هادي حينما يكون متناقضًا
إبراهيم عبدالقادر
إبراهيم عبدالقادر

حينما أتى نائب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي لمنصب الرئاسة عبر إستحقاق ثوري وشعبي نادرين كنا قد رحبنا به وهللنا له كثيرًا بإعتباره شخصية مناسبة توافق عليها كل الأطراف وأرتضوا به حاكمًا ليُسير أعمال الدولة الجامدة وينتصر لحقوق الناس ويُعيد الإعتبار لهيبة الدولة التي سُلبت منذ 50 عامًا، أتى عبد ربه لقيادة البلاد في مرحلة هي الأخطر عبر التاريخ ومنحناه وسام الشرف والبطولة كونه القائد الوحيد الذي أرتضى المنصب هذا وغامر بشخصه رغم كل المخاطر المتوقعة والأليمة التي كانت تُحيط ببلادنا من كل الجهات سياسيًا وإجتماعيًا وإقتصاديًا وقلنا عليه الرجل الذي لا مثيل له ووصفناه بوصف كبير وقلنا عليه " رجل دولة " وخاطرنا بذلك بحسن نية ورمينا خلفنا كل سواد الماضي الذي كان أحد عتاولته وأحسنا الظن بصدق وشرف.

أن تكون شخصية يحبها جميع الأطياف والإنتماءات وفي بلد كاليمن فهذا ضرب من الخيال لا سيما ونحن شعب إمّا مسيرين أو نُذعن للعاطفة التقليدية التي تتعامل مع الأشخاص والأحزاب والجماعات من منظور مهين ومنحط: ( مع الأقوى )؛ مهما كانت أعماله شريفة أو منحرفة حتى لو أنها مهيئة لقتل كل اليمنيين الأهم أننا مستعدين للسير خلف من يملك القوة في البلد أكانت القوة سياسية أو إقتصادية، وهذا ما لم يستغله الرئيس التوافقي " هادي " لمصلحة البلاد ليمضي بقوة للتغيير وإرساء دعائم النظام والقانون وبناء دولة العدالة والمساواة ببسط قوة الدولة السياسية، بل أستغل هذه المعطيات لبناء جدار فولاذي تحالفي يُشيّد من خلاله بيته العتيدة التي لا يُهدد أمنها وقوتها أي شيء ومضى بكل جرأة منفردًا بالدولة وكأنها قطعة أرض ورثها كما يورث الأب لإبنه؛ مضى بكل قوته للسيطرة والإستيلاء على الدولة خارقًا القانون مستغلًا إنشغال الشعب بقوته راميًا كل شيء خلف الأسوار وبسط على الدولة كما يبسط الفقير على جزء من حقه بحثًا عن الرزق، رغم الفارق بين التشبيهان.

أربع سنوات تقريبًا هو عمر هادي رئيسًا للدولة، أربع سنوات رغم كل سوءها إلّا أنه وللتاريخ يحسب لهذا الرجل أنه أستطاع تفكيك كل القوى والأحزاب وجعلها منشغلة بذاتها ليُمرر أعنف الخطط عبر تاريخ الدولة اليمنية التائهة وأستطاع بفضل هذا كله أن ينجح قليلًا ويفشل كثيرًا كثيرًا على إعتبار التعامل مع قراراته من منظور صلتها بالشعب والعقل الجمعي. لا يمكن التعامل مع مرحلة هادي بنوع من اللاوعي أو أنها لا تعنينا لإنها مرتبطة بنا كمعنيين بكل ما يقوم به من تصرفات أكانت سلبية أو إيجابية.

هادي الرجل الصادق الذي يستخدم الوسائل الغير صادقة سواء علم أم لم يعلم لا تجعله بالنسبة لنا إلا رجلًا كادباً لا يرجى منه عملا صالحا البتة؛ كيف لرجل جاء بعد ثورة شعبية منتحة غطاء شرعيًا أن يستخدم نفس الوسيلة التي كان يستخدمها سلفه ونفس الوسيلة التي خرج شعبنا ثائرًا ضدها ؟ كيف لي أن اطمأن لمستقبل الوطن الذي تستزفة كل القوى وتنهب ثرواته بدعوى الشرف والوطنية؟ كيف لشعب أن يأمن على مستقبلة وهو يرى الوظيفة العامة يتقاسمها الإنتهازيون بعيدًا عن الكفاءة والشهادة والمسئولية كحق واحد فقط من ضمن آلاف الحقوق المهدورة كل يوم؟؟ متى يجب علي كمواطن أن أشعر أن مستقبلي والأجيال معي في أيادي شريفة تقدس الإنسان وتنتصر له؟؟ لقد أصبحنا في مأزق حقيقي مخيف يتطلب منا جميعُا الإنتصار لقيم الثورة التي خرجت تنشد الدولة لا البيع والشراء، ومن يراهن على العبث حتمًا لن يجده حتى ولو تسهلت السبل والوسائل أصبحت متناولة، ويكفي أن تٌصبح وسيلة الغضب والإستنكار هي الكتابة والقلم.

