إشكالية الشرعية في بلدان الربيع العربي.. اليمن نموذجاً
عبدالوهاب العمراني
عبدالوهاب العمراني

الشرعية وشرعية الحكم والحاكم ، كلمات تردد في الإعلام العربي واليمني على وجه الخصوص ، وهي في الجملة أحد المفاهيم الأساسية في علم السياسة في عصرنا الحالي ، وباعتبارها الرضا أو القبول العام للنظام السياسي كونها موافقة الشعب الخاضع لسلطة معينة على ممارسة هذه السلطة لمهامها في مقابل طاعتها وهنا يتشكل مبدأي القبول والطاعة كأساس لشرعية أي نظام ومهما تمتع النظام السياسي بالقوة والاستقرار ونفوذه في السلطة فانه دون رضا شعبي بدرجة مقبولة يعتبر قوة أو سلطة استبدادية من دون أي مسوغ ولذلك فان أي سلطة ومهما كانت قوتها ودرجة استبدادها بحاجة الى قبول وطني ورضا شعبي من كافة الشرائح الاجتماعية مع التركيز على الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيرا وفاعلية.

وتعددت أيضا تعاريف الشرعية لدى علماء الاجتماع والسياسة في معنى ومفهوم الشرعية السياسية وبرغم اختلاف المفاهيم والتعريفات إلا أنها تكاد أن تتفق على تعريف واحد وان اختلفت الكلمات والعبارات وكلمة مشروعية مرتبطة بمفاهيم الحق في استخدام القوة المقرون بالسلطة والنفوذ وتحظى بقبول الشعب فالسلطة تكون مشروعة إذا استعملها من عنده حق استعمالها وحازت على القبول الطوعي غير القسري لمواطنيه فقط عندئذ تصبح الحكومة شرعية

وتعرف الشرعية بأكثر من معنى ففي الفكر الإسلامي لها دلالاتها وتختلف حتى حسب المذاهب ، وكذلك في علم القانون والمجتمع ولكن ما يجمع اغلب هذه التعارف بأن الشرعية هي الشعور بالحق في الحكم بناء قبول أغلبية الأمة فبينما كان في الماضي بموجب المبايعة ، وحاليا من منظور الديمقراطية الحديثة عبر الانتخابات وما يفرزه الصندوق ونحو ذلك وكلما تعددت المصادر تعززت الشرعية

وحسب دساتير اغلب دول العالم فأن الشرعية مصدرها الشعب، هكذا هي المسألة ببساطة ، وعموما فالشرعية كلمة عريضة يسهل على الناس تفسيرها بحسب الأهواء، إلا أن الشرعية التي لا تحقق الغرض الرئيس وهو الحكم لصالح الشعب وليس لصالح البعض لا تكون شرعية أبدا الا بتوافق الجميع أو على الأقل الأغلبية .

ومن هنا أيضا فالشرعية تظل هاجس يلازم أي حاكم عبر غابر الأزمان لكونها القوة التي يستند إليها النظام ويستمد الشرعية الدولية أيضا وهذا يعتبر سيفا مسلطا ضد خصومة ، وفي المقابل فأن المعارضة قد تستند المعارضة في التشكيك بهذه الشرعية بينما في اليمن فأن خصوم النظام يبدون مبدئيا معارضتهم لبعض أجرأت الدولة فيكتفون بالمطالبة بإسقاط الحكومة والتي هي جزاء من الدولة ولا يعلم احد بالنيات حيث أنهم في حقيقة الأمر يهددون كيان الدولة ذاتها .

ومن بقراء التاريخ سيرى أنظمة استبدادية ولكنها شرعية فالحزب النازي الألماني بزعامة هتلر على سبيل المثال الذي تولى السلطة في بداية ثلاثينات القرن الماضي بموجب انتخابات حرة حقيقية ، وقد حظي بشعبية لان الأمة الألمانية وقتها كانت تعيش حالة غليان بعد هزيمتها في الحرب الأولى ولذا فقد كانت الذاكرة الألمانية الجمعية والضمير الألماني بركان حقد يغلي وقد وجد في طموحات هتلر ما يشفي غليله غير انه جلب الدمار ليس للدولة الألمانية فحسب بل وللعالم اجمع.!

