ما الذي تريد يا يمني النازف الجرح ؟
عبدالجبار سعد
عبدالجبار سعد

مأرب برس – خاص

في يوم من الأيام وفي فترة النصف الأول من الثمانينات .قرر الغرب ان يبحث عن مصادر للطاقة خارج منطقة الخليج الملتهبة التي كان إغلاق مضيق هرمز يعني بالنسبة له انقطاع أعظم واكبر مصدر من مصادر الطاقة العالمية وهو النفط عنها وإصابته بالشلل شبه التام اذأنه يعتمد على هذه المنطقة في إمداده بثلثي احتياجاته من النفط الرخيص .

وعندما قرروا كان اليمن واحدا من البدائل لا ستخراج النفط فيه بعد ان أشاعوا أننا لا نمتلك منه شيئا .. وتم اكتشاف واستخراج وتكرير وتصدير النفط في ظرف عامين أو نحوهما .. ومع النفط بدأت معاناتنا كيمينين التي لم تنقطع حتى اللحظة .. لقد كنا نعتمد على إيراداتنا الذاتية في تمويل موازنتنا العامة .. وكانت الجمارك المصدر الأعظم الذي يضاهي النفط في الفترة الحالية و إن وجد عجز أحيانا تم تغطيته .. بطرق سهله وميسورة وكان الأشقاء لا يبخلون حقيقة في تغطية النقص من واقع حرصهم على الأخوة ووفاء بالتزامات سابقة عليهم تجاه الشعب والدولة ..

وفي يوم من تلك الايام فوجئنا بقائل يقول أن احتياطياتنا من العملات الصعبة تناقصت الى حد العدم ولا طريق لنا إلا بترشيد إنفاقاتنا الخارجية منها وإنقاص استيرادنا .. وقررت جهات لا نعلمها قرارات غير رشيدة تلخصت بالتالي ..

أولا ..وضع قيود صاردمة على المستوردات .. وحصرها بموازنة سلعية لا تغطي حتى عشر حاجيات اليمنيين ..

ثانيا منع الاستيراد من غير دول المنشأ ..نهائبا

  ومن المآسي التي حدثت أول الأمر أن المنع توجه حتى إلى ماكان يرد من المملكة العربية السعودية من سلع مدعومة من قبل الحكومة هناك ويشتريها اليمنيون خصوصا المناطق المحاذية للملكة بثلث أو بثلثي السعر الحقيقي . وقد تم تلافي الأمر وصححتها عناية خاصة قادت الرئيس لزيارة المناطق الحدودية وعرض عليه الموضوع فاستثناها وإلا ماكان هناك أدنى أمل لكشفها وتصحيحها لأنها كانت مقصودة كغيرها .

ثالثامنع وتقييد كثيرمن السلع والمنتجات الزراعية لتشجيع الاعتماد الذاتي كما زعموا ..مماجعل نهريب الفواكه مثلا يشبه تهريب المخدرات للبلاد ..

رابعا .إلزام التجار المستوردين بتغطية كل مستورداتهم عبر البنوك بعملة صعبة يقومون هم بشرائها بعد أن كانت البنوك تقوم بهذا الدور وتشتري العملة الصعبة من السوق المحلية والخارجية وتغطي قيمة المستوردات ويدفع التجار قيمتها بالعملة المحلية .. و بعد أن كان سعر الصرف في السوق في غاية الاستقرار ..

هذه اهم التدابير التي وضعت للترشيد .. وهي التي افتتحت معاناة اليمن واليمنيين من الحقبة النفطية الملعونة .. ولا نزال نرزح صاغرين تحتها .

وتلك هي التبريرات التي وضعت للناس أما حقيقة الأمر .. فهو ان احتياطياتنا من العملات الصعبة لم تكن في طريقها إلى العدم إنما كان هناك ضعف في قدرة البنوك على التعامل مع التحويلات الخارجية من المغتربين وأصبح المغتربون يقومون بإرسال أموالهم عبر مراسلين يصلون إلى كل قرية ولا تظهر في البنوك التجارية ولا البنك المركزي أي سجلات وأرقام تبين أن هناك تدفقات نقدية من الخارج ولكنها كحقيقة رغم ذلك موجودة فعلا بالسوق .. والبنوك تقوم بشرائها وتغطي بها المستوردات بدون أي مشكلة ..

نقول أن السبب الحقيقي لكل هذه الترتيبات هو ضمان خلق أزمات لليمن مع ظهور النفط تحرمه من الانتفاع بها .. حتى لا يصبح عامل تهديد لجيرانه او على الأقل مستقلا عن هيمنتهم وتأثيرهم .. كما يرون هم .وقدتم لهم ماأرادوا للأسف .وصار النفط نقمة علينا وعلى بلادنا

وهكذا نزل التجار بالمئات لشراء العملة من السوق وبدأ السوق يشهد أزمة ثقة بالريال تعززها أقوال الرسميين وتدبيرات الحكومة وكل ما يشاع من أخبار كاذبة ومروعه .. حتى وجدت ظاهرة الاكتناز للدولار وغيره من العملات الحرة فمن كان معه أي مبلغ من المال قل أو كثر وبالريال اليمني نزل إلى السوق ليشتري عمله صعبة .. وهكذا وُجد طلبٌ عال للدولار وبسبب هذا الطلب غير الحقيقي والمخادع بدأ يرتفع سعره ارتفاعا مذهلا ومتسارعا وبغير حدود حتى وصل الارتفاع إلى أكثر من ستة ألف في المائة وبعد أن كان سعر الدولا ر في تلك الفترة ثلاثة ريال صار الآن قرابة المائتي ريال .. فيما ظلت الدخول على حالها .. وكل المعالجات التي عملت لتحسينها لم تبلغ بها حتى نسبة النصف من نسبة ما أحدثه ارتفاع الدولا ر من إنقاص لقدرة الريال الشرائية ..

