شابع من بيتهم
مجلي احمد الجرباني
مجلي احمد الجرباني

يُـقال بأن الشعوب التي ليس لها تاريخ هي أكثر سعادة فـكيـف الحال بنا ونحـن أهل تاريخ بل وأهل جغرافيا وأيضــًا عما قريب سنصبح أهل ديموغرافيا أي كثافة سكانية, فرعى الله أيام كان التاريخ يلوك لباننا, والجـغـرافيا تـتعطر ببخـورنا, والديموغـرافيا تـتمرقـح بقهوتـنا.. والآن تحولت اليمن إلى جمهورية سيلا أسترس إدوليس – الإسم العـلمي للـقات, أصبحـنا قبائـل مرجانية الطبائع ترقـص على أزيز الـقـع قـــم، بلاد تـزوج فيها الدان بالدانة فكان المولود موتــًا فهذه هي أرض اليوم الواحد لأن طموحي لا يتجاوز عمره أربع وعشرين ساعة فـقط .. فكـل ما أحـلم به هو أن يمر هذا اليوم بسلام ودون دماء, فإذا انـقـضى حمدت المولى عـلى تحـقـيـق أمنيتي وأرجـو منه الـتمـديـد ليوم آخـر..

في اليمن يـتـعـدد العسل من حـيث النوع واللون والمذاق والثمن إلا دمي ودمك ودمائنا جميعـــًا نوعها واحـد, لونها واحـد, مذاقها واحـد, وثمنها واحـد.. والله ثم والله لا يُوجـد دمـــًا حراكيــًا أو حوثيــًا أو مؤتمريـــًا أو ناصريـــًا أو إصلاحيـــًا أو أشتراكيـــًا.. والذي رفع السماء بلا عمد لا يوجـد دمـــًا شماليـــًا أوجـنوبـيـــًا.. بل الدم المسفوك على التراب هو دم يمني اللون والطعم والرائحة وهو لا يقدر بثمن.. فمن يعقـل كلماتي وهي الآن ترقص عارية تحت عين الشمس وليست بحاجة لمن يقول لها ياسين بل لمن يحـتضنها...!!

ربما أصبح المواطن مثـل نملة صغيرة تدب على الأرض, لا تصدر صوتــًـا, عـمياء لا ترى حـتى طريقها, لكـنها تبذل قصارها لتستـشعر الدرب, وتـتحسس المعالم, ورغم هذا الجهد فـقـد ينـتهي مصيرها تحـت قــدم \" شابع من بـيـتهم \" وللأسف لا تحـظى الـنملة بشرف التطلع إلى أعـلى لترى حجم تـلك القـدم أو حـتى عـلى الأقـل قراءة النمرة...!! الأماني اعـتـكـفـت بداخـلـنا, ولم تعـد تطير خارج خارطة أجـسامنا, أو تـغادر عـتـبة أفـواهـنا, فالغـير يُجـهض أحـلامنا فـتـتساقـط مثـل أوراق صفراء عاطشة, فـتـدحـرجها ريح الخريف حـتى تستـقـر تحـت أقـدام ذلك الشابع, فـتـتهشم الأوراق دونما ألم لأنها ماتـت منـتصف الربـيع وإلا لما سقـطت, ويسمع الشابع صوت تهشمها تحـت أقـدامه فينـتـشـي ويُـطرب لهذا اللحـن ويتمنى سماعه مجــددًا فيكون ذلك الإحساس إيذانـــًا بنهاية نـملة أخـرى!!

وطني أنت \" عسل رأس موس \" ولن أذوق عسلك حـتى يُـهدر دمي!! كل هذا لأن حـلمي أن أحيا بك لا أن أعيش معك .. لأن الحياة بك معناها أن أربط مصيري بمصيرك, أما العيش معك فمعناه أن لك مصلحتـك ولي مصلحتي التي في الغالب قد تكون ضدك كما يفعل الآن بعض أبناء جـلدتي .. وطني أريد أن أعـشقـك, وما ألبث الانصهار فيك حـتى تـضربني موجة فـترجـمني من بحـورك مثـلما تـُـرجـم الصدف بحجة حمايتي من الغـرق.. هل ترى ياوطني حجم مصيـبتـي؟ يستـكـثرون عـلى عاشق مـثـلي الموت في سبـيل حـبك لأنهم قـوم لايؤمنون بأن من الحـب ما قـتـل!!

لطالما عاشرنا الدماء وعاشرتـنا دون عـقـد, وألـفـنا مضاجـعـتها, وطاب لنا مصاهرتها حـتى غـدت عـروســة يومية تـزف لـنا من هـنا وهـناك بمهر ودون مهر, أتـدرون أنـنا لو وضعـنا جـثامين قـتـلانا فوق بعضها لصنعـت سلمـــًا نرتـقي به إلى الـقـمر!! لذا يدور الآن في خـلدي سؤال.. ترى ماذا رضعنا من صدور أمهاتـنا؟ هل كانت تـلك الضروع تـدر الحـليـب يومــًا؟ أم أننا أتممنا حـولين كاملين نمتـص منها الدماء...!!؟ آآآآآآآآآآآآآه وألف آه عـليك يا وطني... وددت لو تمر سفينة نوح من هنا, فـنكون عـلى متـنها لتبحـر بنا إلى مكان غـير الذي دمـرناه, فـقـد أوحي إلي بأن هذه أرض موبوءة بالدماء, فإذ لم يكن.. فـليت لو يفـتـدينا ربنا بكـبش أملح لعل السكين ترفع حـدهاعـن رقـابنا..

Mujally2000@gmail.com


في الثلاثاء 17 سبتمبر-أيلول 2013 12:15:09 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=22076