شركاء صالح في تدمير الوطن
حميد غالب العبيدي
حميد غالب العبيدي

لقد مرت أحداث هامة في ضل حكم صالح سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو على مستوى الشأن الداخلي اليمني فكانت لها تداعياتها وأثارها في إحداث تغيرات عالمية هائلة . لكن ما يهمنا هنا هي تلك الأحداث التي كانت لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالشأن اليمني وأول هذه الأحداث هو تشكيل مجلس التعاون الخليجي عام 1982م كان هذا الحدث يمكن أن يكون لحظة فارقة ونقطة تحول إيجابية في حياة اليمنيين حيث كان بإمكان صالح أن يعمل ما بوسعه لتكون اليمن ضمن هذه المنظومة القوية المتماسكة المتقاربة المتشابه فيزداد الشعب اليمني بها قوة علم واقتصاد وقوة أمن واستقرار وقوة تكامل وتعاون وإخاء ولكن للأسف لم تكن مصلحة الشعب تقلق وتؤرق الرئيس صالح بقدر ما كانت تقلقه وتؤرقه مصلحة نفسه. أضف إلى ذلك حدث الحرب العراقية الإيرانية وحدث الحرب الأفغانية الروسية في الثمانينات من القرن الماضي حيث كان التعاطي مع هذين الحدثين من قبل صالح لا يصب في مصلحة الشعب اليمني أيضاٍ بل أن حرب الأفغان مع الروس وما صاحبه من دعم شعبي يمني مادي وبشري للمقاتلين الأفغان تحت رضا وسمع وبصر صالح تحول ذلك الدعم وخاصة البشري إلى كوارث جرعت الشعب اليمني الكثير من المصائب والمتاعب خاصة بعد انتماء مجموعة من اليمنيين الذين ذهبوا للقتال في أفغانستان إلى تنظيم القاعدة الإرهابي بزعامة أسامة بن لادن المشرف والمخطط العام للعمليات الإرهابية في العالم .

ثم تلا ذلك حدث مأساوي جديد لم يستطع صالح أن يتعامل معه ومع ما ترتب عليه من أحداث ليصب في مصلحة اليمن وشعبه وهو حدث غزو صدام لدولة الكويت الشقيقة في بدية التسعينات من القرن الماضي حيث كان هذا الحدث بمثابة الضربة القاضية للشعب اليمني لما ترتب عليه من آثار وتبعات ونتائج أضرت بحاضر ومستقبل الوطن أرضا وإنسانا فقد ألغت المملكة السعودية إتفاقيات كانت بمثابة الحصن الحصين للشعب اليمني بل إن دول الخليج قاطبة اتخذت آنذاك موقفا سلبيا تجاه اليمن وشعبه كل ذلك بسب سوء إدارة صالح لهذا الحدث. بعد ذلك جاء حدث الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م فاستبشر الشعب اليمني خيرا بل اعتبروه نهاية لكل مراحل البؤس والألم والمعاناة لكن للأسف فقد حول الرئيس صالح هذا الحدث العظيم بسوء نيته وإدارته إلى حقل ألغام يفجرها متى ما شاء وكيفما شاء ففجر صالح اللغم الأول عندما لم يستكمل الضمانات والإجراءات الضرورية واللازمة عند التوقيع على اتفاقية الوحدة ،وفجر اللغم الثاني يوم أن أجبر علي سالم البيض بسوء إدارته لدولة الوحدة على إعلان الانفصال ، وفجر الغم الثالث يوم أن غيب دولة الوحدة اليمنية بكل مؤسساتها واستبدالها بالفوضى العارمة والوساطة والمحسوبية والولاءات الضيقة ،وفجر اللغم الرابع بعد حرب 1994م فبدل أن يضع خطة شاملة لمعالجة آثار حرب 1994م وضع خطة شاملة لكيفية ابتلاع الجنوب والجنوبيين فمارس ضدهم أعنف أنواع الظلم والقهر والفساد والاستبداد وأعنف أنواع الإقصاء والتهميش ومصادرة المنازل والأراضي ونهب ثروات ومقدرات الشعب الجنوبي دون أدنى رحمة منتهكا كل حقوقهم وحرياتهم وصولا لطمس هويتهم وضياع قضيتهم ، وفجر اللغم الخامس يوم أن سلم مناطق هامة في محافظة أبين لربيبه تنظيم القاعدة الإرهابي مصحوبا بالدعم المادي والمعنوي لإقامة ما يسمى بالإمارة الإسلامية في دولة الجنوب ،

