كافحة الفساد في اليمن باقتلاع جذوره أم إزالة قشوره
عبدالرحمن علي الزبيب
عبدالرحمن علي الزبيب

بالرغم من اقرار الجميع في وطننا الحبيب بوجود الفساد في اليمن بشكل كبير وواسع الاان خطوات مواجهة ذلك الغول الكبير المتمثل في الفساد مازالت لم تلامس جذوره وفقط تلامس قشورة.

والمفترض لمكافحة الفساد ان يتم اقتلاع جذورة وليس ازالة قشورة فقط .

لكون الفساد من اهم اسباب تعطيل التنمية في اليمن بضياع موارد الدولة في مكامن الفساد بل وتصنيف اليمن من الدول الفاشلة.

وفي البداية نبدأ اولاً بتعريف الفساد :

تعريف الفساد:

بالرغم من ان اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة بموجب قرارها رقم 58/4 بتاريخ 13/اكتوبر 2003م لم تحدد تعريف واضح للفساد والذي اوضحت وجوب ان يكون مكافحة الفساد بعدة خطوات اهمها ( الوقاية -المكافحة - التوعية).

الاانه وبالرجوع الى تحديد المؤسسات الدولية لمفهوم الفساد نجد ان برنامج الامم المتحدة الانمائي ( UNDP ) في برنامجه حول الحكم والفساد الصادر في تقريره بتاريخ 13/نوفمبر 1998م نجد انه عرف الفساد بانه ( اساءة استعمال القوة العمومية او المنصب او السلطة للمنفعة الخاصة سواءً عن طريق الرشوة او الابتزاز او استغلال النفوذ او المحسوبية او الغش او تقديم اكراميات للتعجيل بالخدمات او عن طريق الاختلاس ورغم ان الفساد كثيراً مايعتبر جريمة يرتكبها خدام الدولة والموظفون العامون فانه يتفشى في القطاع الخاص )

كماان فقهاء القانون واللغة قاموا بتعريف الفساد عدة تعاريف لكن اوضح تلك التعاريف هو تعريف الدكتور / داوود خير الله استاذ القانون الدولي في جامعة جورج تاون الامريكية بان الفساد هو :.

(( خلل او عله يؤدي الى تلف تدريجي وانحراف عن الصلاح لكل جسم تطاله سواء كان الجسم مادياً او معنوياً ويحرفه عن القيام بالوظيفة التي من اجلها وجد))

وفي القواميس الفرنسية والانجليزية واستناداً للأصل اللاتيني لكلمة الفساد يوصف الفساد بانه (حالة تعفن -انحلال - انحراف - قبح تلف تدريجي - تدهور)

اما في اللغة العربية فقد عرفه الفيروز ابادي في القاموس المحيط ان الفساد هو ضد الصلاح .

ويضع علماء اللغه الفساد كمرادف للتخريب والتدمير.

وبالرغم من التطوير العالمي لمكافحة الفساد الاان وطننا الحبيب اليمن لم يساير ذلك التطوير بل وتراجع خطوات الى الخلف في مكافحة الفساد .

حيث قامت اليمن بالتوقيع بالموافقة مبكراً على اتفاقيةالامم المتحدة لمكافحة الفساد بتاريخ 11/12/2003م والمصادقة عليها في تاريخ 3/8/2005م بموجب القرار الجمهوري رقم47 لعام 2005م

الاان ذلك لم يكن وفقاً لمطالب شعبية وطنية بل كانت وفقاً لمطالبات عالمية ودولية وتم اشتراط ذلك من قبل المانحين اكثر من مرة ليتم التوقيع ثم المصادقة على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد مبكراً ويتم في عام 2005 اصدار قانون مكافحة الفساد والذي اعتراه بعض القصور .