أن تكون قرارات هادي توافقية فهذا شيء مرحب به، وأن تكون مبنية على إرضاء الجميع فهذا أيضًا يسهل بلعه، لكن أن تكون القرارات المتتالية والمتتابعة مغيبة عنها شروط نيل الوظيفة العامة ـ كونها حق لكل مواطن ـ فهذا هو العار بعينه، وهو الشيء الوحيد الذي يستحق الغضب والإستنكار والوقوف أمامه بحزم وجدية. هادي ومنذ تعيينه رئيسًا لم تكن أغلب قراراته إلا بعيدة عن الكفاءة والشهادة والإستحقاق؛ بل كانت تقاسمية ومنها بشكل فج إستيلاء وتثبيتا لكرسيه بجعل الحاشية الموالية له والمقدسة لجلالته قريبة منه ومن مفاصل الدولة الهامة؛ لقد أمتهنت الوظيفة العامة وتم السطو عليها بشكل حقير، وتم توزيعها على أساس القرابة والولاء والمحسوبية، لقد تم تفصيل المؤسسات على أساس من الإمتهان والإستخفاف بحقوق الناس بجعل من لا يستحق في مكان لا يليق به على الإطلاق وهو الشيء الذي يدعونا نتسائل بصوت عالي : ماذا يريد الرئيس هادي؟ وإلى ماذا يخطط؟

إمعانًا في القرارات الأخيرة والتعديلات الوزارية يُثبت صحة ما نقوله ونردده دائمًا بإمتهان الوظيفة العامة وإنتهاكها بملاحظتنا للأفراد الخاطئين في المكان الصحيح، والأفراد حسب تخصصاتهم في غير تخصصهم، بدءًا بقرار تعيين الثائر النشيط "فؤاد الحميري" في وزارة الإعلام وهو قرار غير مستحق لو أنتهجنا نهجُا صحيحًا ونظرنا لتخصص الرجل وأين مكانه الصحيح لرأينا كارثية مثل هكذا قرار يتم تكرارها بشكل ملفت في قرارات هادي المعتمدة على غير الكفاءة؛ وليس إنتهاءًا بتعيين الأستاذ القدير "نصر طه" وزيرًا للإعلام وهو المكان الغير جدير به وبمؤهلة وتخصصه أبدًا. يخرج هادي بين فترة وأخرى يتحدث عن الدولة والديقمراطية وو/ بينما لا أعلم أي دولة وأي قانون يمكن أن نفهمه في حين أنه شخصيًا ينتهك كل ما له صلة بها بدءًا بالقرارات التي تنمو بشكل متسارع بعيدًا عن منطقية القرارات التي تنبني على الشهادة والكفاءة وإنتهاءًا بالإهتمام بشراء الذمم والولاءات حفاظًا على عرشة الذي يتعامل معه كإقطاعية خاصة.

إن غضب الناس مؤخرًا جزء أصيل من حققهم مهما كانت المبررات التي خرجوا من أجلها، والغضب الذي ينتهج الأسلوب العنيف والخاطئ يجب على الدولة أن تتعامل معه وفقًا للقانون لا خروجًا عنه، ومصادرة حق الناس بدعوى الوطنية غير صحيح، كما أن إسكات المنابر الإعلامية التحريضية التي تزيف العقل الجمعي وتدلس على الرأي العام وتعكر صفو المجتمع المسالم ليس وسيلة صحيحة البتة؛ إذ ان الوسيلة الصحيحة ومن منظار القانون هو قيام السلك القضائي بدوره القانوني تجاه هؤلاء حفاظُا على السلم الإجتماعي وإنتصارًا للقانون الذي يعد إنتصارا لهيبة الدولة ومؤسساتها، وهو بكل تأكيد لا يخص الرئاسة ولا رئيس الجمهورية الذي تعامل مع هكذا معطى من منطلق شخصي انتصارا لذاته التي تم المساس بها من قبل مؤسسة قناة اليمن اليوم الأمنية.

لا يُفهم أبدًا من كلام هادي الذي يردده بين الفينة والأخرى عن الحرية والقانون وهو يُصادر الكلمة ويلجمها إلا نية سوداء تُضمر السؤء للبلاد ولحرية الكلمة والصحافة الشيء السلبي المخيف مهما كانت المُبررات والأعذار..

إن قرارات هادي الأخيرة رغم سلبيتها إلا أن توقيتها يتطلب إسناد شعبي ودعم جماهيري قوي من أجل قطع الطريق على القادمين من رحم الأزمات ومن كهوف الظلام والإستبداد القادم من كروش آل سعود وآل زايد الذي عجز هادي وحكومته عن مواجتهم وتضييق الخناق عليهم وسد الطريق الخبيث أمامهم الذي ضحيته شعبنا المقهور والغلبان، نساند هادي كوننا أخترناه وتبدو قراراته لا تخلو من المصداقية لو نظرنا لها من منظار واسع بعيدًا عن كارثية سلبيتها.

أن أي قرار يتم نتيحة لردة فعل واقعية تسوقك إياه الأطراف المتُضررة من الإنتهاج النهج الصحيح في إرساء مبادئ النظام والقانون والعدالة لا تنتج إلا قرارات باطلة مخالفة لأهم أسس ومبادئ نيل الوظيفة العامة التي هي حق أصيل لكل مواطن يمني يمتلك الوسيلة الأمثل لنيل ما يستحقه؛ أن على هادي أن يستجيب للثورة التي طلبت ولا زالت تطلب منه بناء دولة لا السطو عليها؛ عليه أن ينتصر للثورة بإنتهاج النهج الأمثل في كل قراراته التي تبدو غالبًا لا تخدم بقاءه أبدًا ولا تجعل منه سوى فرد مستبد يُضمر السوء بكل خبث لمستقبلنا واليمن الذي نطمح إليه.


في السبت 14 يونيو-حزيران 2014 07:54:22 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=30001