ثورة اليمن وبقرة الجعاشن
طارق عثمان
طارق عثمان

مأرب برس - خاص

انتفض جسد المرأة العجوز حين أطبق عسكري الشيخ على رقبتها التي تعلو جسد نحيل كأنها عصفور من عصافير وادي الدور يرتجف بين مخالب طائر جارح ، استمر عسكري الشيخ في الضغط على أوداجها لأنها تتمنع عن تسليم بقرتها ثمنا لتشريفه لها بقدومه الميمون ليأخذ زكاة العشر باسم الشيخ ، زكاة قيمتها كانت كافية لتصعقها وزوجها حينما عرفوا انها اكثر من 35000 الف ريال وهم الذين لا يملكون شيء أثمن من هذه البقرة الهزيلة، فتوسلت اليه ان يأخذ "الجدي "فداء لبقرتها التي هي ثروتها ومشروعها ومؤنسة وحدتها ، وكل ما ممتلكته خلال عمرها الذي قضت معظمه في كنف الثورة المجيدة التي تفجرت ضد الامام الطاغية ( كما يصفه الثوار ) وهي مازالت حينها في زهرة شبابها المفعم بالأمل كما هو حال قريناتها الأتي انفتحت أمامهن طاقة للحرية والامل والمستقبل فهتفن للثورة التي لم يكن يعرفن عنها سوى القليل مما تناهى الى أسماعهن من الكبار الذين كانوا يترددون على حواضر اليمن ويعودون ليلهبوا حماسهن بالحديث عن الثورة التي ستحررهم وتعتقهم وتعيد إليهم اديمتهم ، ربما لم تسمع الكثير من التفاصيل عن هذه الثورة ، ولم تكن المقتطفات التي يتناجى بها الكبار فوق المنازل بعد ان يسبل الليل جفونه او بعد ان يصغين السمع معهم الى المذياع العتيق والى اذاعة لندن وهي تأتي على ذكر اليمن وثورته الوليدة كافية لفهم الكثير عن الثورة لكن مخيلاتهن الصغيرة استطاعت ان ترسم صورة جميلة ومشرقه للثورة .

مرت السنون ولم ترى من عطايا الثورة شىء ولم تمنحها السنين غير انحناءة الظهر وتجاعيد غائرة على خارطة وجه كان غضا ذات يوم ومترع بالامل .

و لم ترى من تلك الاماني العراض التي كانت تملأ ما بين جوانحها شىء فلم تتحرر من الجهل والامية ولا من الظلم والاستبداد بل ان الظلم ازداد سطوة عندما سار الشيخ في ركب ادعياء الثورة شاعرا يلقي المدائح في حظرة الزعيم الذي اعتاد ان يقرب امثاله من اولي البطش والسطوة ومجيدي المديح ، ولكن مع هذا الشيخ تجاوزت هباته مجرد القاء الاف الدنانير كما في قصص الف ليلة ولا اقطاعة مئات الضياع والاراضي بل تعداه الى منحه كل من يقع تحت سطوته كعبيد يملكهم ويملك ما يملكون من اراضي وعقارات ومواشي ومستقبل .

استمر الجندي في الضغط على رقبتها وقد نفرت شرايينها التي تجري فيها دماء اختلطت بحب اليمن اكثر من كل اصحاب ربطات العنق الثمينه الذين يطلون علينا كل يوم في النشرات الرسمية ليعطون دروس في الوطنية والانتماء ، يواصل جندي الشيخ اظهار عنفوان شبابه وهي تتوسل اليه ان يترك بقرتها ، تبكي ، تنتحب ، ترتجف ، تتعثر ، تضع يدها التي ترهل جلدها وتدلى لحمها على كتفيه بحنان ام تتعلق بتلابيب ابن عاق ، تصوب عينيها التي تحفها الغضون والهالات السود من كل جانب نحو عينيه وترمقه بنظرة استعطاف ، واسترحام ، ولكن هيهات فليس في صدور هؤلاء قلوب ، فأدركت ان بقرتها راحله دون رجعة فدارت الدنيا من حولها واسود ضوء النهار واغرورقت عيونها بالدموع وتحشرجت كلمات التوسل في حنجرتها الرفيعة التي تتزاحم فيها الغصص والمرارة والزفرات الحراء ، وزادت الغشاوة التي منحتها سنين الثورة لعينيها قتامة فخارت قواها وتهاوت وخرت مغميا عليها عند قدميه ليخطو هو فوق حسدها ليسوق بقرتها امامه متجه نحو مضارب الشيخ ،

سافر بعلها الى صنعاء ليرفع مظلمته مع العشرات من ابناء منطقته( الجعاشن ) الذين شردهم الشيخ وشرد غيرهم منذ شهور عدة ورماهم في العراء والبرد والمخيمات ،بحماية دوله ادمنت التعاطي بلطف مبالغ فيه مع اهل الجبروت من مشايخها وأعوانها.

سافر زوجها وتركها هناك في غيبوبتها العميقة التي لم تفق منها بعد لكي يناشدوا كل من له قدرة على رفع سوط راعي البقر الذي لا تردعه قوانين ولا اعراف ولا اخلاق بل انه قد جند القانون ليكون احد مرافقي موكبه ، واحد عساكره الذين يعتمرون بندقية ويصوبونها نحو كل من ينادي بقانون غير قانونه ،

 قد تستمر غيبوبتها طويلا ولكن الاكيد ان مناشدة اهالي هذه البلاد المنسية ستستمر زمنا اطول قبل ان يستجاب لها فالحكم الذي يدقون ابوابه الموصدة امامهم هو خصمهم الحقيقي ..

ولذا فاني اناشدها ان تستمر في غيبوبتها واقول لها لا تفيقي فالغيبوبة هي الخيار الافضل في وطن مغيب .

لا تفيقي فاليمن كله في غيبوبة بعد ان اطبق على رقبتها امثال الشيخ وسرقوا ثورتها كما سرقت بقرتك التي لن تعود .

اناشدك الا تفيقي حتى تفيق فينا الرجوله والنخوة والشهامة .

اناشدك الا تفيقي ما دام الخوف يسكن قلوب الرجال .

اناشدك الا تفيقي حتى يستفيق شيطان الشعر فيك فيلقي عليك قصائد الشعر كما يفعل مع خصمك فربما التفت اليك سيدي السلطان .

انا شدك لاتفيقي فلم تري بعد شيئا من معاني " اليمن الجديد " وما زال في جعبة سيدي الوالي الكثير من معالم " المستقبل الافضل " وما زال يحث الخطى نحو تحقيق ما وعد به من المنجزات .

الى متى ساظل اناشدك ايتها الام الهاربه من واقع ابناء جاروا على الوطن ، لكن اسمحي لي ان اختم مناشدتي لك بقبلة اجلال على جبينك يارمز اليمن المقهور من قبل رجال ( الرمز ) .

ولا املك اخيرا الا ان اتحسر على حال وطن

تخنق فيه العجائز بيد شيخ ، ويتم ايلاج الهراوات في احشاء الرجال بيد شيخ ، وتغتصب فيه القاصرات من قبل شيخ ،

واسفاه على وطن ثار ضد الظلم ليقع في ظلمات بعضها فوق بعض فتسرق ثورته وتوءداحلامه ويصادر مستقبله من ادعياء الثورة الذين تأمروا على الثوار الحقيقين الذين لو كانوا احياء لم يسعهم الا ان يعلنوا ثورة جديده .


في الجمعة 29 فبراير-شباط 2008 09:25:31 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=3427