مأزق جديد في انتظار الرئيس هادي
عبدالعزيز ظافر
عبدالعزيز ظافر

في السنوات التي تلت حرب صيف 94م تعرض آلاف من كوادر الحزب الاشتراكي لممارسات تعسفية وغير قانونية ،أقصى وهمش بموجبها الكثير من مناصبهم العسكرية والمدنية التي تقلدوها قبل الحرب ،ضمن نهج إقصائي اصطلح على تسميته آنذاك في الجنوب بحزب خليك بالبيت، وأضيف إلى هؤلاء عشرات الآلاف من أبناء الجنوب ممن أحيلوا الى التقاعد خلال السنوات الماضية لبلوغهم سن التقاعد القانوني رغم أن الكثير منهم كان في العقد الخامس من العمر ،وكان انضمام هذا العدد الهائل من الكوادر إلى صف العاطلين عن العمل في المحافظات الجنوبية سببا رئيسيا في ظهور الحراك الجنوبي وتحوله بعد ذلك إلى مشروع انفصالي . 

- الرئيس هادي حرص ومنذ الأسابيع الأولى من انتخابه على إعادة الاعتبار للشريك الجنوبي في السلطة عبر تعيين عشرات من الكوادر الجنوبية المؤهلة في مناصب سياسية وعسكرية هامة بعد إقالته لعدد لابأس به من القيادات المقربة من الرئيس السابق تحت يافطة الاستجابة لمطالب الثوار ، ورغم أهمية هذه الخطوة إلا أنها لم تكن كافية في نظر الحزب الاشتراكي ،الذي وقف خلف تبني اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار الوطني للنقاط العشرين المطلوب من الرئيس هادي تنفيذها لتهيئة الأجواء لعقد مؤتمر الحوار الوطني .

-يأتي استعادة الجنوب لحصته في السلطة عبر إعادة تقاسم المناصب مع الشمال بواقع 50% لكل طرف كأحد ابرز مضامين النقاط العشرين ،ونظرا لتعنت قوى الحراك ورفضها المشاركة في مؤتمر الحوار ضمن تكتيك ذكي تنفذه لتحقيق أهدافها، كان من الثمار الآنية لهذا التكتيك أن أصبح غالبية أعضاء لجنة الحوار و المبعوث الأممي بن عمر والوسطاء الدوليين يعولون كثيرا على تطبيق إعادة التقاسم على ارض الواقع خلال الأسابيع المقبلة كخطوة كفيلة بإقناع غالبية قوى الحراك في المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني .

-مأزق التقاسم :

-لاشك أن الرئيس هادي في وضع لايحسد عليه ،فهو مطالب بمعالجة وضع مختل نتاج سنوات من الأخطاء المتراكمة خلال فترة بسيطة لا تتجاوز الأسابيع،ومن البديهي أن أي تعيينات جديدة سترتكز على معيارين رئيسيين الأول التقاسم المناطقي المتساوي بين الشمال والجنوب ،والثاني مراعاة التعيينات المقبلة في الحصة الخاصة بالشمال للتقاسم السياسي الحاصل بين (المشترك والمؤتمر)ونظرا لان الغالبية العظمى من القيادات الحالية في الدولة هي من كوادر المؤتمر الشعبي ،ما يعني ان المؤتمر سيكون المتضرر الأكبر من التعيينات الجديدة بصورة قد تصل الى ان يطلق عليه حزب "خليك بالبيت"كما كان حال الاشتراكي بعد 94م .

واذا ما أضفنا إلى ماسبق افتقاد القرارات الرئاسية في معظمها لأهم المعايير الواجب مراعاتها(النزاهة ،التخصص،الخبرة..)عند اختيار الأشخاص المعينين،وضيق دائرة معاريف الرئيس،و استمرار التوتر السياسي والأمني،والحساسية الشديدة لدى القوى النافذة من أي إقصاء أو تهميش للقيادات المحسوبة عليها ،إضافة إلى تحين البعض الفرصة المناسبة لمحاولة النيل من الرئيس ،كل ذلك يرجح تسبب القرارات الرئاسية المقبلة في شحن الاجواء وتأزيم الوضع الداخلي بصورة مغايرة تماما لما يراد منها في تهيئة الأجواء للحوار،ما يعني أن الرئيس قد يجد نفسه في مأزق يصعب الخروج منه.

