( الشباب المؤمن والحركة الحوثية نموذجا ) وغيرهم آخرون لا يزالون يتحينون ( أحزاب السلطة 12).

وهذا الاقتناص والتحين رهين بوضع الحزب الحاكم وسياساته : فإن ظل الحزب قويا متماسكا ومنافعه لهم مضمونة فإن الهجرة الوفيرة ستكون من المعارضة إلى الحزب الحاكم ، وإن ضعف وترهل كما هو حال حزب مشرف في باكستان فإن الهجرة السياسية لا شك ستتصاعد من الحزب الحاكم إلى المعارضة ( صقر الوجيه ، عبد الوهاب محمود وأبو راس نماذج) وآخرون لا يزالون متحينون.

السؤال الذي يطرح نفسه على المعارضة ( اللقاء المشترك ) ما الذي ستتخذه من خطوات حصيفة وجادة تضعف موقف الحزب الحاكم ليزيد من رصيد الهجرة السياسية منه إليها ؟ وفك إسار السلطة والمجتمع من مخالب الحزب المحتكر للبلاد والعباد والحاضر والمستقبل .

الموقف الأولي : هو إعلان مقاطعة الانتخابات ومحاولة نسف شرعيتها مجتمعيا ودوليا ، وهذا الموقف وحده لا يكفي وإن كان جزء ا من الخطة ، فالمعارضة بحاجة إلى وجودها في البرلمان والمؤسسات السياسية في مقابل أن الاستمرار في المشاركة السياسية كما يريد المؤتمر وبشروطه هي سم زعاف سيأتي على حياة المعارضة السياسية برمتها مما ستنعكس كارثيا على ما تبقى من رمق حياة للمجتمع.

المطلوب سياسيا وبذكاء: اتخاذ الخطوات التالية:

1- اعلان المقاطعة السياسية للانتخابات ولكن بالتزامن مع إشعال النضال السلمي الشامل على مستوى الوطن اليمني برمته ( دون الانزواء في منطقة بعينها ) وطرح مطالب المجتمع المشروعة والملحة ليسمع صداها في المجتمع المحلي والدولي مما يثقل كاهل الحزب الحاكم المحتمي بقوة الرئيس العسكرية والقبلية والمال العام ، وهو لا شك عاجز عن تلبيتها لكثرتها:( الفقر الغلاء ، البطالة، التعليم ، الصحة، الكهرباء ، الأجور ، الشفافية ، البناء المؤسسي للدولة ، تغيير قانون الانتخابات، التداول الفعلي للسلطة....الخ) والإصرار على عدم تعديل الدستور منعا لتصفير العداد، هذا الموقف سيمكن المعارضة من كشف الغطاء عن سياسات الحزب الحاكم الخاطئة ومجابهتها بقوة عبر النضال السلمي.

2- عدم الوقوف أمام أعضاء المشترك البارزين من جيل الشباب التقدم إلى الانتخابات بصفتهم مستقلين واختراق الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة ضمانا للحصول على نسبة ( 10- 30 %) في البرلمان تستطيع أن تزكي وفق الدستور الحالي ترشيح شخصيات مدنية للمنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وتمارس الرقابة ضد التمرير الخاطئ للقوانين، والضغط على الحكومة وأعضائها منفردين عبر الاستجواب والسؤال والكشف عن المخالفات،وتزويد الرأي العام بالمعلومات، هذا الموقف سيمكن المستقلين الموالين للمعارضة من تحقيق رغبتها كما لو كانت هي في ذات المواقع ولكنها غير مسؤولة عن تصرفاتهم ومواقفهم باعتبارهم كتلة من المستقلين يمثلون أنفسهم ويدافعون عن الأمة التي يمثلونها. فمثلما تصنع السلطة معارضة موالية فلتصنع المعارضة لنفسها برلمانيين وسياسيين موالين .

3- استعداد قادة المعارضة ( اللقاء المشترك) الالتحام مع الجماهير والنزول إلى الشارع والاستعداد للسجون إذا اقتضى الأمر، ومقاضاة السلطة السياسية بالمحاكم الدولية لكل تعسف حاصل فمزيد من الاعتقالات ضد النضال السلمي يعني دخول السلطة في مواجهة مع المجتمع المحلي والدولي. فدخول قادة المعارضة التاريخ يبدأ من دخولهم السجون كمناضلين وطنيين. 

4- في نهاية المطاف لا بد للصراع السلمي من نهاية وهذه النهاية هي الحوار الجاد والمسؤول : ولكن الدخول في حوار مع السلطة يجب أن يكون على أساس بناء الوطن وصون حقوق الأمة، وليس الحفاظ على مكتسبات الأشخاص والقوى النافذة والمستفيدين حولها ، بمعنى تأجيل التعديل الدستوري إلى ما بعد انتهاء فتر الرئيس الأخيرة حتى يتم استبداله برئيس مدني وفقا للدستور، وعند ذلك على الرئيس المدني أن يكلف هيئة تأسيسية من المختصين بصياغة عقد اجتماعي جديد للوطن ولمستقبل الأمة يراعى فيه عدم التعديل المستمر وإنما الإضافة الدستورية لكل طارئ ومستجد ، وتغير قانون الانتخابات وفق القائمة النسبية ضمانا لمشاركة أوسع للأفراد وعدم التحايل على النتائج عبر الأغلبية النسبية الوهمية، والتحول في النظام الإداري والمالي إلى حكم محلي كامل الصلاحيات، وتحديد واضح للاختصاصات بين السلطة المحلية والسلطة المركزية.

