التغيير بين الأعراب والأغراب
عبدالجبار سعد
عبدالجبار سعد

بلغنا أن سيدنا الخليفة عمر بن الخطاب سمع أعرابيا يدعو الله أن يسرع بهلاك أمير المؤمنين عمر .. فتبعه وسأله ياأخ العرب . هل لك مظلمة عند أمير المؤمنين؟

 فقال له لا والله ..

 فسأله هل شكى لك بعض الرعية مظالم لهم عندأمير المؤمنين قال الأعرابي لا والله فلقد اشتهر عمر بعدله بين الرعية وقسمته بالسويةبين الجميع .. فقال له

 ففيم دعائك عليه بالهلاك إذن ؟فرد عليه الأعرابي ببساطة .. والله لقد طال مكثه بيننا فمللناه رغم عدله .. فقال عمر

 اللهم إنهم قد ملوني ومللتهم فاقبضني إليك .. وارزقني شهادة في مدينة رسولك ..

****

هذه الحادثة إن صدقت تبين أن عامة الناس يملون طول مكث الأمراء والحكام والملوك على عروشهم حتى لو كانوا في عدل عمر .. فكيف إن كانوا دون ذلك و كيف إن كثرت المظالم وزاد الاستئثار وكثرت معاناة الناس وصعبت معايشهم وقل اكتراث المسئولين عليهم بحالهم الى آخر القائمة من الشكاوى ومما نحن فيه ككل بلاد المسلمين ..

****

على أن ما نحن فيه الآن يختلف كثيرا عن أيام عمر ويختلف كثيرا عن أيام يزيد .. ويختلف كثيرا عن أيام عبد الحميد ويختلف كثيرا عن أيام الأئمة ويختلف كثيرا عن أيام الاستعمار .. ويختلف كثيرا عن أيام المواجهة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي ..

أجل إننا في في فترة عالمية القطب الواحد واستحواذ الصهاينة المسيحيين بحكم العالم .. وإدارتهم للصراع العالمي صغيره وكبيرة .. وهيمنتهم على مجريات الأمور وتحكمهم بنتائجها وحتى يأذن الله بانهيار دولتهم وزوال امبراطوريتهم الطاغوتية على أيدي مجاهدي العراق وبقية المجاهدين المؤمنين في أنحاء الأرض ضد طاغوتهم وجبروتهم ..

****

نحن في عصر ما بشرتنا بها إدارة الشر الأمريكية بعد غزو العراق العظيم وما أسمته بمنهج الفوضى الخلاقة .. خدمة لدولة أسيادهم الصهاينة وبأعانة الصفويين ومنافقي العرب والمسلمين عليها .. وهم كلهم في مواجهة كل عوامل القوة والمقاومة والتحدي في هذه الأمة بكامل توجهاتها الوطنية والعربية والإسلامية .. وكل مانراه من اضطرابات واقتتال وصراعات ومواجهات ومكايدات وفتن واعتصامات ومظاهرات ومؤامرات وتحريضات وإثارة واغتيالات وغيرها ماهي إلا مظاهر من مظاهر الفوضى الخلاقة .

*****

ومن أجل ذلك فإن دعوات التغيير التي نسمعها كلها لا تنطلق من الأعراب كذلك الاعرابي الذي دعى على عمر بن الخطاب في الحرم ولكن يأتي بها الأغراب وتعقد لها المؤتمرات والقمم ..

 ولا تأتي من البوادي ولكنها تأتي من الحواضر ولا تنطلق من رغبة الشعوب التي تعاني ولكن تأتي من عواصم الدول التي تريدلهذه الشعوب أن تعاني .. وجنود الفوضى الخلاقة .. يعانون من الإحباط كلما فشلوا في إثارة فتنة نائمة أو تعثروا في إشعال نار خامدة أو أوقفوا عن الاستمرار في حرب مدمرة ..

جنود الفوضى الخلاقة يسترزقون من الإثارة ولا يملكون الحلول .. وسيلتهم الكلمات النارية المبهرجة .. وتقتلهم الكلمات العاقلة والرصينة وتذهب بأشرهم وبطرهم .. ولكن العقلاء يبخلون بها في ظل هذا الزخم الكاذب من الدعوات للتغيير تحت كل راية ..

****

فمنذ سقوط ميزان الرعب بين معسكري الشرق والغرب الذي حفظ للمستضعفين في العالم كله الحد الأدنى من الأمان والكفاية في العيش .. منذ ذلك الحين وكل تغيير في بلاد العرب والمسلمين يتخذ شكل انهيار خلاق مدمر لعين لا يبقي ولا يذر فلينظر إلى الصومال وماهي عليه من بداية التسعينات وقد انهار كل بنيان فيها وانظر كم حصدت الحروب والمجاعات وكم التهم البحر والبر من سكانها ومهاجريها ولا تزال ثم الجزائر وأكثر من مائة ألف قتيل وكم من السجناء والمشردين ولا تزال الفتنة مستعرة والموت مهيمن .. ثم افغانستا ن وما أدراك ما أفغانستان والعراق وما أدراك ما جرح العراق العظيم جرح الأزل والأبد الجرح الذي ينزف نزيفه الذي سيبكي محاجر المؤمنين حتى نهاية الدنيا .. ولبنان وفلسطين وحدث عنهما ولا حرج والكل يرى ما فيهما .. ودارفور وجنوب السودان وعشرات القرارات الدولية لتسعير أوار الحرب بين مؤمنيها ..