-من ملامح مأزق قرارات التقاسم المقبلة أن غالبية القوى الفاعلة على الساحة ستحاول استغلالها بما يخدم أجندتها وان كان على حساب الرئيس هادي ومصلحة البلاد ،فالبعض في الشمال سيستخدم القرارات كدليل على تحيز الرئيس للجنوب على حساب الشمال وهذا غير صحيح ،في حين أن جناح الصقور في المؤتمر الشعبي سيعمل على إظهار هادي كعدو للحزب عبر اتهامه بإتباع سياسة إقصاء لكوادر المؤتمر من أجهزة الدولة المدنية والعسكرية وهذا غير صحيح أيضا.

-كما أن أي إقالة لمحافظين أو قيادات أمنية وعسكرية سينظر إليها الرئيس السابق وأقاربه وجماعة الحوثي والحراك على أنها محاباة من هادي لعلي محسن والإصلاح وتعزيز سيطرتهم الأمنية والعسكرية على البلاد ،كما أن الحزب الاشتراكي وقوى الحراك قد يعتبرونها استمرارا لسياسة التقاسم بين القوى المنتصرة في حرب 94م،ونظرا لان غالبية الكوادر الجنوبية المعينة إلى حد الآن تنتمي إلى محافظات أبين ،شبوة وعدن ،مما يتيح فرصة لقوى في الحراك للتقليل من أهمية تلك القرارات بالحديث عن استحواذ التيار الجنوبي الذي شارك في الحرب على الجنوب على التعيينات ولا دخل للحراك فيها وان أي من قياداته قد تشملها تلك القرارات لا تمثل الحراك وإنما تمثل نفسها .

-اذاً يمكن حصر ابرز السلبيات المتوقعة من القرارات الرئاسية المقبلة في التالي :

-تعكير الأجواء وتأزيم الوضع الداخلي بصورة قد تؤدي إلى تأجيل جديد لموعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني .

-تأثر علاقات الرئيس هادي سلباً مع غالبية القوى الفاعلة على الساحة ،وتجاوز تلك القوى مرحلة النظر إليه كشخصية توافقية يحظى بدعمها ،وهو ما يعني انه في حال ما استدعى الوضع الداخلي اللجوء الى خيار التمديد للرئيس هادي لعامين آخرين ، فان القوى الإقليمية والدولية ستواجه صعوبة شديدة في إقناع القوى المختلفة بذلك .

-تأثر علاقة الرئيس هادي سلبا ببعض أركان حزبه ،لان الإقصاء المتوقع لكثير من كوادر المؤتمر الشعبي من مناصبها الحكومية سيدفع غالبية كوادر الحزب إلى صف الرئيس السابق ،وهو مايعني ان الرئيس هادي قد يجد صعوبة في الحصول على تأييد حزبه لخوض الانتخابات الرئاسية في فبراير 2014 إذا ماكانت الظروف مهيأة لذلك،ونظرا لان غالبية التصريحات والمواقف الصادرة عن المشترك بشأن الانتخابات القادمة ،تكشف عن رغبة لدى أحزاب المشترك في ترشيح احد قاداتها للانتخابات ،مايعني أن فرص هادي لخوض الانتخابات والفوز فيها ستكون ضئيلة اذا لم يتدارك الامر من الآن .

-في اعتقادي ان على الرئيس هادي العمل على الحد من أي آثار سلبية لقرارات التقاسم التي شرع في اتخاذها وذلك بمراعاة التالي :

1-الحرص على ان تكون القرارات مثالية قدر الإمكان ،والحد من قدرة القوى المختلفة على المزايدة بها ،وذلك بالأخذ بمعايير كالنزاهة ،التخصص والخبرة عند تعيين الأشخاص ،لأنه قد يقلل من سلبيات التقاسم المناطقي والمناصفة الحزبية.

2- العمل على دحض الاعتقاد السائد لدى كوادر المؤتمر الشعبي بوجود سياسة إقصاء لها من مؤسسات الدولة المختلفة وذلك من خلال الإجراءات التالية :

أ-اللجوء وبصورة مؤقتة إلى إنشاء واستحداث مناصب قيادية في مختلف مؤسسات الدولة لاستيعاب غالبية المعينين الجدد ،ومن ثم التقليل من اعداد المقالين من مناصبهم ،وعلى الرغم من سلبيات ذلك اقتصاديا وإداريا ،إلا انه قد يكون الحل الأقل سوءً خاصة ان البلاد تمر بوضع استثنائي .

ب-الحرص على أن تكون القيادات التي سيتم إقالتها ممن بلغت احد الأجلين،ومحاولة تجنب إقالة القيادات الشابة قدر الإمكان ،فالملاحظ أن القيادات الأربع التي تم الاستغناء عنها مؤخرا في مكتب الرئيس ماتزال إما في منتصف العقد الرابع او أوائل العقد الخامس من العمر ،ومن الظلم أن يتم ركنها في مثل هذا السن .

