النَبآشّ والرفيق كلاشنكوف
عبدالقوي الشامي
عبدالقوي الشامي
من ثنايا الزخّم العارم الذي تعيشه الساحة الجنوبية في هذه المرحلة, تستوقف المرء جملة من الأحداث السار منها والغامض, فعودة شخصيات جنوبية ذات وزن تاريخي سياسي أو عسكري مثل محمد على أحمد وأحمد عبدالله الحسَني, وغيرهما من نشطاء السياسة الجنوبيين,عودتهم من المنفى إلى أرض الوطن, كانت مبعثاً للأمل لدى الجميع متفق ومختلف: إذ فُهِمَت تعزيزآ للحراك لدى قطاع واسع من الجنوبيين, وتأكيدا على ديمقراطية الوحدة عند الـ(نيو وحدويون) الذين يرفعون بمراوحة علم الوحدة على سارية فيدرالية متعددة الأَبعاد.

أما الغموض فتمثل بمراسم الإستقبال, للأول عسكري تقدمة الفقيد اللواء (قَطن) قائد المنطقة الجنوبية حينها, وللثاني أمني اختطافا من الطائرة كما تقول الرواية الهوليودية.. فإذا تجاوزنا شكل الاستقبالين بضبابيته, يمكن القول: الرجلان منذ الوصول يسيران في خطين متوآزيين وإن أكدا لقاءهما عند نقطة الجنوب الجديد. إلاّ أن في تحركاتهما الميدانية من الغمز في المنابر والصحف ما يوصل رسائل متداخلة تبطن أكثر مما تظهر, وقد يكونا محقان لأن الأمور (مطعفرة) بواقع السيولة في الحراك وبتعقيدات الوضع بعامة, لذا من الأفضل تجنب الخوض (باطنية) ونبقى مع (قابلية)هما على تدجين نزعات التقاطع والتصادم, بحبل من الداخل وحبل من الخارج.

فإرهاصات ما بعد العودة تدفع بالإستنتاج: العناوين تثير تداعيات إرثٍ من الماضي, بل وتدل على إستقراق في فلسفته وما إبداء الزهدٌ اللفظي عن تفاصيله إلاّ لتخفيف فوبيا ذلك الماضي, فالخلاصة حتى الآن تشير بكأنهما لم يبارحا برنامج الإذاعة المحلية في المحافظة او قيادة السلاح, والمؤشر البائس عدم التقبل لبرنامج بعضهما البعض, أما الأكثر بؤساً فهو تشويش كُلٍ منهما على إرسال إذاعة الأخر, إلى جانب محاولات إستنبات ما يمكن تسميته بـ(ضرس عقل زعامة الشيخوخة) فمستودع الزعامة يكاد يكتسح جُل من لا صفة له من خطباء المهرجانات على نحو يذكر بغداة الوحدة وتندر العامة من الناس بـ(وحدة المليون عقيد) بعد توزيع الرتب العسكرية إسترضاءً, فهل نخرج اليوم من تلك الحالة استرضاءً ايضاً ولكن بمليون زعيم؟   

المقلق إن من يقف في خلفية المشهد لم يفصح عن كيفية تَدبر أجندة الجنوب لتأسيس إذاعة مركزية تجمع المُعديِّن ولا تفرق في البرامج المُتباينة. كما لم يُفيدنا بكيفية التدبُر في اليوم التالي: هل سنعود إلى استيراد البيض بالطائرة من بلغاريا والبطاطس بالشحن الجوي من كوبا, والى حالة العجز في الصعبة والوفرَّة في المحلي من العملة, فالبرامج: عكٌ لشعارات مبهمة المقاصد .. وهنا لا بد من التنويه أن الحديث عن البؤس والشقاء الجنوبي ليس حُجة لذاته, ولن يُؤتي أُكله دون برنامج يتجاوز النواح على اللبن المسكوب, فالوطن ليس مجرد مفاضلة بين شقاء ورخاء, بل إحساس بالإنتماء يتأتى بتشارك الأراء في القرار فالشراكة تصنع الرخاء والتفرد يُضعف الشعور بالإنتماء ويتحمل كامل المسئولية عن ما نعانيه, أي كانت المبررات (ضرورات المرحلة). كما وعلينا إلا نتوقع رفع شعار (تخفيض الراتب واجب) كما فعل الآباء, بل سيدوُّي جهراً صوت الأبناء بشعار: رفع الرواتب واجب!