وفجر اللغم السادس حين خيب ظن الجنوبيين بالوحدة بعد أن كانوا يتوقعون بأن دولة الوحدة بزعامة صالح ستحقق لهم ما حرموا منه قبل ذلك ولكن للأسف فقد قضى صالح على كل آمالهم وأحلامهم الجميلة بل أوصلهم إلى قناعة بأن الوحدة بالنسبة لهم أصبحت هلاك محتم وبهذا خرج الجنوبيون قبل الثورة اليمنية الشعبية السلمية بحراكهم السلمي مطالبين بحقوقهم كاملة أو بفك الارتباط ، وفجر اللغم السابع حين ظهر جناح الحراك الانفصالي المسلح بزعامة علي سالم البيض المدعوم من إيران وبرضا مطلق من صالح . بعد ذلك جاء حدث الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية من قبل تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن والذي أعقبه إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الحرب على الإرهاب في العالم فاستغل صالح هذا الحدث لصالحه وضد مصلحة شعبه وبلده فأصبحت اليمن حينها مرعى للتدخل الأمريكي والأجنبي فانتهكت سيادة اليمن واستقلاله وعان الشعب اليمني أشد المعاناة مقابل دعم صالح بالمال وتدريب وتسليح بعض الأجهزة العسكرية والأمنية الخاصة به لمحاربة ما يسمى الإرهاب في اليمن.

ومن تلك الأحداث الحروب الستة التي قادها صالح ضد محافظة صعده وأبنائها والتي زادت من معانات اليمنيين إلى حدٍ لا يكاد أن يصدقه أحد تلك الحروب التي أكلت الأخضر واليابس وفيها قدم الشعب اليمني وأخص بالذكر أبناء صعده أغلى ما يملكون من الإمكانات المادية والبشرية فقد قتل وجرح فيها عشرات الآلاف من أعظم شباب ورجال اليمن ومثلهم مشردين ومفقودين والآلاف من المنازل المهدمة إضافة إلى ما سببته تلك الحروب من جروح عميقة وأحقاد وثارات مزمنة بين أبناء اليمن الواحد . ومن تلك الأحداث أيضا حدث ترسيم الحدود بين اليمن ودول الجوار السعودية وسلطنة عمان فلم يشعر الشعب اليمني بأي تحسن ولم ينتج عن ذلك الترسيم أي اتفاقيات مثمرة يمكن أن يستفيد منها الشعب اليمني في حاضره ومستقبله. والذي نستطيع أن جزم به أن المستفيد الوحيد من ترسيم الحدود هو صالح ومجموعة محدودة من نظامه .

ننتقل بعد ذلك إلى أحداث الانتخابات اليمنية التي جرت في عهد صالح سواء الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية تلك الانتخابات التي ضج بها الكون وتحدث وسمع بها القاصي والداني لم تكن سوى ديكور مزيف وكذب حقير تم بها شرعنة إجرام صالح ضد شعبه ووطنه فماذا استفاد الشعب اليمني من حدوث تلك الانتخابات المتعددة على مدى ما يقارب ثلاثة وثلاثين عاما لم يستفد منها سوى تكرار إنتاج الظلم والفساد والاستبداد وإجرام الحزب الواحد فكلما جرت انتخابات أعقبتها مباشرة معانات وآلام جديدة لم تكن موجودة فيما سبقتها من انتخابات . بل أن مؤسسات الدولة وهياكلها اختزلها صالح في شخصه لخدمته وتحقيق أهدافه حتى وإن وجدت هنا أوهناك بقايا مؤسسات وهياكل إدارية فهي صورية فاسدة فاشلة مهمتها مضاعفة معاناة الشعب اليمني أضف إلى ذلك أن الرئيس صالح استطاع أن يستغل دعم الدول الشقيقة والصديقة لليمن لا لتصب في مصلحة شعبه ووطنه بل لتصب في مصلحته الشخصية بل وصل به الحد إلى أن يقدم لبعض الدول الشقيقة والصديقة خدمات وتنازلات تضر بمصلحة الوطن مقابل دعم شخصي وعائلي.

