وأد الطفولة في اليمن .. جريمة العصر
علي العقيلي
علي العقيلي
  كان عرب الجاهلية قبل الإسلام يقومون بوأد بناتهم الصغيرات بدفنهن أحياء في أبشع صور الإجرام والتوحش، لا تقوى قلوب الحيوانات المفترسة أن تفعل ذلك بصغارها، بل تموت من أجل حياة صغارها .

اليوم نلاحظ بأن هناك المئات من الآباء أو الآلاف في اليمن يكررون نفس الإجرام بحق أطفالهم الصغار بنين وبنات، والنصيب الأكبر من ذلك الوأد للبنين .

وأد الطفولة في اليمن لا يتم بدفن الطفل وهو حي بطريقة مباشرة على يد الأب كما كانت تفعل عرب الجاهلية بالإناث من المواليد، ولكن يتم عندما يقوم الأب بتحميل ابنه الصغير مسئولية نفسه، أو مسئولية أخرى كتجنيده في صفوف الجماعات المسلّحة أو الجيش، سواء بدافع من الأب أو بترك الطفل على هواه، أما وأد بعض الآباء لبناتهم الصغيرات فيتم وأد طفولتهن بالزواج المبكر وتحميلهن مسئولية بيوت .

في الحادث المأساوي الذي شهده ميدان التحرير بصنعاء الخميس الماضي، كان من بين الضحايا أطفال تم تجنيدهم بشكل منظم في المسيرة، حيث أظهرت الصور والفيديوهات للحادث جثث أطفال ملقاة على الأرض وعلى جباههم صور عبد الملك الحوثي، ولا يعني بذلك أننا نبرر استهدافهم بل نستنكر وندين بشدة ذلك الحادث، فهو جريمة وتجنيد الأطفال جريمة وهذا يعد من أبرز أنواع وأد الطفولة في اليمن .

لا مبرر لمجزرة التحرير، ولا مبرر لتجنيد الأطفال في المسيرات وإقحامهم في التظاهرات كيف ما كانت وضد من كانت ومع من كانت، ولا تجوز مشاركة الأطفال في الأعمال والأنشطة السياسية أو حتى الثورية، من حقّهم أن يتمتعوا بطفولتهم دون منغّص، وبناء الأوطان ليس من واجبهم، ولا تبنى الأوطان على كاهل الأطفال .

الكل مسئول عما حدث .. من يقف وراء التفجير مسئول، ومن جنّد الأطفال مسئول عن تجنيدهم، والآباء مسئولين عن مشاركة ابنائهم، بعدم المحافظة عليهم وتركهم يذهبون في غير مجالهم، وحرمانهم من حقهم في الطفولة من لعب وتدريس .

ليست هذه هي الحادثة الوحيدة التي يسقط فيها أطفال، بل هناك عشرات الأحداث في اليمن من تفجيرات إلى غارات إلى مواجهات مسلحة يسقط فيها أطفال، وكثيراً ما يذكر لنا شهود عيان عن مشاهدة عشرات الجثث في أعقاب مواجهة مسلحة دارت كما حدث في عمران وأرحب والجوف وصعدة من قبل وصنعاء مؤخراً، كما يتحدث كثيراً عن ذلك منظمات حقوقية وإنسانية تقدم إحصائيات بالأرقام عما يتعرض له الأطفال في اليمن من تجنيد وقتل وما إلى ذلك من انتهاكات .

في هذه المرحلة انتشرت وبكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأطفال يحملون السلاح، وأخرى لجثث أطفال، ما يشير إلى تفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال، وإقحامهم في الصراعات المسلحة، وهذا عدوان كبير على الأطفال وانتهاك لحقوق الطفولة .

هكذا يتم وأد الطفولة في اليمن .. وعلى يد الآباء، لأنهم المسئول الأول عن ضياع أبنائهم والتحاقهم بالجماعات المسلحة، فكيف إذا كانوا هم من يدفعهم إلى الالتحاق بالجماعات المسلحة، أو حتى الأحزاب السياسية، أو دفعهم للمشاركة في الأعمال السياسية، سواء كانت مظاهرات أو إعتصامات أو مسيرات أو أي انشطة سياسية؟؟ لا يجوز بتاتاً إقحام الأطفال في أي عمل أو نشاط سياسي حتى وإن كان في نظر الأب عمل أو نشاط ثوري أو شعبي .

من يقوم بتجنيد الأطفال وتنظيمهم في صفوفه العسكرية أو السياسية، هو مسئول ايضاً عن وأد طفولتهم، وهذا انتهاك صارخ لحقوقهم بحرمانه لهم من طفولتهم وحياتهم البسيطة، وهذا ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية التي جاءت ترعى الحقوق وتحافظ عليها، ونظمت الحياة الاجتماعية .

