وعود الجنرال..
د.مروان الغفوري
د.مروان الغفوري

هناك ما يشبه الطرفة التاريخية. فمنذ العام 1993 استقالت الحكومات الأميركية عن كل أدوارها المتعلقة بالرعاية الاجتماعية. يقول المفكرون الأميركيون: بعد أن تأكدت أميركا من سقوط الاتحاد السوفيتي تخلت عن الرعاية الاجتماعية. كانت تستخدمها كأداة من أدوات الصراع ضد المنطق الشيوعي الذي يقدمه الاتحاد السوفيتي. بعد انهيار الأخير أعادت أميركا توزيع قواتها في العالم، وكذلك ألغت طيفاً كبيراً من مظاهر الرعاية الاجتماعية لمواطنيها. في العام 95 احتفلت بغورباتشوف في فندق الفيرمونت، سان فرانسسيكو، ودشنت مرحلة أكثر وحشية من الليبرالية المتحررة عن رقابة الدولة. كانت النتيجة انهيار أغسطس 2009م، كما تنبأ اقتصاديون مرموقون. وكما فشل في تخيله أيضاً اقتصاديون مرموق.

أتذكر هذه الأحداث بينما أتابع الأخبار المحلية. الجنرال علي محسن ينتظر قراراً رئاسياً بتوليته منطقة عسكرية. بصرف النظر عن "أين"، فإن السؤال: لماذا؟. كان الجنرال قد أعلن مرات عديدة: سأستقيل بعد الثورة. وفيما يبدو فإن كل إعلاناته الأخلاقية الرفيعة كانت مجرد أداة من أدوات صراعه مع صالح. قبل أشهر قال لوسيلة إعلامية خليجية إن الوطن يحتاجه في هذا الظرف الحرج. لكنه قال أيضاً إن هيكلة الجيش تهدف إلى الخروج باليمن من الظروف الحرجة. سيعجر محبوه الآن في الدفاع عن بقائه في قيادة الجيش في الأزمنة مابعدـ الحرجة. أي: في زمن ما بعد الهيكلة. لطالما قال إنه يخاف علينا من أحمد. 

ولكن أحداً لم يخبره أننا نخاف منه أكثر من أحمد. في أحسن الظروف: كمثل أحمد. بالنسبة لنا، على وجه الخصوص بعد هيكلة الجيش بالطريقة التي اطلعنا عليها، فإن أحمد لم يعد اسماً ذا بال. على وشك أن يصبح مثل الحرس الجمهوري: اسماً وهمياً، أو خيالاً . ليس من المنطقي أن يحرس شخصٌ شخصاً آخر رغماً عن أنفه. سورة الكهف قالت للرسول: فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم. الجنرال يبدو، بطريقة ما، كما لو أنه باخع نفسه على آثارنا، ليحرسنا بالإكراه. للتاريخ: عمل الجنرال ثلث قرن لمصلحة العائلة، وعامين لمصلحة الثورة. تبييض الثلث قرن بعامين هو لون من التجارة غير الشريفة، ينطوي على الربا والخداع والربح غير المشروع. يصعب نكران ما فعله الجنرال للثورة، لكن من السهل تذكر أن الجنرال لو لم يفعل ذلك لكان الآن يبحث عن عشّ في بيروت، أو روما. 

لقد فعلت الثورة أموراً عظيمة: فكت الحصار عن الفرقة المدرعة، باعتراف الجنرال، وأعتقته. من ظواهر الكوميديا الراهنة: الثورة حررت حماتها. لكن الثورة، مع الزمن، تحدِّث فلسفتها وتطور رؤيتها للمخاطر. فهي استثمار في المستقبل، وقطيعة جذرية مع الماضي. ضمن مبادئ العدالة الانتقالية يمكن تبييض جزء كبير من كوارث الماضي بتسويات تاريخية أخلاقية، كما كتبنا سابقاً. ذلك أمر يختلف كلياً عما تفكر به الآن، أيها الجنرال.


في الأربعاء 02 يناير-كانون الثاني 2013 10:37:41 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=18666