الحراك الجنوبي.. ومنطق الوحدة والانفصال وما يجب أن يعلمه اليمنيون!
رياض الأحمدي
رياض الأحمدي

من يشاهد قناة عدن لايف لدقائق أثناء مروره بالصدفة عليها، يكتشف إلى أي مدىً هناك جرائم ترتكب عبر الإعلام، حيث التحريض على القتل وزرع العنصرية والتزييف والشحن المتواصل والعمل الذي يهدد السلم الاجتماعي في اليمن . دون وازع.. ومعروف في عالم الإعلام إن الناس يصدقون الكذبة التي تُقال عشر مرات ولا يصدقون الصدق الذي يُقال مرة واحدة. فما بالكم أن قناة عدن تردد الكذبة آلاف المرات؟

الكثير من اخواننا في الحراك تعبأوا بشحنات مناطقية تكفي لجعل البعض منهم يقتل أو يرمي بنفسه في طريق تم تزيينه عبر وسائل الإعلام..

لم تعد المشكلة هناك مظالم ولا هي سوء فهم يحتاج لتوضيح عاطفي يرضي الحراكيين.. لقد كانت الثورة أكبر برهان على أن الشعب بشماله وجنوبه وشرقه وغربه يرفض الظلم والإقصاء ولا يهمه بمن يمسك السلطة، بل أثبت أنه يرفض ما قامت به العصابة التي تحكمت بالبلاد بعد 94، ويريد رئيساً جنوبياً، ليثبت لأولئك أصحاب الحجج الحراكية أن الوضع غير ما يروجون.

كنت شخصياً مطلعاً منذ وقت مبكر على طبيعة ما يجري في المحافظات الجنوبية، وأعلم أن الحراك الذي انطلق بمطالب مشروعة لم يعد حراكاً مشروعاً.. وبالتأكيد، كانت سياسات نظام صالح ما بعد 94 وتعامله مع التطورات هي السبب الرئيس الذي أنتج كل ذلك، وهذا هو الدافع الأبرز الذي جعلني ثرت على النظام وجعلني أرى في بقاء علي عبدالله خطراً محدقاً،وأن أهم ما يفعله الشعب لإصلاح الأوضاع هو إبعاد صالح والتغيير لقيادة تكون بشكل رئيسي من أبناء المحافظات الجنوبية.. باعتبار أن صالح يعد من عناوين ما قبل 90، ويجب أن يؤكد الشعب أن الوضع ليس سيطرة شمال على جنوب ولا منتصر ومهزوم، بل فشل وفساد عصابة سياسية أضرت باليمن كل اليمن.

يقوم ناشطو الحراك بإغراق المثقفين والإعلاميين والسياسيين بإدعاءات وتظلمات لا علاقة لها بالواقع.. وقد آثروا على الداخل والخارج في جعله يصدق ويتعاطف معهم، لكن المتابع لأبرز التحولات يدرك أن القضية والمطالب التي يرددها خطاب الحراك الانفصالي ليست سبباً حقيقاً ولا هي بتلك الصورة التي يصورونها، كما هناك أسباب وقضايا تجري في كل بلدان العالم.

ولابد أن ننبه لأمور هامة:

أولها: إن معالجات الأوضاع في المحافظات الجنوبية قد بدأت منذ اندلاع الاحتجاجات في 2007 وقد شكلت السلطة العديد من اللجان للنظر في المظالم، ولكنها لم تستطع القيام بكل واجبها، بسبب تصاعد الدعوات الانفصالية ولأن إرضاء الجميع غاية لا تدرك... ووصلت المعالجات الخاصة بالقضية الجنوبية أعلى ذروتها وسقطت حجج المطالب الانفصالية عندما قام الشعب بشماله وجنوبه بإنزال رأس السلطة الذي كان سبباً في وصول الوضع إلى ما هو عليه. وسلمها لرئيس من أبناء المحافظات الجنوبية. وعندها فقدت حجج المطالبين بالانفصال مصداقيتها وكان يفترض بالمواطن الصالح في الشمال والجنوب أن يضع فرصة للعهد الجديد.. لكن الأيام أثبتت أن أولئك المطالبين بتمزيق بلادهم لا يقبلون إلا بتمزيق البلاد.. فحديثهم الآن عن أن بعض القوى لا تزال في صنعاء، ما هو إلا حجة واهية جديدة يتبجحون بها ويسعون من خلالها لتفتيت جميع القوى الرافضة للتمزيق بدعوى أنها فاسدة أو أنها ضمن النظام السابق.