وفي المقابل : ما هي خيارات الحزب الحاكم إزاء هذه الخطوات ؟

يقوم الحكم في اليمن على أربع رافعات :

رافعة الرئيس : شخصية الزعيم الفذ ، فحضوره السياسي في السلطة على امتداد ثلاثين عاما جعلت منه صاحب الكلمة الفصل في أي قرار فهو القوة ونواة القوة فوق الدستور والقانون فوق الدولة ....الخ ، فالكل يحافظ عليه حرصا منهم على مصالحهم وليس حبا فيه وهذه حقيقة للأسف لا يحب الرئيس أن يقتنع بها. عندما فضل التحيز لهم بدلا من الشعب .

رافعة العسكر الرئاسي : إذ لا وجود لعسكر الوطن، فالجيش بجميع أفراده محكوم بأجندة حماية سلطة الرئيس بمقابل حمايته لهم وإطلاق أيديهم في المال العام ( التموين العسكري ، المؤسسة الاقتصادية ، الأسماء الوهمية التابعة للقيادات العسكرية ، وبيع السلاح ، والإشراف على التهريب ، ونهب الأراضي، وابتزاز الرأس المال الاستثماري، وتكثيف النقاط العسكرية بين المدن للابتزاز المجتمعي) وإلا كيف نفسر مقتل آلاف من العسكريين في معارك صعدة بقرارات رئاسية وليس للشعب عبر ممثليه أي رأي. كم من القادة العسكريين اعترضوا على القرارات الخاطئة لخمسة حروب دمرت البلاد والعباد؟ إذا فهناك فرق كبير بين جيش الوطن ، وعسكر الرئيس .

رافعة القبيلة السنحانية : فأفراد أسرة الأحمر السنحانية من أبناء وأخوة وأعمام وأخوال وأصهار وتجار ، وسماسرة ، وبلاطجة ، وقوادين سياسين ومن يليهم من الأجيال الجدد على امتداد ثلاثين عاما جميعهم أشخاص يسمعون ويطيعون ويحمون الرئيس وينهبون ويعيثون في الأرض فسادا سواء كانوا من رواد المساجد أو الحانات والمواخير فكلهم في خدمة الزعيم الرئيس الصالح المشير صاحب الفخامة الذي لم تنجب مثله الأمهات والشعب اليمني محسود من جميع شعوب الأرض على هذا الرئيس الفذ لهذا الشعب واللافتات المعلقة في جميع المحافظات والشوارع : هنيئا لشعب أنت قائده تجسد بكل وقاحة هذه الشخصنة المفرطة للسلطة إلى ما فوق الملكية، وليس فوقها سوى الألوهية.

الرافعة الرابعة : هي الشرعنة الدستورية للاستيلاء على السلطة والدولة والمال العام التي جميعها يمتلكها أيضا الرئيس الصالح. والحزب الحاكم – بالمناسبة - إنما هو لفيف موظفي الدولة والمنتفعين ولا يعول عليه كقوة سياسية ستنفرط عقده مع زوال الرئيس. فهو حزب لم يستطع أن يختار أمينه العام، ولم تستطع كتلته البرلمانية اختيار رئيس البرلمان. فهو ليس قوة ولا يعول عليه .

إذا بعد استعراض هذه الرافعات ماذا يحتاج رئيس الحزب الحاكم من المجتمع فهو من يملك جميع أدوات القوة والسيادة بما في ذالك الأرواح؟

ليتذكر الرئيس الصالح فقط مآل صدام حسين ( رحمه الله) وحزب البعث ، ليتذكر قوة هتلر وموسيليني ، إذا فلا قوة دائمة ولا بقاء دائم إذا لم تراعى سنن البقاء ، لنذكر أن الحزب الحاكم في الدنمارك وبعض الدول الأسكندنافية ظل أربعين سنة بخيارات شعبية وعندما اقتنع الناس بتغيره أوصلوا حزبا آخر، إن سر بقاءه هو القدرة على الانجاز الحقيقي حين يدرك الناس أنه الخيار الأفضل ولا بديل للناس عنه ، ولا يستطيع اليوم المجتمع التركي الاستغناء عن حزب العدالة والتنمية فذهاب هذا الحزب - برأي المحللين السياسيين داخليا وخارجيا - سيشكل كارثة على الأمة التركية حاليا. وهذا ما أدركه قضاة المحكمة العليا ، فهل تستطيع المحكمة اليمنية محاكمة فاسد مؤتمر شعبي صغير ؟

إذا باستطاعة : الرئيس أن يدخل التاريخ بتسليم الحقوق إلى أهلها وهي السلطة ، فالشعب هو صاحب السلطة ( مادة دستورية) بينما هو الآن وحده شخصيا من يملكها ويحتكرها ويعبث بها وسيسلمها إلى من ليس أهلا لها من بعده أحمد بعد التدخل السماوي بالموت .

إن التعويل اليوم على قدرة الرئيس في الإصلاح السياسي هو آمل بائس لا يرجى منه فإنسان ظل في السلطة ثلاثين عاما أفسد البلاد والعباد أفــــ يرجى الصلاح على يديه ؟ مثله مثل الإمام في القدرة والمآل، ففاقد الشيئ لا يعطيه. بينما قضى الخليفة عمر بن عبد العزيز على فساد بني أمية وما أدراك ما بني أمية خلال عام واحد. أفلا تتدبرون.


في الثلاثاء 19 أغسطس-آب 2008 09:16:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=4078