3-إعطاء الأولوية عند اختيار الأسماء المرشحة لتولي مناصب قيادية لكوادر الجهة نفسها ،لان جميع الهيئات فيها كوادر وخبرات من الجنوب والشمال .

4- رغم سلبيات الرئيس السابق الا انه كان يحرص عند إقالة القيادات المدنية على إصدار قرارات موازية بتعيينها أما أعضاء في مجلس الشورى او مستشارين في الوزارات التي كانوا يعملون فيها او أي مناصب شكلية وذلك للتقليل من آثار القرار على نفسيات المقالين ،حتى الرئيس هادي يلجأ إلى ذلك مع البعض كما حصل عندما اصدر قرار مستشار للأستاذ القدير احمد سالم القاضي عندما تم تعيين هدى أبلان خلفا له ،ورغم أن الرجل قد تجاوز الثمانيين من العمر إلا ان هادي حرص على تطييب خاطره سيما انه من نفس منطقة الرئيس ،وللأسف أن القيادات التي تم ركنها على الرف في مكتب الرئيس لم تحظ بمثل هذه المعاملة رغم أنها ماتزال في أوج عطائها . 

ومضات :

-الدكتور ياسين سعيد نعمان داهية السياسيين اليمنيين و الأب الروحي للنقاط العشرين ،بالأمس كشف عن عزمه اعتزال العمل السياسي،الغريب في الأمر ان يأتي مثل هذا القرار والرجل في أوج شعبيته ،كونه أصبح في نظر الكثير من أنصاره المرشح الأوفر حظا لتولي منصب رئاسة البلاد أو رئاسة الحكومة مابعد الفترة الانتقالية ،الدكتور ياسين كان قبل أسابيع قد استخف بالثوابت الوطنية ،كما تحدث عن أن الوحدة غير مقدسة والانفصال غير مضمون ،وقبل ذلك خرج علينا بنظرية الانفصال الناعم عندما قال انه ليس بالضرورة أن يكون الانفصال بالعنف ،مستشهدا بنموذج تشيكوسلوفاكيا.

-يبدو ان الدكتور ياسين (الذي احترمه كمثقف وإنسان دمث الأخلاق )يسعى لاستكمال دوره لفصل الجنوب عن الشمال بطريقة أمنة في الفترة المقبلة عبر إشرافه المباشر على الانفصال الناعم ،والذي لن يكتب له النجاح إلا مع وجوده على رأس النظام ،الذي سيتولى الإشراف على تنفيذ ماسيتم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني وبالذات مايتعلق بتقرير المصير ،من هنا جاء حديث نعمان عن عزمه اعتزال العمل السياسي من اجل زيادة التعاطف الشعبي معه ،ودفع القوى السياسية للتمسك به كمرشح لها لخوض الانتخابات المقبلة خاصة مع هجوم مواقع إصلاحية عليه مؤخرا.

-مازال غالبية موظفي مكتب الرئاسة غير مستوعبين الطريقة التي تمت بها إبعاد أربعة من ابرز كوادر المكتب عن مناصبهم، ويأتي في مقدمة هؤلاء ابن جبل صبر أستاذي وأخي فؤاد نعمان قلب وعقل الإدارة الإعلامية ،فؤاد نموذج للقيادي الشاب المجتهد المخلص لوطنه ،تواصلت معه تلفونيا لأسأل عن حاله بعد نزوحه القصري إلى البيت ، فوجدته راضيا صابرا بوضعه كما هو دأبه دائما، أما أنا فلا اعتقد أن مكوث نعمان في منزله سيطول ،وذلك لثقتي بوجود قيادة حكيمة في المكتب ممثلة بالأستاذ الفاضل نصر طه مصطفى ونائبه الدكتور جعفر حامد ، لن ترضى بخسارة البلاد لمثل هذه الكفاءة الإعلامية المتميزة ،وستعمل على إنصافها في اقرب وقت .

-استطاع ابن أبين الأستاذ الفاضل محمد الحاج سالم كسب قلوب وعقول موظفيه في زمن قياسي لما يتمتع به من دماثة خلق وتواضع وإنسانية نادرة وكرم بلاحدود ،إضافة إلى خبرته الإعلامية الطويلة الممتدة لعقود واعتزازه بيمنية،كلها صفات تجعله من القيادات النادرة هذه الأيام ،وما أحوج القيادة السياسية الحكيمة للاستفادة من مثل هذه الكفاءة في احد المناصب القيادية الهامة في البلاد وليس في منصب إداري محدود الصلاحيات كما هو حاله الآن.


في الإثنين 17 ديسمبر-كانون الأول 2012 09:17:30 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=18466