ويتجلى ذلك في قانون مكافحة الفساد في تاريخ 25/ديسمبر 2006م برقم (36) لعام 2006م والذي حصر اختصاص القانون وهيئة مكافحة الفساد في الموظفين الحكوميين والاجهزة الحكومية والقطاع العام وتعامى واخرج القطاع الخاص من اختصاص الهيئة ونصوص قانون مكافحة الفساد اي انه اخرج نصف الفساد وهو الفساد في القطاع الخاص والذي اوضحت وحددت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ذلك في نص المادة (13) من الاتفاقية بعنوان القطاع الخاص والذي اوجبت على جميع الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد وتعزيز معايير محاسبة القطاع الخاص وفرض عقوبات فعالة ومناسبة ورادعة وفقط تم الاشارة الى القطاع الخاص فيما يخص اختلاس ممتلكات القطاع الخاص ولم يتم التطرق الى اليات شفافية حسابات وميزانية منشئات ومؤسسات القطاع الخاص ومتابعة اي فساد يعتريها .

وبالرغم من وضوح ذلك النص في اتفاقية مكافحة الفساد الاانه وبالرجوع الى قانون مكافحة الفساد في اليمن نجد انه عرف الفساد بانه (لفســاد : استغلال الوظيفة العامة للحصول على مصالح خاصة سواءً كان ذلك بمخالفة القانون أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة.)

وبذلك يكون قد قصر الفساد واختصاص القانون وهيئة مكافحة الفساد لموظفي الدولة والقطاع العام فقط دون القطاع الخاص بمايعتبر ذلك خروجاً لليمن عن اتفاقية مكافحة الفساد الذي صادقت عليها اليمن عام .

والذي يستوجب سرعة تعديل قانون مكافحة الفساد ليشمل القطاع الخاص.

ولايخفى على الجميع ما يعانيه وطننا الحبيب اليمن من مشكلة الفساد وتفشيها وهذا سبب تعطيل منظومة العمل في اليمن بجميع سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ودخول اليمن باكراً ضمن الدول المهددة بالانهيار.

وهذا مايستوجب دق ناقوس الخطر والتفاف الجميع لتحقيق هدف القضاء على الفساد في اليمن وانهاء وجوده لاعادة الاعتبار للدولة وكيانها المفترض فيه النزاهة والاخلاص .

وبالرغم من اتفاق الجميع في وطننا الحبيب في الحكم والمعارضة في السلطة والشعب بوجود فساد كبير سبب الى تعطيل الدولة واجهزتها واصابها بالشلل .

الاان الجميع يلقي بالمسئولية على الاخر ويتنصل من مسئوليته .

وهنا نؤكد ان الجميع يتحمل مسئولية الفساد ومسئول عن مكافحتة الجميع حكم ومعارضة سلطة وشعب الجميع .

واذا اردنا مكافحة الفساد والقضاء علية يجب ان يتم تشخيص اسبابه وليس مكافحة نتائجة .

وبشكل اوضح يجب ان يتم ازاله الفساد من جذورة وليس فقط ازالة قشورة.

فالفساد يشبه شجرة القات مهما خلعت وكسرت فروعها واوراقها واغصانها لن تموت تموت فقط اذا اقتلعت جذورها وكذلك الفساد لن يتم القضاء علية إلا باقتلاع جذور الفساد والمتمثلة في الآتي:

1- الميزانية العامة للدولة:

تعتبر الميزانية العامة للدولة باب كبير وجذر كبير من جذور الفساد الذي يستوجب اقتلاعها ولا نقصد هنا اقتلاع الميزانية العامة للدولة وإنما اقتلاع الفساد المعشش في أعماق الميزانية العامة للدولة وفي جميع مراحلها ابتداءً من إعداد الموازنة من قبل السلطة التنفيذية وصولاً الى إقرار واعتماد موازنة الدولة من قبل السلطة التشريعية وانتهاءً بالحساب الختامي للميزانية.

ويرجع أهم أسباب استمرار الفساد في الميزانية العامة للدولة لعدم شفافية الميزانية العامة للدولة والحساب الختامي لها وغياب المحاسبة والمسائلة حيث تتأخر السلطة التنفيذية كل عام عن تقديم حسابها الختامي للبرلمان والذي غالباً يكون الحساب الختامي مخالف للميزانية العامة للدولة المقر من البرلمان ويقوم البرلمان باصدار توصيات للحكومة للالتزام بها في الموازنة القادمة الاان الحكومة غالباً ماتضع تلك الملاحظات في سله المهملات وترفض انفاذها وبما يعمق من الفساد ويضعف من قوة الرقابة البرلمانية على الحكومة.

