الذاكرة اليمنية للتدخلات الخارجية ..على إيقاع فعاليات الحوار الوطني
عبدالوهاب العمراني
عبدالوهاب العمراني

لعل مِن نافِلة القولِ بأن أي نزاع داخلي يعدُ مُدعاة وعامِل جذب لتدخل إقليمي او دولي وبدون الخوض في تفاصيل ذك أو على اقل تقدير النوايا، وتحليل الاستراتيجيات فتلك من بداهة الأشياء.

وفي رصد أولي للتدخل الخارجي في التاريخ السياسي لبلادنا غير بعيد عن الذاكرة اليمنية شأنها شأن كثير من الأمم وليس في ذلك عيباً ، فاليونان صاحبة أول حضارة في أوروبا خضعت لحقب زمنية من قبل الأتراك ، كما ان العراق او الشام قلب الحضارة العباسية والأموية التي امتدت للشرق والغرب اُحتلت من قبل دول الجوار العربي تركيا وإيران والانجليز والفرنسيين وغيرهم ، وكذا مصر والمغرب العربي صاحبة حضارات سادت ثم بادت ولكن تلك البلدان وغيرهما تعرضتا أيضا في حقب متعاقبة لتناوب قوى الاحتلال لحين من الدهر وغيرها كُثر..

وعرفت بلادنا كغيرها من بلدان المنطقة التدخلات الأجنبية ابتداء من إيعاز الرومان لملك الحبشة بغزو اليمن تأديباً للملك اليمني ذو نوا الحميري الذي اعتنق اليهودية واحرق نصارى نجران مما حدى بالقائد اليمني سيف بن ذي يزن الاستنجاد بالفرس غير مدرك حينها بأن تلك الدعوة كانت بداية لأول تدخل فارسي في تاريخ اليمن ولم ينقذ اليمن منها الا سقوط الدولة الساسانية ودخول اليمن الإسلام.

وكما خضعت اغلب البلدان العربية للحكم العثمانية لحُقب زمنية طويلة فأن خصوصية الحكم العثماني كان على فترتين فالاحتلال الثاني كان برغبة من اليمنيين بعدما عرفوا سنوات من الفوضى عرفت بسنوات (الفلّتِه)!

وشهدت اليمن تدخلات لقوى إسلامية أخرى سابقة للعثمانيين كالأيوبيين على سبيل المثال الذين نقلوا نفوذهم للدولة الرسولية والتي كانت عاصمتها تعز وهم من بنوا قلعتها الشهيرة كما ان طغتكين ابن أيوب أخ القائد الناصر صلاح الدين هو من بنى سور مدينة صنعاء القديمة!

 كما ان مصر قد تدخلت في اليمن في ثلاث حُقب تاريخية مختلفة في عهد الفاطميين وحكم الملكة السيدة اروى بنت احمد ، وفي عهد حاكم مصر محمد علي باشا وكذا في العصر الجمهوري غداة الثورة اليمنية ، والتاريخ يعيد نفسه ولكن من قوى اخرى وبصيغ مختلفة فبدلا من إرسال جيوش جرارة ، غداء الأمر بصيغ حديثة كالطيارة بدون طيار وإرسال زوارق او بوراج ونحو ذلك.

ومن ضمن القوى الغربية التي تدخلت في شؤون اليمن في تأريخها الحديث عدة إمبراطوريات غربية بداء من البرتغاليين والطليان وحتى الانكليز في عدن .

وبطبيعة التدخلات في أصقاع العالم يكون في الغالب الخضوع في منتهاه إلى إحدى ثنائياته ، فكما كان في الماضي البعيد الأحباش والفرس ولاحقاً بين الدولة العثمانية وبعض القوى الغربية وفي العصر الجمهوري غداة الثورة أصبح اليمن مرتعا لصراع قوى إقليمية ثنائية الحرب الباردة بين المعسكرين وعربيا السعودية ومصر الناصرية وهكذا . وهو ألان بين قوى إقليمية من دول الجوار وغيرها فيما وراء الجوار وكان يفترض اللعب بأوراق الدبلوماسية بذكاء فالسياسة هي تليين المستحيل وليس من الحكمة ان ترمى كل الأوراق على طاولة واحدة!

واليمن منذ سنوات ومنذ عقد التسعينيات تحديداً الذي تزامن بعدة تحولات فداخليا كانت الدولة اليمنية الموحدة الوليدة التي تاهت بين سؤ تقدير من شاركوا فيها وعدم الدخول في شراكة جدية والانطلاق من اعتبارات ضيقة الأفق وتهميش الآخر وتضييق المشاركة الشعبية ونحو ذلك تزامن كل ذلك بتحولات دولية ، بنهاية الحرب الباردة ، وإقليميا بداء زلزال غزو دولة الكويت المدمر ، وكان للتسرع اليمني في اتخاذ قرار غير صائب إحدى عراقيل اندماج اليمن في المنظومة الخليجية وكان الأجدر الوقوف أما على الحياد كتونس او التنصل من موقف خاطئ كالأردن فرغم استحالة تغيير القيادة الأردنية ولكنها خرجت من تلك الأزمة كالشعرة من العجين ـ كما يقال ـ وحلبت! النظامين السابق حلباً منذ مطلع الثمانينات وحتى في عهد (العراق الجديد) ! إنها دبلوماسية عبقرية المكان فرغم قدر الأردن بكونه بين عواصف الجوار إلا انه كان المستفيد دائما بعكس اليمن المنزوي جغرافيا بين صحاري وبحار تنعكس للأسف مشاكل جيرانه عليه كالصومال والقاعدة في السعودية فقد غدا الحارس الأمين للجوار الإقليمي والدولي كما يقال وكان أمام اليمن طريقين بعد التورط في تسرعها بقرار الوقوف في الخندق المعادي للإجماع العربي مهما كان صواب ذلك من عدمه ، وهو أمّا الإعتذار الخارجي والإصلاح الداخلي ولكنه لم يكن هذا ولا ذاك ، فالشعب قد دفع الثمن لأكثر من عقدين فالأولوية كانت هي استمرار النظام بل وعلى أمل التوريث فيما بعد ، هذه هى منجزات اليمن خلال أكثر من عقدين !