إن من يطالبون بتمزيق البلاد ليسوا بأصحاب حقوق ولا مظالم وإن وجدت.. بل هم أصحاب أحلام متحولة ومتأثرون بتعبئة سنوات رسخت لديهم ثقافة مناطقية بدلاً عن الثقافة الوطنية، وهم ثائرون ضد المتهم غير المناسب، ومشغوفون بتمزيق البلاد، وهم لا يحتاجون للانجرار معهم لإثبات حسن النية ولا لأن يثبت لهم المواطن في الشمال أنه تعرض للظلم.. لأن ذلك أمر قد قفزت عليه التطورات.. وبشكل اوضح:

لا يحتاج الجمع المحتشد للانفصال إثبات الشمال أنه مع حقوقهم وضد التعسف والأخطاء التي حدثت. بل أصبحوا الانفصاليون بحاجة لأن يعلموا علم اليقين أن الأغلبية التي سكتت عن دعواتهم وتضامنت مع مطالبهم لإيمانها بأخطاء النظام السابق وفي سلسلة إثباتات تنفي من خلالها الاعتقادات الخاطئة.. هذه الأغلبية ليست راضية ولا متهاونة مع تمزيق الوطن عندما تبدو أكثر جدية.

ذلك أن الحركة الانفصالية التي استعصت على كل المعالجات استمدت صمودها وأحلامها من خلال ما لمسته من تساهل شعبي في الشمال والجنوب ومن تعاطف نخب تتعامل مع مطالبهم بطريقة غير جادة.. وأصبحت تعتقد أن بإمكانها أن تعيد تقسيم البلاد لتشبع.. ومن دافع عن مصالح السواد الأعظم من الشعب يصبح مداناً وشمالياً ومحتلاً ويتم سلقه بألسنة حداد وإرهابه بمختلف التهم..

هؤلاء لا يدركون أن ما جرى في العام 90 هو إعادة لحمة شعب واحد وإلغاء للحدود التي رسمها الاستبداد الإمامي والاستعمار البريطاني وإلغاء لدولتين لا دولة، وقيام دولة جديدة على أرض تاريخية وهوية واحدة، أصبح بموجبها كل شبر من أراضيها ملك لجميع أبناء الشعب ولا يحق لأي من أبنائها أن يقوم بهدم جزءٍ منه على حساب المصلحة العليا للوطن والإدعاء بالوصاية عليه.. ذلك أنها سفينة واحدة ومحاولة خرقها أو قطعها هو أمر يغرق السفينة بمن عليها ولا يؤثر فقط على الجزء الذي يريد التقوقع والاستفراد بالثروة.. وبالتالي يحق للسواد الأعظم من الشعب أن يواجه أي مجموعة تريد الإضرار بمصالحه..

وقد قيل: تنتهي حريتك عندما تنتهك حرية الآخرين. فما دمت تعتقد أن من حقك تمزيق الوطن، فمن حق الآخرين أن يحافظوا على وطنهم. وما دمت تعتقد أن التمزيق هو الحل الوحيد، فمن حق الأغلبية أن توقفك عند حدٍ.. وقد مضى أكثر من 20 عاماً أصبح فيها جيل لا يعرف شيئاً عن الماضي ولا يملك إلا أن يعيش على وطنه الموجود.. فالقول: لماذا لا يخرج المواطنون فيما يسمى "المحافظات الشمالية" للمطالبة بالانفصال؟ هل لأنهم يستفيدون من "الجنوب".. هو تساؤل ينطلق من الأفق الضيق الذي تم ترسيخه عبر مراحل، وعبر ألوف العملاء وأصحاب الحسابات مع الماضي.. فالثابت الواقعي هو أن اليمنيين لم يعودوا يؤمنون بشمال أو جنوب، وإنما جرى ما جرى من الأخطاء جعل المشاريع الصغيرة تتحرك وتنادي بشعاراتها وتضلل البسطاء وتتاجر بمظالمهم.. وقد قال الشعب اليمني: نحن مع الحقوق وإرجاع المظالم ومعالجة آثار التشطير.

وأن تأتي مجاميع متحولة مهما كان حجمها تريد فرض رأيها على الأغلبية بحجة أنها تسكن جزءاً من الوطن وتريد الوصاية عليه، فمن حق الدولة وأغلبية الشعب أن تمنعها من ذلك وتردعها بالقوة.. سواءً قامت بذلك الدولة أو انفلتت الأوضاع ودخلت منحى حرب أهلية.. وهذه أمور ستحدث أراد من أراد ورفض من رفض..