إذن نحن أمام حال خلقه لنا أعداؤنا من خلال أصحاب القرار من مسئولينا في تلك الفترة سواء بعلم أو بغير علم .. ولقد حاولت أوضاع مابعد الوحدة تسوية بعض مشاكل هذا الحال .. خصوصا الترشيد .. لكن الحرب أجهضت المسار .. وعادت الأمور تسير على أساس نصائح عير أمينه من أعدائنا أيضا ومن خلال كثير من مراكز النفوذ والقرارفي البلاد يتم تمريرها واعتبارها حقائق مطلقة وغاب العقل الاقتصادي اليمني المخلص عن المسألة بالمطلق كأن كل الكفاءات التي تحمل الدكتوراه والماجستير لا شغل لها إلا ترداد مايقوله خبراء البنك الدولي وصندوق النقد والدول المانحة ..

معالجة هذا الوضع .. من جذوره هو المطلوب لجل مشاكلنا والتهيب من اتخاذ قرارات عميقة .. هو نتاج عقدة خوف يحاول أن يزرعها المفسدون ومن يدعمهم من الأعداء الذين يصدرون لنا الأزمات .. ليخلقوا حالة من الغليان والثورة التي تطيح بالأخضر واليابس .. في طريق مشروعهم الشرق أوسطي الكبير والفوضى الخلاقة ..

الأحداث الدامية التي تبعت ماسمي حينها بالمحاولات الاصلاجية لم تكن لتحدث لو أن المعالجات أخذت باعتبارها مجمل أوضاعنا وركزت على مصدر الداء وبدايته وأرادت إعادة الأوضاع إلى ماكانت عليه قبل هذه المشاكل المرعبة ..

الأحداث الدامية لم تحدث لان الدولة أرادت الإصلاح ولكنها حدثت لان الإصلاح لم يكن واقعيا ولم يكن محققا لحاجات الامه والشعب .

إن عقدة الخوف هذه تجعل كل عمل يسير باتجاه إرضاء ومداهنة الرأي العام الذي لايمكن أن يرضى بشكل مطلق الا بإرادة تغييريه وإصلاحية مخلصة للبلد وشعبه .. وليس لأصحاب المشاريع المجلوبة من الغرب ومن يعينهم عليها ..

نحن شعب بإمكاناتنا الذاتية نستطيع ان نقيت أنفسنا وقد كنا كذلك نفعل قبل ان يكون لنا نفط وكنا مكتفين و نستطيع أن نحقق سعادتنا بحدها المقبول . لا نحتاج إلى التسول لدى الغير الذين لم تغنهم وشعوبهم كل إمكاناتهم الهائلة وذلك جراء الظلم والفساد والخيانة والانحرافات المختلفة .. فكيف يغنون سواهم .؟

نحن لا نحتاج إلى استثمارات اجنبيبة للعمل على إنعاش اقتصادنا وهذه الرساميل يستحيل ان تاتي لهذا الغرض .. فرساميلنا الوطنية غنية الى الحد الذي لم تجد فيه أين توظف ماعندها بنتيجة الفساد فاضطرت إلى استثمارها في الخارج وهي تتألم على حال بلادها .. فكيف والحال كذلك نلجأ الى مغازلة الاستثمارات الخارجية ومعنا استثمارات تهرب من وطنها لما ترى وتعاني من فوضى النهب والسلب والتصرفات غير المنضبطة للكثير من أهل السطوة والنفوذ الذين لم يجدوا من يردعهم .. وتحكموا بكل سلطان الدولة وعطلوا كل أجهزتها عن العمل باستقلالية وعطلوا القضاء وعطلوا كل محاولا ت الإصلاح .. وباعدوا بين الحق وبين طلابه ..

لا يمكن ان يغامر المستثمر الخارجي الصادق وهو يعلم من المستثمر المحلي هذه الحقائق وكل دعاوى على حدوث استثمار من خلال المستثمر الخارجي هي دعاوى ودلائل حقيقة على وجود حالة نهب من خلال هذه الاستثمارات يقوم بها المستثمر الأجنبي لصالح قوى مهيمنة في الداخل ويحصل هذا المستثمر المأجور على حصته منها كأجير وليس كشريك .و من عنده حقيقة غير هذه فليقدمها وليقل لي هذا المشروع استثمار خارجي ناجح وسأقول له كم نهب من أراضي ومن إعفاءات .. ومن تسهيلات وماهي نسبة ماانجز من المشروع إلى ماتم الحصول عليه من أموال وإمكانيات الأمة والبلاد ..

فماذا نحن محتاجون إليه إذن لكي نحقق مانريد بإمكاناتنا .. ؟

 


في الإثنين 27 أغسطس-آب 2007 10:00:31 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=2411