وكان يفترض أن تجرى انتخابات عقب حرب 1994 وحينها كان سيخلد من شارك في الوحدة ، كما كانت الفرصة في انتخابات 2006م عندما كان المرحوم ابن شملان مرجحاً للفوز ولكن التحايل على سير الانتخابات ونتائجها افرز لنتيجة مسخ وهمية!

في هذا السياق شهدتّ اليمن وخلال اقل من عقدين تطورات أمْنية وهى الاعتداءات على مصالح غربية في اليمن وتهديد السواحل وضرب سفينة أمريكية في المُكلا ، وفيما بعد إنتعاش وتزايد حالات القرصنة بعد تداعيات أزمة القرن الإفريقي الصومال... كل ذلك جعل تركيز الإدارة الأمريكية على أمنها القومي من بوابة اليمن ، ولم تستفد اليمن من المساعدات الأمريكية إلا الفتات واغلب مساعداتها تصب فيما عرف بالأمن القومي الأمريكي في مداخل البحر الأحمر وعموم اليمن وبدأ حينها مسلسل الطائرة بدون طيار التي أنكرت القيادة اليمنية آنذاك مراراً ثم اعترفت تلك القيادة بأنها سمحت بذلك ! ومن ذلك التاريخ بداء التدخل السافر في اليمن.. ولو تأملنا مألات الربيع العربي الأخرى فلم تكن بهذا الشاكلة في التعامل مع الإدارة الأمريكية واستفادت من المساعدات الأمريكية السخية كالأردن ومصر وغيرهما بينما اليمن تنحصر تلك المساعدات في اغلبها بما يخدم المصالح الغربية والإقليمية سواء من القاعدة او غيرها وكذلك غدت اليمن وكيلة لجيرانها في مقارعة القاعدة حيث قام اليمنيون نيابة عنهم بهذه المهمة ، ولذا فالعون الخارجي ينحصر في معظمة في مساعدات الدول المانحة كالدول الأوروبية بصورة ثنائية او الاتحاد الأوروبي وكذا اليابان وغيرها ، لان هذه البلدان بقدر ما تأخذ وتعطي فأنها تدرك معاناة اليمن الاقتصادية.

وكأن مشكلة اليمن تنحصر في القاعدة وغيرها بينما همومنا تنموية في الدرجة الأولى إضافة لغياب الدولة المدنية العادلة وساد الفوضى والفساد الذي دب في كل مفاصل الدولة خلال أكثر من عقدين وهانحن اليوم نجني تبعات كل تلك الماسي ، بل العكس ففي مصر وتونس وبلدان غير نفطية أخرى وخلال السنوات المنصرمة شهدت تحولات تنموية لا احد ينكرها وكان لهيبة الدولة والقضاء تحديدا قبولا نسبياً لدى المراقبين إلا أن الإشكال كان في غياب الديمقراطية في حين كانت اليمن قد أخذت مساوي كل بلدان الربيع العربي ، حروب داخلية ست( قضية صعده) تزامن مع تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة وغياب دور المؤسسات، وسياسة المحاباة والمراضاة ، وخارجياً سياسة خارجية فاشلة بكل المقاييس سواء فيما يتعلق الأمر بدول الجوار التي سلمت كل أوراق اليمن ونجني ألان نتائجها في معاناة المغتربين وكذا العداء المطلق لإيران بحيث لم يضل هناك توازن اقليمي في علاقة اليمن بالقوى المؤثرة في المنقطة فكان من الأجدر في تخطيط السياسة في حال توفر وإعطاء صلاحيات لمراكز بحوث ودراسات ومستشارين ناصحين حينها كان ولربما توجه آخر مع تلك القوى الإقليمية ولاحترمنا الآخرون .

وأخيرا وغداة الاحتجاجات التي شهدتها الثورة الشعبية في اليمن فقد قُدر لربيع اليمن أن ينتهي بإرادة خارجية وموافقة داخلية وفق ما عرف بالمبادرة الخليجية وبرعاية دولية ، والتي لازالت تبعاتها إلى يومنا هذا. وفي هذا تدخل سياسي حميد فيما لو آلت الأمور لنهاية مرضية فبداهة فأن ذلك خيراً لبلد يفتخر سكانه بحيازة السلاح!.

وعليه فأن المنطق الواقعي لرصد سير سياستنا الخارجية والداخلية مع القوى الفاعلة داخل اليمن هى بداهة نتاج سنوات من القحط والجفاء بين الحاكم والمحكوم والرأي الواحد الذي آل لمثل كل هذه المآسي ، وليست كل المعوقات والتعثرات سببها وزراء الحكومة الحالية المؤقتة التي جاءت على تركة ثقيلة من العبث والفوضى لعقود مضت ، ولسان حال المنطق والحكمة هنا (فلا تزروا وازرة وزر أخرى) !.

من خلال فعاليات المؤتمر الوطني نأمل لكلمة سواء ودعونا نزرع الأمل والتفاؤل في أنفسنا فلعل اليمنيين سيثبتون للعالم صحة حديث الرسول الأعظم بأن الإيمان يمان والحكمة يمانية.  


في الثلاثاء 11 يونيو-حزيران 2013 08:06:50 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=20832