عيد الأعياد
د/ رؤوفة حسن

 كل عام وأنتم بخير، فهذا العيد من وجهة نظري هو عيد الأعياد. ليس ذلك بسبب أنه عيد إسلامي يرتبط بمناسكنا وعباداتنا كمسلمين بعد شهر من التوجه إلى الله والتفرغ لعبادته، ولكن أيضا لأنه يتوج أحداث خاصة في اليمن تختلف عن الأعوام السابقة كلها، فاليمن اليوم تموج بالتفاعلات والنقاش والجدال والأخذ بالرأي والرأي الآخر.

كل عام وأنتم بخير والوطن بخير، ما دامت هذه الأمة حية تتفاعل مع شؤونها وتناقش بصوت عالٍ مشاكلها وأوجاعها، ويتحاور في هذا الشأن كبيرها وصغيرها، لأول مرة تكون حيوية اليمنيين في التفاعل مع قضاياهم من أقصى أطراف اليمن إلى أقصاها بكل هذا الزخم والإمتلاء.

فبرغم البركان الذي انفجر حمما في جزيرة جبل الطير ولا يزال يوعد بانهار نارية داخل المجموعة من الجزر الصغيرة، إلا أن الجندي السباح لاثنتين وعشرين ساعة قد أثبت قدرة على الحياة ومقاومة الصعاب يندر تخيلها، فأثبت أن الرغبة في الحياة تغلب حتى انصهار الحجر والتراب في أنهار من جحيم الأرض، أعاذنا الله من جحيم الآخرة.

هذا عيد ينهمك فيه اليمنيون في شأنهم الخاص عكس كل عام، ففي العيد الماضي كانت المنطقة تفور بأوجاع العراق وفلسطين، وهو وجع مستمر صار مع الأسف مألوفا اليوم، فصار الشأن العربي يحتل مرتبة ثانية في قائمة أولويات اليمنيين.

فانهماك اليمنيين في شأنهم الخاص، هو أمر مستجد، والجديد فيه اليوم أن الناس يحتفلون بعيد الفطر، وفي وقت واحد يحتفلون بذكرى ثورتهم ضد الاستعمار البريطاني، فيجمعون بين دينهم ودنياهم في احتفال واحد. فكل عام ونحن اليمنيون بخير بثوارنا القدامى والجدد. بأعيادنا الدينية والدنيوية.

كل عام والبلاد تعيد النظر في صورة نفسها وتراجع سبعة عشر عاماً من تاريخها الحديث، فترفض ما لم يكن صائبا فيه وتبني خطوات جديدة على اللبنات التي تم إنجازها. إنها العافية والسلامة التي تجعل الشعور بأي وعكة بسيطة واضحا ومقلقا. واليمن برغم وعكاتها اليوم هي في طريق السلامة.

إنه بحق عيد الأعياد، عندما يشعر كل يمني بوجع أخيه، ويحتفل دون أن ينسى حزن من لم يتمكن من الاحتفال معه. إنه عيد، لشهر كان الجوع فيه مدعاة لتصفية المعدة والروح في وقت واحد، فيكون الاحتفال مهرجاناً للصفاء يتم فيه الجمع بين العلاقات العائلية وصلة الرحم مع أحداث الوطن وآفاق مستقبله.

الإعلام العامل:

الكل في إجازة ماعدا وسائل الإعلام، لايمكن للإذاعة والتلفزيون وهذه الصحيفة أن تتقاعس يوماً واحداً عن عملها، لذا بإسم القراء والمشاهدين والمستمعين، أسمح لنفسي هنا أن أوجه التهنئة إلى كل العاملين في محطات التلفزة والإذاعة والصحف الرئيسية العاملة، والمواقع الإلكترونية التي لم تتوقف عن تحديث نفسها كل ساعة، فهو عيد يستحقون التهنئة عليه لأنهم واكبوا ويواكبون لحظة بلحظة مايحصل في أفئدة أبناء وبنات اليمن، وينقلون إلى الآخرين نبضاته.

فكل صوت يحتج، أو يؤيد، أو يرفض، أو يشجع، أو يعارض أو يوالي، لا أهمية له ولا قيمة إذا لم يسمعه أحد. وهي نظرية إعلامية ثابتة، هذه الأصوات التي تحدثنا عن حيوية هذه الأمة وتفاعلها هي أصوات حملتها وسائل الإعلام فنشرتها على نطاق أوسع لكل أذن صاغية، ولكل عين قارئة أو مشاهدة.

عندما كانت وسائل الإعلام المتاحة هي وسائل ذات صوت واحد سابق للتعددية والديمقراطية، كانت الوسيلة الوحيدة لمعرفة أن شيئاً ما قد حدث هو البيان الرسمي الذي يعلن نفيه لوقوع حوادث ما في مكان ما من البلاد، فنعرف حينها أن تلك الحوادث قد وقعت. أما اليوم فإن أي تصرف غير مفهوم يتعرض للنقاش قبل أن يتضح مقصد فاعله. وأي صوت علا أو انخفض يجد من ينقله يصل إلى أقصى الأرض في ثوان قبل أن يرتد الطرف إلى العين.