بعد ذلك ننتقل إلى الأحزاب والجماعات السياسية والقبائل والمشايخ والوجاهات والشخصيات الاجتماعية بكل مخرجاتها الأيديولوجية والفكرية والثقافية كل هؤلاء لم يستطيعوا أن يقدموا للشعب اليمني شيئا مفيدا أو حتى يخففوا عنه بعض معاناته بل أكاد أجزم أن جميعهم دون استثناء قد شاركوا صالح في الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه والسبب في ذلك أن صالح استطاع أن يحولها إلى أطراف متصارعة متناحرة مختلفة فيما بينها كل طرف منشغل بنفسه غارق في مشاكله باحث عن مصالحه خاصة بعد أن قسمها صالح إلى جهات موالية له وهم الأكثر عددا يحضون بالدعم المطلق من قبله وإلى جهات معارضة له محرومين من كل دعم بل ويمارس ضدها الإقصاء والتهميش والحرمان من الحقوق بإلاضافة إلى إثارة المشاكل والفتن وإحياء بؤر التوتر والخلاف فيما بينها بغرض إضعافها عن أداء دورها المعارض كما يجب وبالتالي انحرف مسار هذا التنوع الحزبي والشعبي والقبلي ليصبح ورقة وشبه ورقة بيد الرئيس صاح يستخدمها في تحقيق أهدافه ورغباته أو على الأقل إطالة عمر نظامه مجبرة كانت أو غير مجبرة ومن هنا نستطيع أن نحمل مسؤولية الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب اليمني الرئيس صالح وإلى جانبه أطراف أخرى داخلية وخارجية صحيح أن الرئيس صالح مسؤول أدبيا وأخلاقيا عن كل الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب اليمني لكن بلغة المنطق والعقل والواقع نقرر من وجهة نظرنا تقسيم الجرائم التي ارتكبت في حق الوطن أرضا وإنسانا بين الأطراف المعنية بالنسب كالتالي : 70% من نسبة الجرائم يتحملها صالح ونظامه وحزبه وحلفاؤه والداعمين له والمشايخ عموما و15% تتحملها السعودية وإيران وأمريكا و15% المشترك وشركاه وبعض المكونات الإسلامية المذهبية التقليدية . من هذا وذاك نستطيع أن نقول إن الرئيس صالح فشل متعمدا في إدارة كل الأحداث والعلاقات المتعلقة بمصلحة اليمن وشعبه سواء الداخلية او الخارجية المباشرة أو الغير مباشرة والسبب أن صالح منذ أن تربع على كرسي الحكم لم يكن في باله وهمه تطوير بلده وإسعاد شعبه بل كان يحمل هم ترتيب وضعه وتأمين نفسه وحكمه هو وعائلته وفعلا لقد نجح صالح من وجهة نظره فقد رتب وضعه مع الجميع في الداخل والخارج وأمن نفسه وحكمه من الجميع بل لم يترك جحر ضب يشعر أن الخطر سيأتيه من قبله إلا طرق بابه ورتب وضعه معه وأمن حكمه منه مستخدما في ذلك العصا والجزرة معا ومع شدة الحيطة والحذر من قبل صالح إلا أنه وقع في أخطاء قاتلة لم يتنبه لها والسبب ذنوب جهله وطغيانه وظلمه وفساده وعناده فلم يرتب وضعه مع الله الذي يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء،

ولم يرتب وضعه مع أصحاب الأيدي المرفوعة والدموع المنهمرة في جوف الليل من أبناء شعبه المظلومين المقهورين المرضى والجائعين ولم يرتب وضعه مع أسرته وعشيرته اللتان تنكر لهما واعتقد أنه سيسحقهما بسهولة إذا اقتضى الأمر ولم يرتب وضعه مع رياح أفريقيا الثائرة رياح تونس ومصر وليبيا فجاءته الثورة من حيث لم يحتسب فخلعته شر خلعة وكادت أن تخلع نظامه وحزبه وحلفاءه وتخضع كل من تلطخت أيديهم منهم إلى المحاكمة العادلة لكن المبادرة الخليجية جاءت مسرعة لإنقاذ الموقف فقد كانت بمثابة صك غفران ووسام نهاية خدمة لصاح فأقرت مجبرة خلعه خدعة وتهدئة لنفوس ومشاعر شعب اليمن الثائر مبقية على نظام وحزبه لاستكمال بقية مشاهد المسرحية ولحاجة في نفس يعقوب ومن هنا نقول يجب ألا تمر حقبة حكم صالح هكذا مرور الكرام وتنتهي بمجرد خلعه من الحكم لذلك نحن نستغرب من بعض أصوات النشاز التي تنادي بنسيان أو تجاوز الماضي والتحدث عن الحاضر والمستقبل فنقول لمن يريد أن تمر فترة حكم صالح دون الوقوف عندها ودراستها وتقييمها وأرشفتها إما أنك شريك لصالح فيما ارتكب في حق شعبه ووطنه وإما أنك فاقد الضمير والإحساس وإما أنك كنت ميتا طول فترة حكمه وبعثت بعد خلعه من الحكم .


في الإثنين 01 إبريل-نيسان 2013 05:34:45 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=19789