أين تكمن قداسة الوحدة ؟
بكر احمد
بكر احمد

كل شيء يعود بالفائدة على الإنسان وعلى محيطه الأسري والاجتماعي له قداسة خاصة يعطي الحق لهذا الإنسان أن يدافع عنها لتبقى لديه أطول فترة ممكنة ، والمقدس قد يكون أيضا منجز خارق للعادة وغير مألوف ، حيث يكون محل مفخرة وتباهي ، وأيضا المقدس لا يحمل قداسته بذاته وجوهره وإنما تكمن قداسته برسالته وانعكاس معانيه على من يؤمنون به ، ودون ذلك فلا قداسة لشيء يعكس بضرره أكثر من فوائده ، لأنه ومن غير المنطقي أن يُقدس شيء لا يجنى منه إلا كل سلبي وضار ، فإنسان الوقت الحالي يختلف عن إنسان العصور المتخلفة حيث أن العقل هو الميزان والمصالح هي الأهداف وأن لم تتشابك المصلحة مع المقدس مع العقل فلا بد وأن تصير رِدة وإعادة نظر حتى وأن طال الإرغام والقوة والتدليس .

صدقوني ليس من المعيب أن ننجرف خلف أحلامنا مهما كانت مثالية وان نسعى لتطبيقها مهما كلف الثمن ، كما أنه ليس من العار أن نعيد النظر في تقيم هذه الأحلام في حال شعرنا أنها لم تعد ترتقي إلى ما كنا نطمح أليه ، وإعادة النظر هذه لا تعني بالضرورة إلغاء الفكرة من جذورها ، فربما تعني محاولة جادة في خلق الروح بها من جديد عبر إعادة تشكيلها وبما يتلاءم مع المصلحة العامة الحقيقية لا تلك المصلحة التي صادرها مجموعة من الأفراد والأسر على حساب المجتمع كله وظلوا يتوعدون الآخرين بالموت أن فكروا ولو مجرد تفكير بفشل هذه الأحلام وبأنها لم تعد صالحة .

كما أنه ليس من المعيب أن يقرر الإنسان أين تكمن مصلحته ويعلن عنها ويحاول أن يجعلها حقيقية على أرض الواقع ، فالإنسان كائن متحرك ومتحول ومنسجم مع عصره ويتفاعل مع الحدث من حيث تكوينه أو استقباله ليخرج بعدها بتصور عام يحدد من خلاله ما هو مناسب له .

قدس الأقداس هي الحياة بشكل ملائم ومقبول كحد أدنى على هذه الأرض ، وأي شيء يتعارض مع هذا الحق يعتبر عدو يحق للجميع الوقوف ضده ومحاربته بكل الوسائل الممكنة حتى وأن أضطر أن يتنازل عن الكثير مما كان يتمناه ويحلم به ، فلا يعقل أن يرغم مجتمع بأكمله على القبول بالعيش تحت خط الفقر لأجل ما تم تسميته بالمقدس وأن يتنازل عن حقه الشرعي بحياة كريمه بينما فئة بعينها تنعم بكل الكماليات والترف والحياة المخملية وتستفيد بشكل مطرد من هذا المنجز ، ثم يعاقب هذا المجتمع أن قرر أو فكر بإيجاد وسيلة أخرى تمكنه من تحسين مستواه المعيشي والاجتماعي والأمني ويعرض ماء البحر ليشرب منه أو الموت كتنويع في الخيارات .

بطبيعة الحال الاستبداد حين يصير كالأفيون في الدماء لا يراعي كثيرا نوع اللغة التي يتحدث بها ، لأنه يتحدث بشكل خارج عن السيطرة ، إنها حالة أشبه بالهذيان ولا يهتم كثيرا بردة أفعال أقواله أو أعماله بل يستمر بالتصعيد ليعطي انطباع بأنه مازال قوي بينما تترسخ القناعات بأن هذا المستبد ما هو إلا حالة طارئة ومتى ما انتفى وجوده فالأمور بعده قد تكون قابلة للإصلاح .

