اليمن السعيد.. هل يبقي سعيداً؟
مصطفي نجيب

لقد ارتبط اسم دولة اليمن الشقيقة بالسعادة، حيث يطلق عليها »اليمن السعيد«، وذلك منذ زمن بعيد في أيام عصر أئمة أسرة حميد الدين وقبل أن تتحول إلي النظام الجمهوري. وقد تعاقب علي رئاسة جمهورية اليمن السعيد عدد من الرؤساء، كان أولهم المشير عبدالله السلال إلي أن جاء عسكري مغامر واستولي علي السلطة وعرف من يومها بعد ترفيعه إلي رتبة عالية في سلك الضباط باسم العقيد علي عبدالله صالح. وظل العقيد صالح رئيساً لليمن لمدة 28 عاماً تنتهي في شهر سبتمبر من العام الحالي،

ورغم أنه أعلن في شهر يونيو من العام الماضي رفضه الترشيح لفترة رئاسة جديدة وأعاد تأكيد رفضه مؤخراً للمرة الثانية أمام المؤتمر الاستثنائي للحزب الحاكم، فقد تراجع عن قراره في اللحظة الأخيرة معلناً أنه يستجيب بذلك لرغبة الجماهير الحاشدة التي طالبته بالعدول عن قراره وبالاستمرار في حكم البلاد لفترة ولاية جديدة مدتها سبع سنوات من أجل - حسبما قال - الإبحار بسفينة الوطن إلي بر الأمان!

وبعد أن انكشفت تمثيلية الزهد في الحكم ثم العودة إلي التمسك به نزولاً عند رغبة الجماهير متمثلة في المظاهرات التي نظمها الحزب الحاكم وطافت بشوارع العاصمة صنعاء وبالمدن اليمنية المختلفة.. هل يبقي اليمن سعيداً؟!

إن هذه التمثيلية أو المسرحية الهزلية لا تخيل علي أحد ولا يقبلها مخ إنسان عاقل.. وهي تذكرني بالمسرحية المماثلة - مع اختلاف الظروف والأشخاص - التي جرت في مصر بعد نكسة يونيو ،1967 حيث أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مسئوليته عما حدث، وقال: لقد اتخذت قراراً لا رجعة فيه.. أرجو أن تساعدوني عليه.. لقد قررت التنحي عن جميع مسئولياتي.. فسارع حزب الاتحاد الاشتراكي الحاكم يومها بتحريك المظاهرات لتنطلق في شوارع العاصمة مطالبة »عبدالناصر الزعيم« بالعدول عن قراره، ففعل ذلك وقال إنه قبل نزولاً عند رغبة الجماهير.

الغريب أن الرئيس اليمني صاحب المسرحية الجديدة المقتبسة من تمثيلية التنحي الشهيرة لعبدالناصر كان قد ذكر عندما أعلن رفضه الترشيح لفترة رئاسة جديدة، أنه يكتفي برئاسته التي امتدت 28 عاماً، ليس لأنه مريض أو لأنه يمارس مسرحية سياسية - لاحظ أنه هو الذي استخدم هذا التعبير - وإنما لأنه يريد تأكيد الديمقراطية في بلاده.. وقال: إن 28 سنة في الرئاسة مدة كافية، وأنه طلب من شعبه أن يسامحه إذا كان قد أخفق في شيء - لاحظ أيضاً أنه بعد أن ذكر أن 28 سنة بالرئاسة مدة كافية عاد بعد أن تراجع عن قراره بعدم التجديد، قال إنه يقبل الاستمرار للإبحار بسفينة الوطن إلي شاطئ الأمان - أي أن الـ28 عاماً لم تكن كافية للوصول إلي شاطئ الأمان!

والغريب أيضاً أن العقيد علي عبدالله صالح الذي أدمن الرئاسة وتمسك بها بعد ادعاء زهده فيها كان قد أدلي بالتصريح التالي: »إذا لم نقم نحن - يقصد الرؤساء العرب - بحلق رؤسنا فهناك آخرون سيقومون بحلقها بالنيابة عنا«. وكان هذا التصريح قد جاء تعليقاً علي مبادرات الإصلاح التي هبت علي المنطقة من الخارج عقب الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر عام ،2001 وهو الأمر الذي اعتبره المراقبون بأنه رسالة من حاكم عربي للرؤساء العرب يحذرهم فيها من أن ساعة التغيير قد اقتربت وأن من لا يفهم ويدرك هذه الحقيقة سوف يضطره الآخرون لفهمها وإدراكها.

ويبدو أن الرئيس اليمني قد نسي أو تناسي تصريحاته.

ونعود إلي السؤال: هل يبقي اليمن السعيد سعيداً بعد قبول العقيد علي عبدالله صالح الترشح لفترة ولاية خامسة؟.

الواضح أن هذه الصورة متكررة في عدة دول عربية.. وكما يقول المثل الشعبي المشهور: »كله عند العرب صابون«.

وفي ظل هذه الصورة القاتمة لعالمنا العربي الذي يتمسك رؤساؤه بمناصبهم ويعدلون دساتير بلادهم ليتمكنوا من الاستمرار والبقاء في مواقعهم.. ووسط حالة اليأس أطلت علينا صورة مشرفة من موريتانيا تبعث علي الأمل في حياة ديمقراطية سليمة، حيث أجري المجلس العسكري الحاكم استفتاء علي تعديل دستوري نال موافقة 97% من أصوات الشعب الموريتاني الذي عبر عن رأيه بحرية وديمقراطية من أجل تقليص مدة رئاسة الجمهورية عاماً لتصبح خمس سنوات، بدلاً من ست، وكذلك حظر انتخاب أي رئيس لأكثر من مدتين متتاليتين، وهو الأمر المتبع في الدول التي تمارس نظاماً ديمقراطياً حقيقياً.

نأمل أن تكون بادرة الإصلاح السياسي الموريتانية معدية، بحيث تنتقل العدوي وتنتشر في عالمنا العربي المنكوب بنظم تدعي الديمقراطية وهي بالحقيقة تمارس النظام الشمولي.

إن العالم العربي لم يعد يعرف لقب »الرئيس السابق« إلا في حالة من اختارهم الله سبحانه وتعالي إلي جواره أو إذا قام أحد بمغامرة عسكرية لتنحية رئيس ليتسلم هو زمام الحكم بدلاً منه. حالة وحيدة فريدة عرفنا فيها رئيساً أصبح سابقاً بمحض اختياره هي حالة المشير عبدالرحمن سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق، الذي اكتفي بعام واحد كرئيس للجمهورية في سابقة لم تتكرر.. إنه رمز لإنكار الذات وتقديم المصلحة العامة علي المصلحة الشخصية والتضحية بالجاه والنفوذ والسلطان من أجل إرساء القاعدة الرئيسية في النظام الديمقراطي السليم وهي تداول السلطة وعدم الاستئثار بها.

تحية إجلال وتقدير واحترام للمشير سوار الذهب ولكل من يقتدي به، فهو رمز حي للنقاء والشفافية والتضحية من أجل إرساء المبدأ الذي نفتقده كثيراً، وهو عدم التمسك بالسلطة واحتكارها وترك الفرصة للآخرين ليتنافسوا في خدمة بلادهم .


في الثلاثاء 04 يوليو-تموز 2006 08:40:45 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=314