فالانفصاليون اليوم أصبحت مطالبهم تنطلق من اعتقادهم أن الشعب سوف يسكت عن تمزيق البلاد.. وذلك وهم ناتج عن التنظيرات الإمامية الحوثية والكتابات والتصريحات الساذجة التي لا تأخذ مطالبهم بجدية وتتعامل معها بعاطفة ستدفع ثمنها لاحقاً وتعلم أنها كانت مخطئة والانفصاليون ينظرون لـ"الشمال" من خلال أفقهم الضيق وفهمهم لما أسموه "جنوب".. فإذا كنت تريد إعادة "جمهورية اليمن الديمقراطية"، فمن سوف يعيدني إلى وضع قبل 90، ويعيد "الجمهورية العربية اليمنية"؟ مثلاً!.. وإذا كان من حقك أن ترمي بنفسك من أجل تمزيق الوطن فمن حق الآخرين أن يقدموا أرواحهم من أجل وحدة الوطن.

ونكرر: بكل ثقة وبعد تعمق ومتابعة ودراسة .. وسيدركها الجميع ولو بعد حين.. "القضية الجنوبية كذبة ترددت ألف مرة.. فصدقها الجميع، في الجنوب والشمال والشرق والغرب.. وفي الأصل هناك قضية يمنية والمظالم والحقوق موجودة في كل مدينة ومن كل الأسباب السياسية والاجتماعية .. وإنما هم من صنفها على أساس مناطقي.

حرب 94 حدثت كما تحدث جميع الحروب في التاريخ.. ولا يمكن أن يعود التاريخ إلى الوراء.. ولن أتحمل تبعات الخلافات وملفات الماضي"..

ماذا تريد؟. تمزيق الوطن فقط!.. أنا لا أريد وأنا مرتبط معك بمصير واحد، ألا يحق لي أن أمنعك..؟

ثم في أي ميزانٍ تضع أهدافك؟ القيم الإنسانية والدينية والأممية؟ أم القروية العنصرية التي تجعلك تظن أن بإمكانك أن تهنأ عندما تسيطر على ثلثي دولة بجزء من السكان لتنتفخ؟..

إذا كانت مبرراتك حقوقية ومشروعة وتريد إصلاح وضع، فالجميع معك لاستخراج حقوقك وإصلاح الوضع ومن حقك أن تطالب بتسلم السلطة لتتمكن من الإصلاح؟. ولا يحق لك أن تطالب بغير الحقوق وإصلاح الأوضاع.

إذا كان مبررك أنه يوجد في المنطقة الذي ولدت فيها بعض الثروات، وتريد الانفراد بها، فهذا غير مقبول دوليا وإنسانياً، لأنك لست الأول الذي يشعر أنه يريد الاستئثار بالثروة والمساحة ففي كل دولة تتركز الثروة في بعض الأجزاء، ولكنها ملك جميع الشعب، ولو سمحت السعودية أو أمريكا أو أي دولة لأحلام أمثالك العنصرية المتقوقعة لتمزقت كل بلدان العالم ولكن الفارق أن تلك الدول أسكتت النزعات الأنانية العنصرية المتحولة وحجمتها وأنت وجدت وضعاً منفلتاً ارتفعت فيه أصوات النزعات العنصرية والمناطقية التي توقفها وتحاربها جميع الدساتير والنظم والأديان والقيم..

أتعرف أن قوتك الآن مستمدة من عدم تصديق الناس في الداخل والخارج أنك بالفعل تقصد ما تقول من مطالب عنصرية وغير منطقية؟..

إذا كانت مبرراتك.. أنك لا تقبل ولا تريد العيش مع أغلبية الوطن الذي تنتمي إليه، وأنك ضمن أقلية تشعر بالتميز والحق بالحياة ويجب إبعاد الآخر، فأنت مصاب بمرض العنصرية، ويحق لأكثر من عشرين مليون مواطن أصدرت حكماً بإدانتهم أن يقتلعوا الأقلية التي تشعر بتميزها عنهم.. على الأقل من باب الانتقام للنفس! هل أنت قادم من الفضاء؟. وهل أنت مخلوق من غير التراب الذي جاء منه الآخرون..؟

إذا كنت تريد السيطرة.. فاسع إلى السيطرة، وإذا كنت تريد إرجاع الحقوق، فاطلب ما تريد.. ولكن لا يحق لك أن تهدم وطناً لمجرد أنك تريد..

هذا حديث ليس المقصود منه التبرير أو التهديد.. هذا المنطق الواقعي يجب أن يقرأه المتحولون الذين أصبحوا يعتقدون أن الأمور تسير بتلك السهولة وأنه بالإمكان الاستهانة بشعب وتدمير بلد لمجرد أن بعض أبنائه أرادوا ذلك، ومن يعقل، يفهم أن هذا الكلام على ما قد يحمله من قسوة هو أمر يجب قوله والتنبيه إليه حرصاً على وطننا بشماله وجنوبه وشرقه وغربه.. وحتى لا تبلغ الانحرافات أبعد مما وصلت إليه..