أنه من البداهة أن نعرف بأن الوحدة اليمنية ما هي إلا تجربة وليست مصير لأن حياة الإنسان مكونة من مجموعة تجارب ، وأن استمرار هذه التجربة وقبولها متعلق بأمور كثيرة أهمها التخلص من معوقات نجاحها ، لكن إذا ثبت بما لا يدع مجال للشك بأن هذه المعوقات غير قابلة للتنحي أو التعقل فيما يعود بالخير على الجميع ، فأن الخيارات حينها تتقلص وتصبح هذه التجربة ( الوحدة ) محل جدل يسمح لكل المتعاطين بها ومعها بالبحث عن وسائل أخرى ربما تكون احدها إلغاء هذه التجربة على أمل إعادتها بشكل أكثر جمالا وصدقا أو على الأقل النجاة بما يمكن وما تبقى .

تسقط قداسة الشيء متى ما تبين زيفه ، ويصير من العار التعلق بهذا المزيف الفارغ من مضامينه على حساب القيم التي كان الجميع يأمل أن يراها كقانون يطبق على أرض الواقع ، لا أن يرى رجال القاعدة يتجولون في المدن اليمنية متفاخرين بأن الرئيس هو من أعفى عنهم بعد هروبهم من سجن الأمن السياسي أو أن تسمع عن شيخ قبيلة جمع أكثر من ثلاثون ألف وبأسلحتهم ليلقي بينهم كلمة نارية أو أن الفساد صار مؤسسة مستقلة تعمل بذاتها أو أن يعلم الجميع عن فضيحة فساد مدوية مثل ما حدث لوزير الكهرباء مع الشركة الأمريكية لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية دون أن يحاسب أحد عليها وقبلها طريقة بيع ميناء عدن أو السطو على الأرضي أو تهجير مواطنين يمنيين على يد شيخ قبيلتهم أو ما يحدث في السجون من انتهاكات للنساء وقتل المواطنين في الأسواق دون أن يقبض على القاتل المعروف لمجرد أنه من قبيلة الرئيس وأن تتواري الحياة المدنية ويغيب القانون والتعليم والعلاج وأن يُهرب مئات الآف من الأطفال للدول المجاورة للتسول وأن تسمع أن قبيلتين تتحاربان بالأسلحة المتوسطة والخفيفة فيما بينها ويسقط قتلى من الطرفين ، وأن لا نعلم ماذا جرى لثروتنا النفطية سوى أنها ستنضب بعد عدة سنوات ، وأن الدستور يعدل بين كل فترة وأخرى لأجل التمديد المستمر للرئيس ، وكل هذه الأمور وأكثر تحدث دون أن يقوم هذا النظام بعمل أي شيء لإصلاحه خلال حكمه في الثلاثون السنة الماضية ، كلها أمور تجعل أكثر المتحمسين للوحدة أن يتوقف لبرهة ليعيد النظر ويقرر ما إذا كانت هذه الوحدة لعنة وورطة إلى هذا الحد ! وما هو الشيء الملزم والجميل الذي يجعلنا نتمسك بها وهي باسوأ أشكالها الممكنة .

لا يوجد خيار أسمه الوحدة أو الموت ، وليس من حقه أن يحدد الخيارات للمواطنين ، ولكن الخيار الوحيد والذي يجب أن يذعن له الجميع وأن نسعى لأجله هي الحياة الكريمة والطبيعية ضمن دولة تصون الحقوق وتنفذ واجباتها لأن هذه هي وظيفتها الحقيقية ، والوحدة وأن كانت أجمل ما كان يتمناه الإنسان اليمني أستطاع الرئيس علي عبدالله صالح أن يحولها إلى كابوس مزعج .

مازالت بنا شيء من بقايا هذه الوحدة، وأنها وكل ساعة ودقيقة تتضاءل ، ورغم ذلك لن أناشد الرئيس ونظامه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لأنه لا أمل فيهم يرتجى ، بل الأمل في الخيرين في هذه البلاد لعمل المستحيل لأجل أن يبقى هذا الوطن نموذج مشجع لوحدة عربية أكبر وأشمل ، لأن وضعها الحالي يخيف أي عربي يفكر بالوحدة ، فهي وبال على الشعب وهي دولة فاشلة بكل المقاييس لم تستطيع رغم التفرد التام بالحكم أن تحقق ابسط الأهداف وأقل المنجزات .


في الثلاثاء 18 مارس - آذار 2008 11:15:12 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=3491