تعز.. خاطفة أم مخطوفة..؟!
رشاد الشرعبي
رشاد الشرعبي

برزت ظاهرة الاختطافات للأجانب إلى سطح الحياة اليمنية بعد عام 1990م، وكانت وراءها أهداف سياسية حسب ما قيل, لكنها تحوّلت إلى ثقافة قبلية وربما مجتمعية كانت تعز المدينة والمدنية آخر من نتوقّع أن يتسلّح بها.

لم تصدّق عيني الخبر حينما قرأته في رسالة تلفونية أن أجنبيين من مواطني جنوب أفريقيا يعملان لدى رجل أعمال يمني اختطفا في منطقة الحوبان بتعز؛ ويطالب الخاطفون بحقوق مزعومة تتعلّق بقطعة أرض, فكيف أصدّق والاختطاف للأجانب كان لايزال بعيداً عن تعز وثقافة وممارسة أهلها..؟!.

لم تكد تتوقف جرائم الاختطاف للأجانب واليمنيين وبالكاد تمكّنت وساطة قبلية من الإفراج عن الزملاء ياسين الزكري وأحمد الشميري وإبراهيم الأشموري الذين اختطفوا لأكثر من أسبوع لدى مجاميع قبلية في مأرب؛ وبدأنا نأخذ أنفاسنا لتأتي الصفعة من تعز التي ينتمي إليها الزكري والشميري للأسف!!.

قد تكون مطالب الخاطف وأتباعه مشروعة أو غير مشروعة, لكني لا أكاد أصدق أن وراء عملية الاختطاف برلمانياً، وأنه يسوق المبرّرات لمشروعية هذه الجريمة المسيئة إلى القبيلة والشرع والقانون وقبل ذلك لتعز والنائب البرلماني ذاته.

هل يُعقل أن نتشبّه بالآخرين الذين كنّا ننتقدهم لما يقومون به من أعمال خطف للأجانب واليمنيين ونصير مثلهم نبرّر لهذه الجرائم أن وراءها مطالب مشروعة أو ظلماً وإجحافاً وتعسفاً..؟!.

الاختطاف ظاهرة جديدة على القبيلة اليمنية وليست من عاداتها وتقاليدها, وخلال جلسة لي مع أحد مشائخ قبيلة عبيدة في مأرب ، تحدّث عن تقاليد كثيرة اندثرت جميعها،تؤكد وجوب حماية ضيف القبيلة والقبائل الأخرى والغريب عنها، ولم تكن تختطفه كما يحدث من بعد 1990م.

 فإذا كانت القبيلة اختطفت قيمها وعاداتها وتقاليدها الإيجابية؛ هل نقرأ «الفاتحة» على تعز ومدنيتها المخطوفة..؟!.. تعز اختطفت سكينتها وأمن ساكنيها وأمانهم, واختطف الأمل منهم ، تمهيداً لاختطاف المستقبل، ومُنحوا السلاح والإحباط والعنف واليأس والظلم والفوضى, ومازالت تُختطف من خلال حرب جديدة قديمة في جبل صبر الشامخ ما بين قريتي قراضة والمرزوح.

تعز مختطفة كثقافة وسلوك مدني وبساطة وتسامح لتتحوّل شوارعها وحاراتها وأحياؤها إلى مأوى للعصابات والمجرمين والخارجين عن القانون والفوضويين والمتعصّبين والعبثيين ورموز «اللقافة» والتهريج.

يتوجّب علينا نحن أبناء تعز قبل غيرنا أن نفكّ أسرها ونعيدها إلى حقيقتها كحاضرة مدنية وعاصمة ثقافية ومركز إشعاع لليمن كلها, طبعاً ليس بالبحث عن متهمين أو إلصاق التهم على من نعتقد أنهم يقعون في إطار المركز المقدّس.

أبناء تعز كيف سيستطيعون الحديث عن دولة مدنية تصدروا للثورة من أجلها والفوضى تعم مدينتهم ومحافظتهم, وكيف سينادون بسيادة النظام والقانون فيما بين أظهرهم من يختطف الضيوف الأجانب أو يحتجز قاطرات النفط؟!.

 وكيف سيتحدّث التعزيون عن رغبة اليمن بالأمن والإستقرار فيما أبناء قراضة والمرزوح يتبادلون القذائف على بُعد كيلومترات من مدينتهم؟!.

 تعز بحاجة إلى من يعيدها إلى طبيعتها المدنية وثقافتها الحضرية، ويعيد البساطة والتسامح إلى حياة أهلها وساكنيها, تعز بحاجة إلى سلطة محلية تمثّل إرادة أبنائها، وتحمي حقوقهم، وتحافظ على كرامتهم، ولا تتحوّل إلى ساحة صراع للمتصارعين إقليمياً.

علينا جميعاً أن نعترف أن تعز مخطوفة وليست خاطفة، مقهورة رغم وجود قلعة القاهرة فيها، وأكثر من يخطفها ويقهرها هم أبناؤها قبل غيرهم..!!.

rashadali888@gmail.com


في الأربعاء 29 مايو 2013 04:40:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=20631