*****

 أينما دخلت دعوة للتغيير إنهار معها كل تماسك .. وبدأت سلسلة معاناة لا تنتهي .. وفقد الناس أمانهم ومعايشهم واقتتلوافيما بينهم وبدأت الكوارث .. وفتحت أبواب الجحيم إلى غير نهاية معلومة .. ومنظورة

****

ترى هل دعاة التغيير في بلادنا بعيدون عن هذه الرغبة .. ؟

وهل لديهم منهاج غير منهاج الفوضى الخلاقة هذه ؟

وهل تسيرّهم غير نفس الوجوه والتوجهات التي تسير اخوانهم في العراق ولبنان وافغانستان والسودان وفلسطين .. ؟

وماهي برامجهم لرفع المعاناة عن الغالبية العظمى التي تطحنها المعاناة اليومية .. ؟

وهل هم يعانون من شيء غير رغبة التدمير والحكم بعد أن يكون الوطن أشلاء فعلا .. ؟

****

الكل يعاني في هذه البلاد إلا صنفان أولهما دعاة التغيير فهم كلهم ممن لا يهمهم أمر معيشتهم كماتهمنا نحن الشعب بالمطلق إنهم يأكلون ويشربون كماتأكل الأنعام ويحرسون أنفسهم من الأخطار ويحضرون الحفلات على موائد السفراء والمنظمات الدولية .. ولديهم موازناتهم الخاصة واعتماداتهم من الداخل والخارج ويسافرون إلى الخارج في رحلات ترفيهية ودعائية ويأتمرون ويصرحون التصريحات النارية ولهم مقابلاتهم الصحفية والمتلفزة .. و يعيشون في عواصم أوربا وأمريكا وعواصم الدول العربيةوالاسلامية ويركبون السيارات الفارهة .. ويتبنون كل خبر وقضية تثير الفتنة حتى لو كانت من أخبار الفواحش التي نهينا نحن المؤمنين عن إشاعتها .. أما كبرى مطالبتهم فهي تعديلات قانون الانتخابات والاعتراف بالقضية الجنوبية .. التي لا يعرفون حتى هم ماذاتعني أو لا يريدون أن يعرفون لأنهم بين مستبيح للجنوب في السابق وبائع لها .. وإذا قال لهم أحد بشعار كانوا هم يرددونه دهرهم كله مثل الوحدة أو الموت .. مثل ما فعل الرئيس عبد الله علي صالح حين قال الوحدة ومن لا يعجبه فليشرب ماء البحر إذا سمعوا مثل هذا الكلام نهقوا نهيقهم المنكر كالحمير ولم يصمتوا كما حصل فعلا ..

والصنف الثاني ممن لا يعاني هم القلة القليلة من الحكام الذين تبوأوا مواقع المسئولية على ظهور هذه الأمة سواء بالانتخاب أو بالتعيين وكانوا يعدون بالخير وإصلاح الحال فلما ارتفعت بهم المناصب وصلحت أمورهم وصرفت لهم السيارات وبنيت البيوت وسالت بين أيديهم الاعتمادات نسوا هموم شعبهم الذي يحكمونه ونسوا أحوال الناس الذين كانوا حتى الأمس منهم .. ولم يقدروا ماالناس فيه من معاناة وكيف لهم أن يقدروا أو يصدقوا أن الناس في حال من الحاجة والعوز حتى أنهم تعجزهم قيمة رغيف الخبز وفاتورة الكهرباء .. وهم الذين موائدهم معمورة بمالذ وطاب .. وبيوتهم مضاءة بالثريات التي تستمد ضوءها من دماء ودموع أبناء هذا الوطن ..

****

فإلى المتعجلين بالتغيير .. نقول سنشد على بطوننا جوعا ولن توصلكم إلى ماتريدون إلا قوة أمريكا إن أراد الله أن يبتلينا بها وحين تأتون بها فلنا معكم نفس المواجهة التي يعيشها أخدانكم في العراق فانتظروا إنا منتظرون أما غيرها فلن توصلكم حتى لو تحول الكونجرس الأمريكي والحكومة الأمريكية كلها الى وسيط وليس سفير أمريكا وحده .

ولمن نسوا معاناتنا من الحكام نقول .. سندافع عن تماسك هذا النظام بمافيه من شر كثير وأشرار كثيرين من أجل مافيه من خير قليل وأخيار قليلين ما استطعنا لأننا نعلم أن بقاءه خير الشرين لنا وأخف الضررين علينا من إنهياره علينا وعلى المستضعفين.. ولن ينسى الله كما لن ينسى لكم خلقه وعباده المستضعفون غفلتكم عن عناءاتهم  وعدم اكتراثكم بأحوالهم وتصعير خدودكم عن نداءاتهم المتوسلة ونصائحهم ومشاريعهم الصادقة ومطالباتهم العادلة وتقلبكم في نعيمكم مديرين ظهوركم لكل ماهم فيه من فقر وظلم وأمراض واستئثار وعدم التفريق بين مريد الحق للحق وبين مريد الباطل بدعوى الحق ..والموعد الله .


في الأربعاء 02 إبريل-نيسان 2008 12:07:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=3555