وفي حال إسقاط كل هذه الثوابت النظرية على عدد من الأنظمة العربية ولاسيما تلك التي عصفت بها ما سُمى برياح الربيع العربي مثل ليبيا والعراق وسوريا ومصر وكذلك اليمن فالربيع العربي في نسخته اليمنية يعتبر حالة خاصة وفريدة في مألاتها فنظامها السياسي هو في واقع الأمر حالة (مُسخ) فلا هو بالجديد ولا حصل تغيير وذلك حسب التسوية الشهيرة التي عرفت بالمبادرة الخليجية فأنها بداهة تحمل بذور فنائها في طياتها واقرب دليل على ذلك ان الرئيس اليمني السابق الذي منح حصانة لم يكن يحلم بها اي دكتاتور عربي لازال يمارس السياسة وبصورة سلبية فهو لم يعد جزأ من الحل بل احد ابرز المعرقلين للعملية السياسية  ولطالما تغنى الرئيس السابق بالشرعية وأعلامه الرسمي يتشدق بها وبقيم الديمقراطية والجمهورية والوحدة ودولة النظام والقانون ، ولكن واقع الحال فقط كلمات تخرج من أفواههم ولا يقولون إلا كذبا ، غدت تلك العبارات مجرد قيم افتراضية يتغنى بها النظام الحاكم الجاثم على الشعب لثلث قرن ويحلم بها عامة الشعب ، فلو أسس دولة نظام وقانون ولم يركز ذلك الدهاء في حماية نظامه وأحلام التوريث لما حدث كل هذا أصلا!

وكان يحشد الملايين أكثر من هذه التي تجرى في هذه الأيام ومن كل الطرفين ، لقد شن حروب ست فاشلة كانت حرب تحريك وليس تحرير لأنها كانت فقط للفت انتباه الخارج وإرضاء الداخل ، وألان يقف حزبه رسميا على الحياد ولكن في واقع الحال ليس كذلك لقد شاهدنا أعداد هائلة من رموز هذا الحزب حاملين الإعلام الزرقاء التي يتوسطها حصان اسود في بين أغلبية يحملون أعلام خضرا وصور شخصيات أعجمية ، في واقع ضبابي متداخل الألوان !

وقبل بضعة أسابيع سقطت مدينة عمران شمال صنعاء وهي بوابة عاصمة اليمن ( بيضة الإسلام) ولا تبعد سوى اربعون كيلو متر من مطار صنعاء الدولي ، والسبب ان الدولة نفسها والتي يفترض ان تحسم الأمر حينها وقفت هي الأخرى في موقع الحياد!

وصول الرئيس الحالي (عبدربُه منصور) منصور بصورة توافقية واستفتاء شعبي وحضي أيضا بدعم إقليمي ودولي وهو الأمر الذي يعزز شرعيته ومع ذلك فقد تكالبت القوى التي تحمل مشاريع صغيرة من منظور الإسلامي السياسي الذي لا يتناغم ومع ولوج اليمن الالفية الثالثة.  الرئيس الحالي يلقى معارضة مبطنة من قوى داخلية سواء الرئيس السابق وإصرار من جعل منه مجرد ديكور لنحو سبعة عشر عاما فقد حرص على ضرورة ان تكون الأيدي الأمينة من تتسلم العلم ( الخرقة ثلاثية الألوان) ولم يستلم غير هذا بينما السلطة لازالت مشتته بين مراكز القوى من تحالف القبيلة مع المؤسسة العسكرية والجنرال المنشق والجنرال الحاكم والجنرال الأساسي الذي حكم ثلث قرن من الفساد ، من المفارقات ان حزب الرئيس السابق والذي أُعتبر الحزب الحاكم لعقود لازال يشارك في الحكم بأكثر من نصف الحكومة الحالية التي يعارضها ايضا ، والأغرب تحالف خصوم الأمس فمن يعرفون بأنصار الله رضوا بالعملية السياسية ورحبوا بالتغيير وشاركوا في الحكومة التي ينقلبون اليوم عليها بل وشاركوا في الحوار الوطني الذي استمر لبضعة أشهر .

أخيراً وفي هذه الأجواء المتوترة وضعف الدولة والمركز تحديدا يتشدق الكثيرون بمخرجات الحوار الوطني وكثيرون منهم يعملون لإجهاض ما اتفق عليه ، وفي مفردة الفدرالية لعل المستفيد الاول والوحيد هم من يحاصرون صنعاء اليوم ومن يعرفون بأنصار الله فالفدرالية فمن عيوب تلك الفدرالية إنها كانت قسمةً ضيزى ، لها عواقب جهورية ومذهبية واقتصادية ، سيكون ما سمى بإقليم أزال وعاصمته صنعاء من حصة أنصار الله وكل هذا التصعيد والحروب هي فقط من اجل إضافة ميناء على البحر الأحمر في الشمال الغربي لليمن وكذا ضم محافظة الجوف الغنية بالنفط ، ولهذا فلم يقبلون بمشاركة السلطة وحتى رئاسة الحكومة لأنهم يدركون بأن السلطة محرقة وستكون محكا لمصداقيتهم ، بينما الضغط من اجل تعديل الفدرالية وفق تلك الاعتبارات الجغرافية والمذهبية هو ما يبحثون عنه.. الهرولة للفدرالية دون في ظل دولة رخوة ومركز ضعيف مأله الفشل لا محالة ، والايام القادمة ستثبت مصداقية ذلك ، وأتمنى إن أكون على خطاء ، فاليمن ابقي من هذه المشاريع الصغيرة.


في الإثنين 01 سبتمبر-أيلول 2014 10:43:44 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=40280