الآباء بإهمالهم لأطفالهم وتقصيرهم يقتلون أطفالهم بأيديهم، فالأب الذي لا يسأل عن ابنه ولا يتابعه ولا يهتم بتدريسه ورعياته والحفاظ عليه من أصدقاء السوء هذا بمثابة قتله لطفله ووأده .

والأب الذي يخشى الفقر فيدفع ابنه إلى البحث عن عمل هو بذلك يقوم بقتله ووأد طفولته، والأب الذي يريد التدين أو الجهاد أو نصرة الحق كما يرى في نظره فيدفع ابنه إلى الالتحاق بجماعة مسلحة هو بذلك يقوم بقتل طفله ووأده، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلّم : " كلّكم راعِ وكلّكم مسئول عن رعيته ... وذكر : والأب راعِ في بيته ومسئول عن رعيته " . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم .

ما نشاهده اليوم من ضياع للطفولة في اليمن وانتهاك لحقوقها، مصدره تقصير الآباء بواجبهم تجاه أبنائهم من تربية وتعليم وتغذية .

يتقطع القلب ألماً عندما يرى أطفال اليمن خارج أسوار المدرسة .. وتتمزق نياط القلب عندما يراهم في غير أمكانهم الذي هو المدرسة والروضة والحديقة وفناء المنازل وأحضان الوالدين وبين الأهل ويراهم في المعسكرات وميادين القتال مدججين بالسلاح وملفوفين بأحزمة ومخازن الرصاص .

تشعر بالأسى والحسرة والانكسار عندما ترى أطفال اليمن تُصرف لهم البنادق ولا تُصرف لهم الأقلام .. وتُصرف لهم حزم الرصاص وحقائب الذخيرة، ولا تصرف لهم الحقائب المدرسية والكتب الدراسية .. ويمضون إلى خنادق وساحات الموت يحملون البنادق وحقائب الذخيرة رغم كبر حجمها وخشونتها، حيث لا تتناسب مع نعومة أظافرهم واجسامهم النحيلة، كونها مصممة للكبار فقط، ولا يمضون إلى المدرسة يحملون الحقائب المدرسية الجميلة، التي هي حقهم ومن حقهم الحصول عليها والمضي في مجالها إلى المدرسة .

لا دين .. لا ذمة .. لا عهد .. لكل من يرضى لأطفال اليمن الالتحاق بالجماعات المسلحة، ويرضى بحرمانهم الطفولة والتعليم، لا دين لا ذمة لا عهد لكل من يقوم بتجنيد أطفال اليمن، ويقحمهم في الصراعات المسلحة وينتهك حقوقهم، فهل يرضى هذا لأطفاله ؟؟ .

بل ستجد من يقوم بتجنيد أطفال اليمن ويستغل ظروف أهلهم ويستغل جهلهم، لا يرضى لأطفاله الابتعاد عنه والمشاركة بما يدعو إليه، بل ستجد أطفاله مدللون بين يديه، ينعمون في حدائق وقصور فاخرة، يتمتعون بكامل حقوقهم في المعاملة والتعليم والغذاء، ولا يمكن أن يرضى بإقحامهم أي معركة حتى ولو كانت مسيرات سلمية تحمل ورود الياسمين .

إذا كان أطفال اليمن كما نرى مليشيات مسلحة وأشلاء ممزقة، فما المستقبل الذي ننتظره ؟؟ وما هي الأجيال القادمة التي ننتظرها بفارغ الصبر للنهوض باليمن، وأطفال اليمن خارج أسوار المدرسة يحملون السلاح، وتتاجر بهم جماعات العنف المسلحة ؟؟ .

يحب ان يعود أطفال اليمن إلى المدرسة والروضة .. يجب أن يعودوا إلى الحديقة .. يجب أن يعودوا إلى بيوت أهلهم بين أخوتهم .. يجب أن يعودوا إلى أحضان أمهاتهم وآبائهم .. يجب ان يلمسوا الدفء والحنان من أمهاتهم والعطف من آبائهم .. يجب ان يعودوا إلى اللعب في فناء البيت .. يجب أن يعاودوا اللعب بين منازل الحي .. يجب أن تعود أصواتهم إلى مسامع أهل الحي .. يجب أن يزعجوا الجميع بصيحاتهم وضحكاتهم .. يجب أن يعودوا .. من حقّهم ذلك .


في الأحد 12 أكتوبر-تشرين الأول 2014 01:39:50 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=40456