مأرب المنسية: عمق الوطن التاريخي والحضاري
د. عبد الله ناشر
د. عبد الله ناشر

أجدني مأسوراً بالرغبة في الكتابة حول مأرب، بعد زيارة لها تأتي بعد 28 سنة من زيارة سابقة، يوم كنت أؤدي خدمة الدفاع الوطني في عام 1984.

مأرب العمق التاريخي والحضاري للإنسان اليمني، هذه هي الحقيقة التي يقولها التاريخ، ويؤكدها القرآن الكريم بقوله (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (سبأ: 15) .

وأنا أتنقل في مأرب وأتحدث إلى أهلها، وجدت نفسي لا إرادياً أقارن بين مأرب 1984 ومأرب 2012، وأصبت بالصدمة لأني لم أجد ما يستحق الذكر من التطور الذي توقعته وأنا في الطريق إلى تلك المحافظة، وبالمقابل كانت الصورة المشوهة التي استطاع إعلام نظام الرئيس المخلوع من غرسها خلال الـ 33 عاماً الماضية هي التي تتصدر المشهد، إذ تم تصوير مأرب بمحافظة للقتل والنهب والاختطاف، وأبناءها على أنهم مجاميع من قطاع الطرق.

قال لي أحد أبنائها نحن لم نُظلم من النظام فقط بل حتى منكم أنتم المتعلمين والمثقفين من أبناء وطننا، لأن النظام بنى بيننا وبينكم حاجزاً كبيراً عبر التشويه الممنهج لأبناء مأرب وتصويرهم لكم بأنهم ليسوا إلا قطاع طرق وخارجين على القانون، وأنتم صدقتم ذلك وتخليتم عنا!!؟؟.

المؤكد أن مأرب قد ظُلمت كثيراً وقد نجح النظام بتشويه صورتها، وعمد إلى عدم السماح بحدوث أي تنمية فيها، بل حتى مشروع سد مأرب الممول من قبل الشيخ زايد بن سلطان - عليه رحمة الله – تم إجهاضه وتحول من نعمة إلى نقمة على العديد من مناطق المحافظة بسبب عدم استكماله بحسب ما كان مخطط له، ما حول بعض المناطق التي كانت زراعية إلى مناطق متصحرة. بل إن من يشاهد قنوات الري التي أُنفق على إنجازها ملايين الدولارات قد تم تدميرها وتحويل مسار المياه فيها إلى غير الجهات المحددة، يشعر بالحسرة تجتاحه حتى الأعماق.

لم يكتفي نظام الرئيس المخلوع بذلك بل عمد إلى سياسة فرق تسد بين أبناء المحافظة وحولهم إلى مجاميع متناحرة فيما بينها، مكنته من السيطرة عليها، كما قام بصناعة مشايخ ونافذين من شخصيات انتهازية تدين له بالولاء، وأغدق لها العطاء، بغرض تقليص نفوذ وتأثير مشائخ مأرب الكرام الذين أبو أن يكونون خدماً للنظام وأتباعاً له وهم كُثر.

هل يعقل أن الوطن يستخرج النفط من هذه المحافظة منذ 26 سنة والمحافظة محرومة من أبسط مشاريع التنمية. نعم هذا يحدث مصحوباً بنكران وجحود لهذه المحافظة، بل وتشويه ممنهج لها ولأبنائها.

هل يُصدق عاقل أن الطاقة الكهربائية التي تنير العاصمة ومحافظات أخرى تُولد في مأرب وبالغاز المستخرج من أرضها، في الوقت الذي أبناء المناطق التي تمر فيها خطوط الضغط العالي محرومون منها ويعيشون في ظلام دامس، بل لا يسلمون حتى من المخاطر التي تسببها خطوط الضغط العالي عليهم، وهم صابرون على كل ذلك، علماً بأن من يعتدي على أبراج الكهرباء هم عصابات ترتبط بنظام الرئيس المخلوع، وليسو أبناء مأرب الصابرين على كل هذا النكران والجحود والتهميش والتجاهل لمحافظتهم.

لقد آن الأوان لهذه المحافظة أن تُنصف بعد ثورة 11 فبراير السلمية، وإنصافها ليست مسؤولية أبناء مأرب وحدهم، إذ أن كل يمني مدين لمأرب بجزء من هويته اليمنية، فهي عمق اليمن التاريخي والحضاري الذي يفتخر به اليمنيون، لذلك هناك استحقاق يقع على كل يمني تجاه هذه المحافظة.

مأرب بعمقها التاريخي الحضاري يمكن أن تُصبح قبلة للسياحة، ناهيك عن إمكانياتها الزراعية، ..الخ، كما يمكن أن تُصبح نموذجاً للتغيير الحقيقي من خلال مشروع متكامل للنهوض بالمحافظة، وهو ما ستنتهي معه كل الظواهر السلبية التي أوجدها النظام وأصبحت مصدراً لتشويه المحافظة وأبناءها.

إن وجود محافظ من أبناء المحافظة يحضا بالقبول من قبل أبناء مأرب ممثلاً بمحافظها الحالي "الشيخ سلطان العرادة" يمثل بداية صحيحة لتمكين هذه المحافظة من نيل ما تستحق من الاهتمام، كما يُمكنها من أداء دورها الوطني على الوجه الأكمل، وأتصور أن المدخل لذلك يكمن في تبنى محافظ المحافظة الدعوة لمؤتمر عام لأبناء المحافظة لا يُستثنى منه أحد من واجهات المحافظة التي تحضا بالاحترام والقبول من أبناء مأرب (وليست القيادات الوهمية التي صنعها النظام) بحيث يناقش المؤتمر كل القضايا التي تهم المحافظة، ويكون حاملاً للمشروع الذي سيخرج به المؤتمر، الذي ينبغي أن يكون من مخرجاته الأساسية ما يأتي:

التوقيع على ميثاق شرف يتضمن هدنة حول قضايا الثأر لمدة معينة - ولتكن خمس سنوات – تسمح بمعالجة جميع القضايا المتعلقة بالثأر وبشكل مرضي.

تحديد لأهم القضايا التي تهم المحافظة وأنجع الطرق للتعاطي معها.

رؤية مبدئية لمشروع تنموي للنهوض بالمحافظةً، تُحال إلى لجان فنية تشكل من خبراء مختصون - بما فيهم أساتذة الجامعات، وبحيث تعطى الأولوية لأبناء المحافظة – تقوم تلك اللجان بتجهيز المشروع بمكوناته الاقتصادية والاجتماعية، على أن يكون كل مكون محددٌ في أهدافه وتكاليف تنفيذه، و المدة الزمنية المطلوبة، فضلاً عن وضوح المخرجات المُتوخاة منه، ويتولى المحافظ متابعة الحصول على التمويل اللازم لتنفيذه.

إن إعداد مشروع تنموي مقنع للداعمين هو الضمان الحقيقي للحصول على التمويل اللازم للتنفيذ، لاسيما وأن محافظة مأرب هي إحدى المحافظات التي في دائرة اهتمام الخارج، كونها إحدى المحافظات التي تنتشر فيها البطالة التي تعد أحد أهم الأسباب التي تدفع بالشباب إلى أحضان الجماعات المتطرفة.


في الأربعاء 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 01:03:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=17919