لا بأس بعدم حضور السعودية ومصر إلى القمة العربية
بكر احمد
بكر احمد

إذا التنسيق واضح بين السعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية ، والتصعيد جاء بانسجام وترتيب مثلما يبدو لنا أنه متفق عليه ، فتحرك المدمرة كول إلى الحدود البحرية اللبنانية وتعالي اللهجة المصرية والسعودية ضد سوريا والتلويح بعدم حضور القمة العربية ما لم تنصاع سوريا لهم ، كلها أمور تخبرنا بأنه هناك اتجاهين في المنطقة لا ثالث لهما .

وبما أننا من ساكنين هذه الأرض ونعرف ما لنا وما علينا ، فليس من الصعب أن نحدد من يقف بصفنا ومن يعمل لحساب أجنده خارجية واضحة ، إلا أن الغريب في الأمر أن الوضوح هذه المرة فاق كل التوقعات ، ولا أحسب أنه بقي ثمة مواربة بعد الإعلان الصريح التي تزامن مع اعتداء إسرائيل على لبنان ووقوف التيار المعتدل وبكل صلافة مع إسرائيل وللمرة الأولى في تاريخ الصراع القائم في المنطقة .

فمصر ومن خلال نظامها الحاكم باتت مواقفها معروفة حتى قبل أن تعلن عنها ، ومن السهل التنبؤ بما سيقوله رئيسها في أي أزمة عربية تحدث ، فمنذ حصار العراق حتى لحظة احتلاله مرورا بما يحدث في فلسطين والحصار القائم على غزة حتى مشكلة لبنان ، مصر دائما وأبدا ملتزمة وبشكل صارم مع التوجه الأمريكي ، أما بالنسبة للسعودية فتاريخ انحيازها يبدأ قبل ذلك بكثير ، لدرجة أنك تستطيع أن تعرف من هو عدوها بمجرد أن تكتشف من هو عدو إسرائيل وذلك منذ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حتى هذه اللحظة ، فلم يسبق للسعودية إطلاقا أن افتعلت أزمة مع دولة تتعاون من الصهاينة بأي شكل من الأشكال .

لذا فمسألة لبنان ليست صراعا على النفوذ بين الأقطاب العربية وحسب ، فتلك نظرة قاصرة وسطحية ، بل أن لبنان هي حلقة ضمن منظومة متكاملة تريد أن تعيد صياغة المنطقة بشكل يتواءم ومع المصالح الأمريكية ويضمن أمن إسرائيل بشكل نهائي دون أن تضطر إسرائيل لتقديم أية تنازلات أو أن تعيد الأراضي التي احتلتها من العرب ، والغريب أن الدول المعتدلة وهي تنجرف خلف هذا العمل وتسعى جاهدة لتحقيقه لا تراعي أبدا مصالحها القطرية بعد أن تنازلت عن مبادئها القومية ، وكأنه ثمة سحر يقودهم كالعميان للمضي قدما في تمكين كل ما يضر هذه الأمة ويساعد على تفتيتها إلى كانتونات مذهبية وعرقية .

  لكن ماذا لو قررت مصر والسعودية مقاطعة القمة العربية المزمع انعقادها في دمشق ، ما هي حسابات الربح والخسارة ألتي ممكن أن تحصدها تلك الدول ، وماذا ستخسر سوريا من هذا الغياب ، وما هي القرارات التي ستتعطل في حين فشل هذه القمة ، وهل فعلا ستفشل القمة بعدم حضورهم .

علينا أن نتذكر أولا بأننا حين نتحدث عن احتمال فشل القمة ، فهذا يعني أن الاحتمال المناقض لها هو النجاح وهذا ما لم يحدث في أي وقت من الأوقات ، فالجامعة العربية مكدسة بالقرارات المجمدة والاتفاقات التي لا تحدث ، وحضور السعودية ومصر لن ينجح أو يفشل القمة ، هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فمن المعيب أن يتم التلويح بعدم الحضور بسبب خلافات بين الدول العربية ، لأنها ستكون بادرة خطيرة لو تم التأسي بها ، وخاصة أن معظم العرب في خلافات شبه دائمة فيما بينهم ، وأخيرا وكما نفهم بأن هذه الجامعة وهذه القمة تحديدا وجدت لحل المشاكل التي تعاني منها المنطقة لا لابتزاز بعضهم من أجل الحضور من عدمه .

لبنان بلد عربي مهم ، لكنه لا يقل أهمية عن العراق التي تكاتفت عليه تلك الدول التي تلوح ألان بعدم حضور القمة على تسليمه لقمة سائغة للأمريكان ومن بعدهم للإيرانيين ونحن نرى الآن زيارة أحمدي نجاد إلى بغداد يدخلها وكأنه فاتح فارسي لعاصمة عربية ويعلن أنه سيقدم مليار دولار إلى الحكومة العراقية ، بعد أن ثبت بها الطائفية بأسوأ صورها وتأكد من قيام دولة دينية في العراق موالية لهم بشكل قد لا يكرره التاريخ مرة أخرى ، لأنه وحسب اعتقاد الإيرانيين بأن خروج المهدي المنتظر لا يكون إلا بتحويل العراق إلى دولة دينية شيعية على المذهب الأثنى عشري ، وهي تعكس بشكل صريح كيف تم إخضاع الدين لخدمة القومية الشوفينية.

وأيضا أمام هذه القمة العربية موضوع غزة ، فهنالك مجزرة قائمة على قدما وساق ولم تتحرك للسعودية أو مصر شعرة واحدة ولم نسمع أي تصريح أو تنديد من تلك الدول بل نرى مشاركة علنية بحصارهم وإغلاق كل المنافذ عليهم ، فأين تكمن أهمية لبنان على باقي المشاكل الأخرى والتي تبدوا لنا أكثر عمقا ومأساوية ، والإجابة على هذا السؤال يقع في الأدراج الإسرائيلية التي ترى أن المنطقة تعد على نار هادئة لتنضج وتقدم على مائدتها .

ليس من اللائق جدا كل تلك التحركات المتزامنة مع التلويح العسكري الأمريكي ضد دولة عربية ربما أقل ذنوبها أنها مازالت تتمسك بالحد الأدنى من الثوابت العربية والتي تطالب بأقل الحقوق الممكنة ، وكأن المطلوب من الجميع الانبطاح المستمر وتسليم كل شيء بدون أي مقابل حتى ترضى عنك أمريكا وتمنحك شرف لقب ( دولة معتدلة ) .

benziyazan@hotmail.com


في الأحد 02 مارس - آذار 2008 11:16:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=3434