إنها ثورة المعلومات التي تمثل وسائل الإعلام جزءاً كبيرا منها. فلكل عامل في هذا الأسبوع الذي يستمتع فيه بقية اليمنيين بالإجازة الممتدة أقول ثانية كل عام والإعلام والإعلاميين بخير، وأصواتنا فرحا أو ترحا عبرهم منقولة منا والينا والى العالم بأجمعه.

الوسائط المحايدة أو المؤدلجة:

كنت قد أشرت في مقالي الماضي بعنوان مكاسب نسائية رمضانية إلى ملاحظات لي على التغطية الإعلامية للأحداث التي يمر بها اليمن. وأشرت إلى أن تغطيات وسائل الإعلام المختلفة والعاملين بها معارضة أو موالاة، سواء منها تغطياتهم الخبرية أو التقرير للأحداث الكبيرة، لم تستوعب مختلف الأحداث ولا أعطت قدرة كافية على عكس الواقع الجديد. فاللغة التوصيفية لا تزال لغة قديمة شمولية، والحدث المنقول إلى الناس لا يزال مبتسرا يسيطر فيه الرأي والموقف المؤدلج، أكثر مما تسيطر فيه المعلومة والتحليل ونقل الصورة الحقيقية للناس.

على سبيل المثال، نجد أن حدثاً يتعلق باستخراج الكهرباء عبر استخدام المفاعلات النووية، أخذ تغطيات مبتسرة تتعلق بصلاحية الشركة الأمريكية الخليجية لتنفيذها من عدمه دون الحديث عن قضية الدخول في المعترك النووي الدولي السلمي نفسه كقضية تحتاج النقاش من جوانب متعددة، فمن ناحية يمكن بها الحل الجذري لمشكلات الكهرباء التي ظلت تؤرق الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ قيام دولة الوحدة وحتى في الأنظمة السياسية المختلفة للدولتين الشطريتين من قبل.

ومن ناحية أخرى يجدر بنا أن نطرح السؤال، هل يكون الحل الوحيد هو المفاعلات النووية؟، أم أن هناك طرقاً اتخذتها دول الخليج وهي مكلفة أيضا، يمكن أن نتبعها لحل مشكلات الكهرباء في اليمن؟. لم تقم وسائل الإعلام بفتح هذا الموضوع للنقاش حتى الآن من منطلق مصلحة الأمة وانما فقط من باب المكابرة إما معارضة أو موالاة.

وقضية تسريح خمسة وعشرين مدير مدرسة لأسباب يبدو أنها ذات علاقة بالفساد، لم تأخذ أي تغطية خبرية سوى خبر يتيم عن الحدث وكأن مثله يتم تطبيقه كل يوم. بينما تمثل التربية والتعليم مؤسسة من أقدم المؤسسات الإدارية اليمنية تزاوج فيها النظام التعليمي العثماني والإمامي والسلطاني والإنجليزي والسوفياتي والديني الوهابي أو الطائفي كما لم يحدث في أي مؤسسة إدارية أخرى سوى الحكم المحلي. فإذا بدأ العمل في تصحيح أوضاع هذه المؤسسة التربوية فإن ذلك قد يؤدي إلى إصلاح إداري ومؤسسي وسياسي هام، أو قد يؤدي إلى انتكاسات جديدة تضاف إلى مجموعة الكبوات التي أصابت هذه المؤسسة عبر تاريخ اليمن المعاصر. هذا واحد من المواضيع التي لا تزال وسائل الإعلام بمختلف مشاربها قاصرة عن متابعاته ومنحه الزخم الذي يستحقه.

وعلى نفس القدر من الأهمية، تأتي قضايا التقديم المتتابع لوثائق الذمم المالية إلى هيئة مكافحة الفساد، هذا الحدث الأكبر في تاريخ اليمن منذ تأسيس دولتها المتحدة، لم يحظ بأي اهتمام إعلامي يذكر. وبنفس القدر من الأهمية أيضا تكون مبادرة الرئيس في طرح مقترحات تتعلق بالتعديل الدستوري تحتاج منا جميعا لاستكمالها والاضافة اليها وإثرائها بكل ما يعتلج في أفئدتنا لنتوصل إلى حصيلة مستكملة تعبر عن أمنياتنا في أن يكتمل دستورنا، ويضمن حقوقنا كمواطنين ومواطنات تدار فيه دولتنا على أساس عقد اجتماعي هو الدستور.

ورغم كل شيء فإن عيون الإعلام الساهرة والمواكبة للأحداث هي التي تجعل اليمن اليوم في طليعة الأمم التي ينعكس صوتا مهما كان صغره ليعلو حتى يصل إلى مسامع الجميع فيهتز لألمه سائر الجسد اليمني في كل مكان. 

ثانية وثالثة عيد سعيد لكل القراء ولكل اليمنييين رجالا ونساءً، كلل الله جهودهم وأفراحهم باليُمن والبركة، وكل عام ونحن جميعا مع كل الأحبة بخير."""  الثورة ة ""

raufah@hotmail.com


في الأحد 14 أكتوبر-تشرين الأول 2007 05:06:31 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=2697