ولا نقصد فقط الأرقام الموجزة للميزانية العامة للدولة بل الأرقام التفصيلية وتعريف أدق كل ريال تم إيراده وكل ريال تم صرفه.

والذي يستوجب ان يتم نشر جميع تفاصيل الميزانية العامة للدولة والحساب الختامي لها إيرادا ومصروفات لجميع الجهات والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وإتاحة ذلك للعامة بشفافية وببساطة وإلغاء أي استثناء فالفساد يستوطن الاستثناءات .

2- الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وجميع الاجهزة الرسمية للمحاسبات والرقابة الادارية والقضائية:

تعتبر الاجهزة الرقابية الرسمية من اهم جذور الفساد الذي يستوجب اقتلاعها واعادة بناءها بناء صحيح ابتداءً بتشريع قانوني صحيح يعطي لها الصلاحية والاستقلال الكامل لاعمالها ويفرض عليها الشفافية في اعمالها وتقاريرها.

لان بقاء الاجهزة الرقابية بوضعها الحالية كاجهزة بوليسية تصدر تقارير سرية يتم حبسها في دواليبها وادراجها يفرغها من هدف وجودها وهو مكافحة الفساد واصبحت بؤرة للفساد واداة لتحليل الفساد واخفاءه .

والمفترض ان يتم تطوير عمل الاجهزة الرقابية من اجهزة تجميع ملفات لكبار وصغار موظفي الدولة للضغط عليهم الى اجهزة رقابية شفافة تنشر تقاريرها بتفاصيلها الدقيقة للعامة وتعطي للجميع فرصة الاطلاع ونسخ جميع التقارير بتفاصيلها ووثائقها عبر موقعها الالكتروني او مكاتبها كما وتعزز من الرقابة المجتمعية لاعمال تلك الاجهزة الرقابية وبما يؤدي الى تصحيح اختلالتها .

3- الحصانه:

تعتبر الحصانه في جرائم الفساد اهم جذور الفساد الذي يستوجب اقتلاعها واستبدالها بمبدأ المحاسبة والمسئولية وعدم الهروب من المسؤلية لانه من اهم اسباب تفشي وانتشار الفساد هو الحصانه بانواعها الحصانه القضائية والبرلمانية وحصانه كبار شاغلي الوظائف العليا وكأن وطننا الحبيب لايكفيه الحصانات للفاسدين ليضاف اليها حصانات سياسية.

4- رواتب ومعاشات موظفي الدولة :

تعتبر مرتبات ومعاشات موظفي الدولة من اهم جذور الفساد في اليمن والذي يجب اقتلاعها واعادة النظر فيها باعتباره راتب ومعاش يحقق الحياة الكريمة للموظف وليس اهانته براتب شهري لايكفية لعشرة ايام ويجعل منه متسولاً ومديون طوال العام ويتم ذلك بقيام الجهات المختصة باعمال او الامتناع على القيام باعمال مخالفة للقانون تؤدي الى حرمان عدد كبير من موظفي الدولة سواءً العاملين في الخدمة او المتقاعدين من حقوقهم القانونية وبمايؤدي الى انخفاض رواتب موظفي الدولة ويعزز ذلك من امكانية سقوطهم في مستنقع الفساد ومن ذلك حرمان موظفي الدولة من العلاوات السنوية وعدم تنفيذها وفقاً للقانون وكذلك عدم تنفيذ المرحلة الثالثة من الاستراتيجية العامة للاجور والمرتبات في وقتها المحدد واعادة النظر في العلاوات السنوية لموظفي الدولة بما تتناسب مع مستوى المعيشة الذي تزداد غلاءً وترتفع باضعاف ولايتناسب مع علاوة سنوية لاتكفي قيمة نصف كيلو لحم .

بالاضافة الى معاناة الموظفين المتقاعدين من حرمانهم من حقوقهم القانونية في مرتب تقاعدي يحفظ للموظف كرامته ويرد للموظف اعتباره بعد انتهاء خدمتة وبعد ان افنى عمرة في خدمة الوطن لينصدم بمرتب تقاعدي لايكفيه لاسبوع بالرغم من انه من المفترض ان يرتفع المعاش التقاعدي للموظف بعد تقاعدة لمواجهة الاعباء الاضافية بسبب تقدم عمر الموظف وما يصاحب ذلك من امراض واحتياجات كبيرة يستوجب ان يكون ذلك في معاش ومرتب تقاعدي محترم يحفظ للموظف كرامتة بعد انتهاء خدمته.