لا أقفز على الواقع واخترع الأعذار، أتحدث عن أمر واقعي وهو حركة انفصالية تريد تمزيق الوطن والحصول على ثلثي مساحته بخمس السكان، ومشكلة الناس هو أنهم لم يصدقوا بعد أن هؤلاء بالفعل يريدون هدم البلاد والاستهزاء بأغلبية مكونة من أكثر من عشرين مليون إنسان يسمونهم "شماليين"، وكتابنا يستهزأون بمصالح الأغلبية وينصبون أنفسهم محامين لانحرافات الأقليات التي تدعي المظلومية وتريد فرض رأيها على المواطن في الجنوب والشمال.. أليس من حق الأغلبية عندما تحين ساعة الجد أن تبدأ بمحاسبة الأصوات التي تواطأت مع أصوات التخريب؟.

ليس من يطالب بالانفصال صاحب حق، ولكنه يطالب والناس الطيبون يخترعون له الأعذار فيبدو وكأنه صاحب حق.. وليس كل من صفوف الحراك عنصري أو يريد التخريب.. لكنه تعرض لغسيل دماغ إعلامي وفكري وتضليل واسع في عصرٍ وسائل الإعلام فيه توجه في اليوم الواحد ملايين المعلومات والمؤثرات بين الحق والباطل.. وفي علم النفس أن الإنسان، أكثر الإنسان، يمكن أن يكون في هذا الصف ويمكن أن يكون في نقيضه، بحسب ما يتلقاه من معرفة وبحسب المؤثرات الموجهة إليه.

"والكثير من الناس أبرياء، ولكن يتم غرس العنصرية فيهم عن طريق إشعارهم بالمظلومية والتبشير بالانتفاخ كما يفعل الانفصاليون. والإنسان، أي إنسان، يشعر بالمظلومية، فهو لا يستطيع الحياة إلى الأبد ولا مسابقة الطير مثلاً. ويظل الإنسان يبحث عن سبب.. فكانت الوحدة سبباً مغرياً ليفسر البعض للناس سر تعاستهم.. وهذا ليس إنكاراً للحقوق المسلوبة والانتهاكات في السنوات الماضية التي دفعت البعض للحديث عن الانفصال، كل شيء يؤتي من أبوابه"..

تقول توكل كرمان إنها مع الجنوب فيما يريد. ويبدو وكأنها مع دعوات الانفصال، لأن هذه التسمية تمزيقية في الأساس، وتوكل تسير مع الموجة وتنسى أنها تهزأ بأغلبية الشعب شمالاً وجنوباً وتتواطأ ضد وطنها.. وليس المقصود الأستاذة كرمان، ولكن كمثال على تيار عريض من النخب اليمنية لا يأخذون الأمور بجدية ومسؤولية.

ويكفي أن نضع للجميع الرؤية التي ننطلق منها، ونلخصها بما كتبه المفكر والأديب غائب حواس، ليعلم الناس كيف يقول ما يسمونه "شمال"، ويقرأ كل حراكي كيف أن ما يرددونه غير دقيق:

يقول غائب:

"مهما أطلق المطالبون بالإنفصال من الحُجَجِ ومهما قدّموا من المبررات فأنا لا أستطيع أن أسلّم لهم أن تشطير أيّ وطن - سواءً اليمن أو غير اليمن - أفضل من وحدته كما لا أستطيع أن أسلّم لمن يدعو لتشطير بلده أنه مناضل أو صاحب قضية شريفة أو عادلة تحت أي ظرفٍ .

هناك حلولٌ وخياراتٌ عِدّة أَمَامَ دعاةِ التشطيرِ، فحين يقولون إن السلطة متركزة في الشمال نقول لهم عن طيب خاطر: فلينتخب الجنوبيون وحدهم قيادة شاملة من مدير المديرية إلى رئيس الجمهورية من الجنوبيّين وحتى إن كان البيض نرحب به رئيساً ، وحين يقولون إنّ أن الشمال ضمّ وألحقَ الجنوب نقول لهم عن رضا وفخر نطالب أن يضمنا إخواننا في جنوب الوطن ويلحقونا بهم ولهم القيادة ونحن رعايا لهم وبكل فخر واعتزاز، وحين يقولون أنّهم أقلُّ سُكاناً وأكثر ثروةً نقولُ لهم احتفظوا بثروة المحافظات الجنوبية لأبناء الجنوب وفق قانون دستوري ينظم هذه المسألة كلّ هذا نقبله من أجل المحافظة على مبدأ الوحدة التي سيكون حسابنا جميعاً عسيراً أمام الله والتاريخ إن نحنُ نكسناها وذبحناها بعد أن أخرجها الله لنا - بفضله - إلى الوجود". (انتهى).

هل ما زال الحل هو التمزيق؟.


في الخميس 14 فبراير-شباط 2013 01:45:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=19277