هناك طريق واحد يُوصل الجميع إلى الحق الجنوبي المغتصبّ, أولى محطاته البعد عن الشطط الجغرافي لما له من تأثير مدمر لفرص الحل المنصف, والتفاعل مع الأخرين بما يؤمن الحقوق الجنوبية التي أهدرتها الانقسامات والنزعات التزعمية لأصحاب العلامات التجارية الصانعة لهذا الإرث, التي تحاول اليوم إستبدال الإيديلوجيا بالمال السياسي مع التأكيد أن الحديث عندما يكون بإسم الشعب بالضرورة يُستمد منه لا من تقديرات ذاتية.

ثانيها تنظيم الصفوف الجنوبية دون تلكؤ او مبررات ممجوجة, في ضوء إسترتيجية واضحة يتفق عليها الجميع دون عصمة لكائن من كان, تقدم البديل الأفضل عن الوحدة التي ورطوناها وعن الشطر الذي قتلوه إنقساماً, إستراتيجية تستوعب ظروف المرحلة التي نعيشها اليوم ولا تشكل حصان طروادة للمحور الـ(عسكرقبلي) ولا تتساوق مع ما بدر مؤخراً من محاولة قوى حزبية بعينها الإستقواءً بهذا الحلف من اجل الظفر بجزء من هذا الوطن الممتد من المهرة حتى باب المندب, ومن ثَمّ يُترك الخيار للشعب الجنوبي ليقرر بشأنها ما يريد, بعيداً عن لعُبة الحسابات الحزبية, المناطقية والقروية, وكل البعد عن ولآية السيد الرئيس والبعد القطعي عن الولي الفقيه, وحتى عن ولآية الرفيق الأمين العآم.

وثالثها تَمثُل مبدأ التصالح والتسامح بقطع المسافة البينية والتشارك, او اقله التنسيق في المؤتمرات, المهرجانات والموسَّع والضَّيق من الإجتماعات, تطرح فيها كل البرامج والأفكار, لخطوط مستقبل تُحاكي مأمون العواقب لا تقديرانها, ليس بأثر رجعي شطري او وحدوي ولا على قاعدة (تعالوا نوعد الناس بكذا .. وكذا) دون مقومات, ودونما ترويج لقيادة بعينها, وإنما بإخلاص موضوعي وبإبداع غير عاطفي وشفافية تضع حد لبعض التخوفات من إن البعض عند نقطة الـ(أنا) التي عبرُّتنا إلى بؤس الراهن سيدفع الأتباع لإمتشاق الرفيق (كلاشنكوف) مرة أخرى بعد تحديث المحَّآجِي. 

والختام بقطع دابر المتحذلقين في صحف الأرض والفضاء الذين يُحَّملون القول ما لا يُحّتمل, وإن عَدِموا فَيَختلِقون وأضعف الدس عندهم تنسِّيب القناعة للمجهول, غُراب البين النشط هذه الأيام في تسميم العلاقة الـ(جنوبية - جنوبية) قطعآ لكل ذلك ولدآبر نبَّاش قبور 86 والملمح الجنوبي في مقبرة 94 ثمة سانحة لجماعات الداخل وجماعات الخارج لأثبات تصالحهم وتسامحهم فعلاً بعد قول, فخمسون إلاّ عام ونحن بفضلنا جميعاً إلى الخلف نسير على أنغام إبداعات قهقرية لزعامات, تقودنا من فشل إلى أخر ومن نفق إلى نفق ومع ذلك وبعد كل الأفشَّآل المتراكمة ينشُد المئآل الجميع: أن ينزل كلٍ من فوق شَجرته ويعمل على جسِّر الهوة تجاه الآخر فالفرصة بحجم الوطن, ضياعها ضربة قاضية لهذا الجيل المتمسك براية القيادة التاريخية, وإنجاحها لن يَحِد من تشرذم القرار وحسب بل سَيخُلق انطباع إيجابي في الموقفين الإقليمي والدولي حول قدرة النخبة على التفاهم لبناء الدولة الجنوبية التي تؤمن حقوق الجنوبيين ومصالح الأخرىن .. فكما لنا حقوق في بلدنا فللأخرين مصالح فيها, هم بأمس الحاجة لسماع إشارات مطمئنه, لذا على الجميع عائداً كان أو متأهب العمل كل ما بوسعة لجهة العودة إلى الوطن وليس إلى الماضي.

 
في السبت 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 06:47:52 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=17962