ولايكون معالجة ذلك الاباعادة النظر في مرتبات ومعاشات الموظفين العاملين والمتقاعدين وبمايحقق لهم الحياه الكريمة ويحميهم من الوقوع في مستنقع الفساد والرشوة.

5- قانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا:

يعتبر هذا القانون من اهم جذور الفساد في اليمن والذي انقلب فيه المشرع على ابجديات الفطرة الانسانية الذي لازم المسئولية بالمسائلة فكلما زادت مسؤليات ومهام اي موظف ازدادت محاسبته فمن غير المعقول ان تستثني كبار شاغلي الوظائف العليا من المحاكمة الطبيعية لهم عند ارتكابهم جرائم فساد وتتوقف ملفات قضاياهم في اروقة المحاكم والنيابة العامة بسبب قانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا الذي اعطى حصانه كبيرة لكبار موظفي الدولة وغل يد القضاء في محاسبتهم .

وهذا مايتعارض مع جميع المباديء الدستورية واهمها مبدأ المساواة بين المواطنين باعتبار كبار وصغار موظفي الدولة مواطنين يمنيين وليس مواطني جمهوريات الموز.

وبالرغم من اقرار الجميع بعدم دستورية قانون مكافحة شاغلي الوظائف العليا الاانه لم يتم حتى الان القيام بعمل ايجابي تجاهه متمثل في الغاءه وافساح المجال لاجهزة القضاء الطبيعية لمحاسبة ومحاكمة الجميع كبار وصغار شاغلي وظائف الدولة دون استثناء .

فكماحدد فقهاء القانون ان الفساد نوعين الفساد الكبير وهو المرتبط بسلطة القرار السياسي اي ان الفساد من قبل اصحاب القرار السياسي يعتبر فساد كبير .

والنوع الثاني هو الفساد الصغير وهو الفساد المرتبط بتدبير الشان العام والذي يصدر من صغار موظفي الدولة واهمها الرشوة .

فمن غير المعقول ان يسائل صغار موظفي الدولة لفسادهم الصغير ويتم تحصين كبار موظفي الدولة لفسادهم الكبير.

6- خنق وتضييق حرية الصحافة:

يعتبر غياب الدور الاعلامي وقصورة في مكافحة الفساد بسبب الخوف من الاعتداء والمحاكمات يعتبر ذلك من اهم جذور الفساد الذي يستوجب اقتلاعه من جذورة باقتلاع جميع النصوص القانونية التي تقيد الصحفي من نشر اخبار الفساد واستبدال ذلك بالنص صراحة على حرية الاعلام وعدم المسائلة في اخبار الفساد لكي يفتح الباب بمصراعية لنشر اخبار الفساد في وسائل الاعلام دون خطوط حمراء حيث تعاني الصحافة وحرية الصحافة من محاولات حثيثة لخنقها وخاصة عند نشرها اخبار عن الفساد ويتم تعريض الصحفيين لاعتداءات ومحاكمات بسبب نشر اخبار فساد والذي يستوجب ان يتوقف ذلك وان يفسح المجال للصحافة ان تكتب بكامل حريتها عن الفساد وان يتم تحصينهم من اي ملاحقات فان كان الخبر عن الفساد صحيح وموثق فهذا يعتبر من اهم ادوار الاعلام في مكافحة الفساد وان لم يكن الخبر عن الفساد صحيح فيكتفى بنشر الرد في نفس الصحيفة ويغلق الموضوع ويتم تحصين الصحفي من اي مسائلة قانونية بسبب نشر خبر عن فساد فالصحفي هو مرآة صادقة للمجتمع مايشكوه ومايرجوه .

وفي الأخير :

آمل ان اكون قد اسقطت حجرة في بئر الفساد العميق ودقيت بذلك ناقوس الخطر المحدق بوطننا الحبيب بسبب الفساد واتمنى أن يتكاتف الجميع لاقتلاع الفساد من جذوره وليس فقط ازالة قشوره.


في السبت 06 سبتمبر-أيلول 2014 09:04:51 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=40297